|
إلى الرئيس باراك اوباما .. هذه مقترحاتي للخروج من الأزمة الاقتصادية بدون أضرار
أية خسارة هذه ! وأي هدر للوقت هذا ! إنها أزمة صحية هذه اللتي نعيشها حالياً والتي كانت ولا زالت مناسبة رائعة لتصفية حساباتنا مع ستين سنة أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تخللتها صراعات سياسية وأزمات اقتصادية. مع الأسف، فقادة مجموعة العشرين (جي20) في مؤتمر لندن اكتفوا بمعالجتها من ناحية أخلاقية. لا يمكن أن يكون لهكذا معالجة إلاً تفسيران: افضلهما هو عدم قدرة قادة مجموعة العشرين (جي20) على فهم ما تخفيه هذه الأزمة في آلياتها؛ وأسوأهما هو الخداع السياسي لإسداء خدمات للمسببين في هذه الأزمة. كمدخل لفهم تحليلي الشخصي لهذه الأزمة والحلول التي أطرحها للخروج منها بدون نتائجها السلبية التي تعصف بالعالم من ازدياد في البطالة وهدر للقيم المنتجة سأبدأ بسرد رواية ساخرة قرأتها مؤخراً: «ذهب تاجر غني إلى قرية نائية يسكنها فلاحون بسطاء. لاحظ هذا التاجر أن القرويين لديهم عدد كبير من الحمير التي تمثل أدوات عملهم. فأراد هذا التاجر أن يمارس هوايته المفضلة آلا وهي المضاربة. فعرض على القرويين أن يبيعوا له حميرهم بسعر 10 دولارات لكل حمار. البعض باع حميره والبعض الآخر رفض. وفي اليوم الثاني عرض على القرويين الذين رفضوا بيع حميرهم أن يبيعوها له بسعر 15 دولار. فباع قسم منهم ورفض قسم آخر. وفي اليوم الثالث عرض على القرويين الرافضين أن يبيعوا له حميرهم بسعر 30 دولار لكل حمار فباع الجميع ولم يبقى أي حمار للبيع في القرية. وقبل أن يترك القرية قال صاحبنا التاجر للقرويين: "والآن سأشتري أي حمار أجده بخمسين دولار" ورحل. في اليوم التالي أرسل التاجر أحد موظفيه السريين والذي يسمونه المصرفيون بـ"المرشد المالي"، الذي يتصف بالدهاء فاستطاع أن يقنع الفلاحين البسطاء بأن يشتروا حمير التاجر بـ40 دولار ومن ثم يبيعونها له مرة ثانية بـ50 دولار. الجميع وافق وبدأ السباق لشراء الحمير من التاجر ومن لم يكن لديه بما فيه الكفاية من المال استدان.ثم انتظر القرويون عودة التاجر في الاسبوع التالي لكن بدون نتيجة، إذ أن صاحبنا أخذ ماله وذهب إلى أحد الفراديس المالية تاركاً وراءه ديون وحمير.» ما الذي نستخلصه من هذه القصة التي تعكس بشكل ساخر سلوك المضاربة؟ للوهلة الأولى أن ما نراه هو الجانب الأخلاقي أي أنها عملية سرقة لأموال القرويين. إلاً أنني لن أأخذ بنظر الاعتبار هذا الجانب إذ لا يوجد في الأقتصاد شيء إسمه أخلاق بل هناك فقط مصالح وارباح وما ينظمها هي موازين قوى تملي صيغ القانون. أما المضاربة فمتواجدة منذ أن كان الإنسان البدائي يتعامل بالمقايضة والتي هي عملية تبادل بضائع ليست بالضرورة متساوية القيمة. كذلك كانت المضاربة موجودة في البلدان الاشتراكية حينما كان قسم من الطبقة العاملة يضارب على العلاقات الطبقية لكي يعمل أقل من الآخرين ويستلم نفس الأجر الذي يستلمه الآخرون الذين يعملون بجدية. ما ألاحظه في هذه العملية هو شيئان: الشيء الأول: أن التاجر بإخراجه الأموال التي تراكمت لديه من التداول في السوق يكون قد حولها إلى «مستند رهني». أي أن كل نشاط القرويين وأدوات عملهم (الحمير) أصبحو مرهونون للمضارب وبدونه لن يستطيعوا ممارسة نشاطهم. ولكي يتفضل المضارب ويدخل هذه الأموال إلى السوق للتداول فيجب أن نستجيب إلى رغبته بأن نحول «مستنده الرهني» إلى «مستند ريعي» أي أن ندفع له فائدة مقابل إقراضنا هذه الأموال. وهذا ما فعلته مجموعة العشرين في مؤتمر لندن التي أعادت أموال المضاربين إلى سوق التداول بواسطة ما يسمونه «خطط دعم الاقتصاد». بطبيعة الحال لم ينسى هؤلاء القادة أن يدينوا العمل اللا أخلاقي للمضاربين !! (هدوا أعصابكم أخوان). الشيء الثاني: بما أن لكل ورقة نقدية كي يكون لها قيمة فعلية للصرف (أي التداول بين الدول) يجب أن يكون لها غطاء ذهب مودع في المصارف المركزية فإن «المستند الرهني» يجعل من الغطاء الذهب للورقة النقدية أعلى قيمة من قيمة الذهب المتداول في السوق. كي يُفهم كيف يمكن أن يحدث ذلك أورد لكم المثال التالي: «لنفترض أن شخصاَ يشتري فندقاً (أوتيل) بمبلغ مليون دولار. وهناك فنادق كثيرة بنفس المواصفات ونفس السعر (الفندق هنا يمثل ثروة هذا الشخص أي غطائه الذهب) إلاً أن هذا الشخص هو الوحيد الذي يستطيع أن يقدم خدمات من نوعية عالية لزبائنه مما يجعله كثير الطلب من الزبائن (هذه الخدمات تمثل ورقة التداول النقدية) التي تجلب أرباحاً كبيرة لصاحب هذا الفندق. فلو أن هذا الشخص أراد أن يبيع فندقه بعد سنة فإنه لن يبيعه بنفس السعر الذي تباع به الفنادق الأخرى بل سيبيعه بسعر أعلى ذلك أن خدمات هذا الفندق أضافت إليه قيمة إضافية. ذلك هو الحال مع الورقة النقدية التي تضيف إلى غطائها الذهب قيمة إضافية كونها ترتهن قيم موجودة في السوق التي لا يمكن التعامل بها بدون الورقة النقدية.» انطلاقاً من هاتين النقطتين أطرح الحلول التالية للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية وبدون أضرار مع أصلاح أخطاء خطط الدعم للنشاط الاقتصادي التي رسمها مؤتمر مجموعة العشرين في لندن. الحل هو زيادة الموجود النقدي !! لو افترضنا أن الموجود النقدي لبلد ما مثل فرنسا مثلاً هو واحد مليار يورو. ولو افترضنا أن الغطاء الذهب لكل يورو المودع لدى البنك المركزي الاوروبي هو غرامين ذهب (2 غرام). ولنفترض ان فرنسا بحاجة إلى مليار يورو إضافي للخروج من الأزمة بدون أضرار. إذن الحل هو أن تصدر (تطبع) فرنسا كمية من الأوراق النقدية تعادل مليار يورو وعليه فإن الغطاء الذهب لكل يورو يصبح غرام واحد. إذ أن تقسيم الغطاء الذهب المتوفر لدى البنك المركزي الفرنسي على أثنين لن يقلل من قيمة العملة الورقية لأن قيمة الغطاء الذهب أصبح أعلى من قيمته الفعلية المتداولة في السوق نتيجة للمضاربة وتداول البضائع المنتجة خلال الستين سنة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية. إلاُ أنه من أجل أن لا تؤدي هذه العملية إلى خفض قيمة اليورو في التبادل مع العملات الخارجية يستوجب أن تقوم جميع الدول الصناعية والدول الغنية بالثروات التي عليها طلب عالي في السوق العالمية (مثل الدول النفطية) والدول التي تمتلك عملة صعبة معترف بها (مثل سويسرا) بزيادة موجودها النقدي بنفس النسبة التي اتبعتها فرنسا وبصورة متزامنة. ما هي نتائج زيادة الموجود النقدي على الأزمة الحالية؟ 1) بما أن زيادة الموجود النقدي يغنينا عن الحاجة إلى أموال الضاربين لتحريك الماكنة الاقتصادية فنكون قد ألغينا الطابع الرهني لأموال المضاربة وأعدنا لها صفتها الاولى اية ورقة تداول (البيع والشراء والاستثمار). 2) تسمح عملية زيادة الموجود النقدي بتصحيح نتائج ستين سنة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية والتي اتسمت بأزمات سياسية واقتصادية كانت نتيجتها زيادة ديون الدول. وديون الدول هي عبارة عن مستندات ريعية لا تخدم سوى المضاربين. إلا أن احراز نتائج ايجابية فورية تعتمد على طريقة استخدام الزيادة في الموجود النقدي. كيفية استخدام الزيادة في الموجود النقدي للخروج من الأزمة الحالية بدون أضرار ؟ هناك سبل عديدة لاحراز هذا الهدف سأذكر منها اثنين على سبيل المثال لا الحصر: 1) السبيل الأول: ترقية شرائح اجتماعية جديدة لاصلاح السياسات الخاطئة لمقررات مؤتمر لندن كما يلي: أ) انشاء «صندوق تساهمي شعبي للمستهلكين» (صتشم) يُودع فيه قسم من الزيادة في الموجود النقدي، ـ يقوم «الصندوق التساهمي الشعبي للمستهلكين» بتقديم المال اللازم لكل مؤسسة مالية (المصارف) في أزمة على هيئة زيادة في رأسمال المصرف، ـ يكون زبائن المصرف الذين يمتلكون حساباً جارياً فيه المالكون الجدد للزيادة في رأسمال المصرف. وتحتسب حصة كل زبون من الرأسمال المزاد اعتماداً على ما تمثله ودائعه في الحساب الجاري لسنة 2008 من نسبة الودائع الاجمالية للزبائن، ـ يتمتع هؤلاء المالكون الجدد بالأرباح التي يدرها الرأسمال المزاد وكذلك بحق توريثه. إلا أنه لا يمكن لهم بيعه أو ادخاله إلى البورصة للمضاربة. ـ تستقطع الدولة نسبة من أرباح مالكي الرأسمال المزاد لاسترجاع مبلغ الرأسمال المزاد. والمبالغ المسترجعة تستخدم لايفاء ديون الدولة. ـ يتولى ممثلون عن «الصندوق التساهمي الشعبي للمستهلكين» تمثيل المالكين الجدد في مجلس ادارة المصرف والجمعية العامة لهذا الأخير مما يمنحهم سلطة المساهمة في إدارة شؤون المصرف وتحديد رواتب رؤساءه. رواتب الممثلين عن «الصندوق التساهمي الشعبي للمستهلكين» يدفعها هذا الأخير لهم. ب) تنطبق على كل مؤسسة انتاجية تعاني من صعوبات مالية مثل صناعة السيارات احكام المواد المذكورة أعلاه. إلاً أن المستفيدين هم اعضاء الملاك العامل في المؤسسة (العمال والكوادر). مما سيمنح العاملين امكانية الاستفادة من نتائج العولمة وكذلك في حالة هجرة المؤسسة الانتاجية للعمل في بلدان أخرى أو في حالة البطالة. 2) السبيل الثاني: اطلاق مشروع عالمي لاستبدال الأوراق النقدية ببطاقات الدفع الالكترونية. سيمكن هذا المشروع من ضمان فترة ووتيرة نمو اقتصادي مماثلتين أواكثر لما شهده العالم آواخر التسعينات والتي كان محركها علاج مشكلة (البق 2000) أي الخلل في النظام المعلوماتي الذي كان يمكن أن يسببه الانتقال الى سنة 2000. إذن المشروع هو التالي: استبدال وسائل الدفع النقدية المتداولة ببطاقة ألكترونية لا تتجاوز حجم البطاقات الحالية وتتكون من شاشة صغيرة وملامس (كي بورد) وقناتين لانجاز عمليات الدفع والاستلام. وكل قناة تزود بشفرة شخصية لحماية عمليات الدفع من السرقة. تتصف بطاقة الدفع هذه بقدرتها على تسجيل عمليات التبادل والبيع والشراء مما توفر امكانية تعقب وتحييد شبكات الجريمة المنظمة والتهريب بكل انواعه والفساد المالي والرشاوي. ناهيكم عن كونها ستسهل الكشف عن منابع تمويل الحركات الارهابية وبالتالي القضاء عليها. إن ما تجلبه البطاقة الألكترونية من اقتصاد في ما يصرف في مكافحة الجريمة المنظمة والفساد اليوم يقدر بمئات المليارات من الدولارات. وهذه مبالغ كافية لتمويل سياسة سلام عالمية لمساعدة الدول الفقيرة واحراز تقدم في المجالات الاجتماعية والصحية حتى في البلدان الصناعية التي تعاني من مصاعب في الميزانية العامة. من هي الدول التي يحق لها زيادة الموجود النقدي ؟ كل دولة تتوفر فيها الشروط التالية يحق لها زيادة موجودها النقدي: 1) أن تكون دولة صناعية أو دولة تمتلك ثروات طبيعية عليها طلب عالمي كبير (مثل الدول النفطية) او تكون دولة ذات عملة نقدية صعبة معترف بها (مثل سويسرا)، 2) أن توافق كل دولة مستفيدة من عملية زيادة الموجود النقدي على الغاء جميع الديون المترتبة لها من قبل دولة ثانية. أي كان سبب هذه الديون سياسية أي عقوبات الحرب مثل الحرب بين العراق والكويت والعراق وايران، او نتيجة عمليات منح قروض اعتيادية في سياق العلاقات الاقتصادية الطبيعية. وبطبيعة الحال ديون صندوق النقد الدولي تصبح ملغاة تلقائياً، 3) أن توافق الدولة المستفيدة الأنضمام إلى المشروع الدولي لأستبدال الاوراق النقدية ببطاقات الدفع الألكترونية. كيفية حساب مقدار الزيادة في «الموجود النقدي» ؟ هناك خمس شروط على الأقل يجب ان تدخل في الحساب كي يمكن تحديد مقدار الزيادة في «الموجود النقدي»: 1) كلفة الأزمات السياسية والأقتصادية التي عاشها العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. إذ أن كل أزمة أدت الى زيادة في دين الدول المعنية. ودين الدولة بطبعه «مستند ريعي» قيمة غطاءه من الذهب هو اعلى من القيمة الفعلية للذهب المتداول في السوق. وهذا بحد ذاته نتيجة لغياب نظام نقدي يسمح بإصدار اوراق نقدية تعادل قيمة الثروات المنتجة فيصادرها الغطاء الذهب. 2) الحاجات الفعلية الى العملة لكل دولة للخروج من الأزمة وتدرج ضمن هذه الحاجيات ما صرف لحد الآن ضمن خطط دعم الاقتصاد الذي اقرته مجموعة العشرين في مؤتمر لندن، 3) الحاجة الفعلية الى العملة النقدية لاطلاق مشاريع ذات مردود عالٍ مثل المشروع الدولي لبطاقة الدفع الألكترونية، 4) مبالغ الديون التي سيجري الغاؤها من قبل البلدان المستفيدة من الزيادة في الموجود النقدي، 5) مبالغ ديون الدولة الداخلية التي يستوجب ان تعاد قبل الأوان بهدف التخفيف من عبء الفوائد التي تدفع لها والتي تثقل كاهل الميزانيات العامة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |