استغفال جارح للسيد المالكي

 

فرات المحسن

f_almohsen@hotmail.com

قيل أن القانون لا يحمي المغفل. للوهلة الأولى من الممكن أن توجه التهمة مباشرة الى القانون ذاته، عندما يوسم بالازدواجية أو الانحياز وحتى الخيانة الأخلاقية حين ينتصر للمجرم ويهمل المغفل. ولكن المثل في التوصيف العام يعني أساسا المغفل غير القادر على كسب قضيته لجهله وقصور ذهنه وضعف قدراته على تقديم أدلته ومستمسكاته.وفي هذه الحالة لا يستطيع القانون الدفاع عن المغفل وحمايته واثبات ما يساعده على إدانة المشتبه بقيامه بالواقعة الجرمية.

ورد في خاطري هذا وأنا أراقب أحداث واقعة الشكوى التي قدمها أحد محامي السيد رئيس الوزراء نوري المالكي ضد موقع كتابات. فالنتيجة تمخض عنها ظهور السيد المالكي بمظهر المغفل، وعقد النصر لصاحب موقع كتابات السيد أياد الزاملي حقوقيا ومعنويا وإعلاميا. واهتزت مع نهاية الواقعة صورة السيد المالكي التي جهد كثيرا للحفاظ عليها، وبالذات بعد ما حققه من انتصار قوي على خصومه العلنيين والمخفيين من الأخوة الأعداء الألداء في انتخابات مجالس المحافظات.

بعد انتخابات مجالس المحافظات تحولت الساحة السياسية العراقية الى ساحة حرب مكشوفة تكررت فيها محاولات مستميتة لسحب البساط من تحت أقدام المالكي وإفشال خططه. وليس أقلها محاولات تشويه صورته وتحوير وتأويل جميع ما يرد من كلام في خطبه وتصريحاته. والمالكي بدوره يقدم بسخاء مبررات واقعية للوقوف بالضد من سياساته، وخاصة فيما يتعلق بسوء الخدمات وشطحات شخصية له ولحاشيته وامتيازات كثيرة قدمها لأعضاء حزبه والمقربين منه. وسوء تصرف لبعض أعضاء حكومته وحزبه، أصبحت معها سلطة المالكي هدف مركزي لجمع غفير من خصوم متعددي الأهداف بعضهم من داخل حزبه. وجميع هؤلاء يعملون ما يستطيعوا عليه لتفتيت ما اكتسبه المالكي من قوة وقدرة.ولذا بدت واقعة الدعوى ضد موقع كتابات وكأنها جزء من تلك المحاولات المعد لها جيدا.

البحث في حيثيات الحدث يؤكد بأن طبيعة الدعوى ومجرياتها كانت سياسية أكثر من كونها شكوى قضائية، وظاهرها وباطنها يدلان على أنها قضية أعد لها بشكل جيد وذكي ومنذ فترة ليست بالقصيرة ولغاية ذهبت بعيدا لاصطياد عدة عصافير في آن. وكان الغرض من تقديمها الإساءة للسيد المالكي ووضعه في الموقع الخطأ حتى في حالة كسبه القضية.

 ولكون السيد المالكي قد سلم الكثير من أوراقه السياسية الى مستشاريه من أقاربه وحاشيته من حزب الدعوة وبعض المرتزقة، لذا أصبح السيد المالكي في هذه القضية هو المغفل الذي مررت الصفقة من تحت يديه وفي وضح النهار، لا بل شارك فيها شخصيا دون أن يدري أو يدرك أبعادها.أي بالمعنى الكامل للكلمة كان السيد المالكي مغفلا لا يعرف ما يخبئه له المحيطون به، وظهر أنه قليل الخبرة السياسية والمهنية مثل الكثير ممن يدير مؤسسات الدولة العراقية اليوم.  ولذا انطلت عليه الخدعة وأبتلع طعم اللعبة السياسية الخبيثة بسهولة لا يحسده عليها حتى تلامذة الصفوف الأولى في عالم السياسة.

الشكوى بنيت على واقعة إساءة وجهت لشخص من حاشية السيد المالكي وإدارته من العاملين في مجلس الوزراء وهو مدير مكتبه السيد طارق نجم العبد الله. حيث اتهم بالسيطرة وتوزيع المناصب والارتشاء وهو اتهام ممكن أن يحمل وجهي الحقيقة سلبا كانت أم إيجابا. المقال نشر في موقع كتابات قبل اشهر من الآن. والمقال عدا الكلمات الكيدية بحق السيد طارق نجم العبد الله، كان يخلوا من شتيمة أو لغة سوقية مثلما درجت عليه لغة بعض الكتاب في ذات الموقع المذكور، والذي وصل في بعضه الى لغة دونية وعبارات قذف وتجريح تناولت حتى عائلة السيد المالكي وتجاوزت بألفاظ مبتذلة نابية بعض أعضاء السلطة والأحزاب العراقية دون أن يحترم الكاتب ذاته، أو يلم الموقع بالعرف المهني لأي موقع يدعي ممارسة مهنة الصحافة أو الثقافة أو يحاول الاقتراب منهما. وتخلوا الكثير من المقالات المنشورة في الموقع من الاعتراف بالحق الإنساني في الاختلاف، وتصر دائما على خلط الأوراق وتناول ما هو شخصي بلغة إسفاف يتحمل صاحب الموقع كل كلمة ترد فيها، حتى وأن رفع راية عدم المسؤولية.تلك الراية التي باتت مهلهلة وهزيلة في عرف الأخلاق المهنية أو الثقافية، لو أردنا تصنيف الموقع وفق أسس العمل الصحفي الحقيقي. وربما أن الخوف وليس غيره، دفع السيد الزاملي لأدراك ولو بشكل متأخر مسؤوليته تلك، وهذا بالذات ما دفعه لرفع المقال موضوعة الدعوى من أرشيف الموقع.

ولكن الغريب في الأمر أن الشكوى اقتصرت على ذلك المقال ولم تتضمن أي ذكر لمقالات أخرى أو لعبارات التجريح والشتائم المبتذلة التي وجهت وتوجه يوميا الى السيد المالكي مباشرة قبل وبعد تاريخ رفع الدعوى المذكورة. والشتائم ضد المالكي هي أعنف بعشرات المرات مما ورد في المقال موضوع الشكوى. أيضا فأن المقال يعد بسيطا ومتهافتا جدا لو قورن بما تقوم به من تحريض وإساءات تأتي عليها الكثير من الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية العراقية والعربية بحق العراق.  والتي تستحق معها أن تقام عليها دعاوى أن كان ذلك يصنف ضمن الأعراف القانونية الذي قدمت بموجبه الشكوى.ولكن حاشية المالكي عافت كل ذلك وذهبت نحو موقع كتابات وذاك المقال، وهذا وحده يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك.

الأخوة الأعداء من ذات الكتلة أو من الائتلاف الشيعي بالتحديد وبالذات ممن لهم ارتباطات بجهات سياسية لها منفعة كبيرة في إسقاط السيد المالكي معنويا، قامت بالإعداد لمثل هذه المسرحية التي تلقفتها أطراف سياسية معلومة ومتعاونة وحسب الإشارة المتفق عليها لتبدأ حملة منظمة جعلت السيد المالكي يشعر بالدوار وبمقدار الخيبة التي وضع فيها، وبات عليه اختيار طريقين لا ثالث لهما. فإما الاستمرار بالدعوى ومعها سيكون هو الخاسر حتى وأن ربح القضية وستؤلب عليه جميع وسائل الإعلام ومجموعات كبيرة قريبة منه أو بعيدة عنه من أخوة النضال؟! أو الأخوة الأعداء؟! ومن شخوص أعدوا واستعدوا للقضية، وخصوم العملية السياسية أوالمنتفعين منها، والمراهقين، والمفلسين سياسيا، ومحرضين دون قضايا، ومتبرعي إيذاء، وجماعة على حس الطبل.. وجوقات ها خوتي ها.. عليهم. وهذا ما حدث مباشرة وبأسرع من سرعة الضوء.

أو أن المالكي يتخذ الطريق الذي سلكه ويتخلى عن شكواه وهذا ما تم. وجاء التخلي وفق صيغة جواب على سؤال أعلن فيه السيد المالكي سحب الدعوى التي أقامها نيابة عنه من أراد استغفاله والإضرار به.وبعد سحب الدعوى راحت القبائل تقدم تحياتها وتهش وتبش للمنتصر، ودارت أعلام القبيلة محتفية بالنصر المؤزر الذي ما كان ليخطر على بال، ولا يمكن له أن يرد بحلم في ليلة صيف ندية. وأدخلت واقعة استغفال كبير القوم في التأريخ العراقي المعاصر دون أن يتعرض الجناة للعقوبة.

أؤكد، لقد لعبتها القوى المضادة لمسيرة السيد المالكي بالشكل النموذجي والامثل وحصدت ما أرادته. وبدوره فقد بلع المالكي الطعم بسهولة فائقة وخفة لا يحسده عليها حتى من يحبوا في عالم السياسة. وبينت الواقعة أن المغفل ليس بالضرورة أن يكون أميا أو قاصرا، بل يمكن أن يكون رئيسا لحزب أو قائدا لدولة أو حتى كيان حزبي. ومسيرة العراق السياسية حافلة بالمغفلين على جميع الأصعدة والألوان والأحزاب. وفي المقابل نجد هناك وفي ذات المواقع أعداد من الشياطين ما يسد بهم عين الشمس.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com