من سرق العراق؟؟

 

صلاح التكمه جي
Moesa4@hotmail.com

طغت قضية الفساد الاداري وحفظ المال العام في العراق على واقع العملية السياسية بعد ان اثار البرلمان العراقي استجواب وزير التجارة على مسمع ومرئ من الشعب العراقي، حيث اعتبرت فاصلة مهمة في تحقيق الدور الرقابي لمجلس النواب.

فالتاريخ السياسي العراقي لم يشهد عملية استجواب لمسيرة الشخصيات المتصدية للعمل التنفيذي او التشريعي، وكانت عملية المسائلة طفرة نوعية في عمل مجلس النواب، فالدور الرقابي الذي لعبه البرلمان كشف حالة الفساد الاداري المنتشرة كوباء متجذر في اروقة الدولة العراقية الذي وصل الى المرحلة من الخطورة لم يعد السكوت عنه، وتدخل البرلمان العراقي كان في الوقت المناسب لتصحيح انحراف خطير كاد يصيب العملية السياسية في العراق.

وتشير التقارير الاعلامية الى ان عمليات هدر المال العام و الفساد الاداري كلف الدولة العراقية خسائر جسيمة ولفترات متفاوته، ففي زمن النظام البائد شهدت أكبر جريمة في هدر امكانات الدولة، ،فحروب النظام البائد كلفت الدولة خسائر قدرت 120 مليار دولار ناهيك عن الخسائر المدنية والبشرية المنظورة وغير المنظورة. فموارد نفط العراق اهدرت بالماكنة العسكرية للنظام البائد، وأهدرت ميزانية الدولة بشراء المعدات والآلة الحربية، حتى أصبح للعراق آنذاك قوة عسكرية قوامها أكثر من 600 طائرة حربية و 6000 دبابة وما يزيد عن 10000 مدفع متنوع وحجم هائل من المعدات العسكرية الأخرى، فقد كان سعر طائرة "الميراج 1" التي اشترى العراق منها 128 طائرة بلغت كلفة الواحدة منها 48 مليون دولار فيما بلغ سعر "الميغ 29" بحدود 30 مليون دولار.. في حين إن بناء المجمع السكني في الصالحية الذي يضم 2350 شقة سكنية مع كافة أبنيته الخدمية لم تتجاوز كلفته 180 مليون دولار أي بسعر 4 طائرات حربية تحطمت على الأرض أو في الجو، أما خسائر العراق بسبب فرض الحصار الاقتصادي عليه للفترة من آب 1990 ولغاية نيسان 2003 فقد بلغت 200 مليار دولار( حسب ما جاء في أحد بيانات مندوب العراق أمام لجنة حقوق الإنسان في جنيف عام 2001.)واشهر عمليات الفساد في زمن الحصار ، حصلت في قضايا الفساد باختلاس النفط مقابل الغذاء، حيث قدرت أموال العراق التي سرقت من برنامج (النفط مقابل الغذاء) بحدود 11 مليار دولار من أصل 64 مليار دولار. اما في زمن حكومة بريمر، فقد شهد صندوق التنمية للعراق، عمليات فساد قدرها الجانب الامريكي بحدود 9 مليارات دولار، اما عمليات الفساد في الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 ، فقد تكبدت الدولة العراقية خسائر جسيمة ايضا، حيث صرح رئيس هيئة النزاهة السابق القاضي موسى فرج في تصريح له العام الماضي ان العراق خسر 45 مليار دولار من تهريب النفط الخام، و45 مليارا أخرى من المشتقات النفطية، بالاضافة الى حرق 600 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من دون الاستفادة منها، ان «السنوات الماضية لم تشهد تشييد مصفاة واحدة بالرغم من العروض المغرية التي قدمتها شركات عالمية لإنشاء مثل هذه المشاريع. ولم تسلم وزارة الدفاع التي احتلت المرتبة المتقدمة في الفساد المالي والإداري بحسب مسؤول النزاهة ، خصوصاً في ما يتعلق بعقود التسليح بما فيها شراء طائرات عمودية قديمة غير صالحة للعمل وبنادق قديمة رفضتها اللجنة العراقية وفرضتها الشركة الاميركية المصنعة. وأضاف أن الأدهى من كل ذلك سعي الوزارة الى الاحتماء وفرض السرية على ملفاتها والامتناع عن تسليمها الى هيئة النزاهة. وفي قطاع الكهرباء، أوضح فرج أنه تم انفاق 17 مليار دولار على هذا القطاع في خلال السنوات الخمس الماضية. اما وزارة التجارة، فقد اتجه المسؤولون فيها بحسب اقوال مسؤول النزاهة الى التعاقد مع تجار في الاسواق المحلية، ففتحوا مكاتب لهم في الخارج وصدروا الى العراق كل ما هو تالف وغير صالح للاستخدام.

وبالنسبة الى وزارة الداخلية، يقول المسؤول انه تم اكتشاف 50الف راتب وهمي. أما الوضع الصحي فوصفه بالمأساوي، مشيراً الى ان 90% من الأدوية المتداولة في الصيدليات لم يتم فحصها.

وذكر اخر تقرير لهيئة النزاهة ان هناك ما يقارب 7000 قضية فساد اداري تتوزع في 10 وزارات ومؤسسات متهمة بالفساد بينها الداخلية وفيها 736 حالة فساد، ووزارة الأشغال والبلديات وفيها 400 حالة فساد، أما "العدل" ففيها 249 حالة فساد. والتجارة تعاني من 99 حالة.

والسنة الماضية تسلمت لجنة محاربة الفساد 5,031 شكوى، كانت 3,027 منها ترجع الى المحاكم، وقد نجم عنها 97 إدانة لمتهمين. ، ويتسائل العديد من المراقبين من هي الجهات التي تقف وراء الفساد الاداري والهدر في الاموال العامة بالدولة العراقية، ويتضح من خلال المعلومات والتقارير الصحفية ان خطوط عديدة تقف وراء الفساد الاداري وعمليات الهدر في الاموال العراقية وهي كالتالي:

1. سياسات النظام الصدامي البائد في شن حروب داخلية واقليمية ودولية تسببت في هدر المليارات من اموال الدولة العراقية.

2. التركة الفاسدة للنظام الاداري للحكم الصدامي البائد والتي تميزت بالسرقة وعدم الحرص على الاموال العامة بحيث تحولت هذه السياسة الى عرف اجتماعي خطير انتشر في وسط المجتمع العراقي,

3. سياسة الاحتلال الامريكي والتي اعتمدت حالة استغلال الاموال المرصودة للتنمية في العراق، وكذلك عمليات الهدر بالاموال انتابت أيضأ العديد من القادة العسكريين الامريكيين في صرفهم لعمليات الاعمار والتي بثت حالة الفساد الاداري في العديد من اوساط المجتمع العراقي.

4. التخريب المتعمد من قبل القوى المعادية للعملية السياسية، كرموز النظام البعثي البائد وغيرهم من الذين لا يرغبون بتطوير العملية السياسية في العراق، حيث ساهمت تلك الجهات بتخريب الاقتصاد وخصوصا في هدر اموال نفط العراق.

5. ظهور العديد من الشركات الوهمية بعد التغيير، حيث قدرت غرفة تجارة بغداد ان عدد الشركات التي استحدثت بعد التغيير ما يقارب 21000 شركة بينما لم تتجاوز اعدادها غير 2000 شركة في زمن النظام البائد، ولعبت هذه الشركات الوهمية دور خطير في انتشار الفساد الاداري بالدولة العراقية.

6. ساهمت المحاصصة السياسية في التمويه على العديد من عمليات الفساد الاداري وهدر المال العام، و قد عرقلت بعض الجهات السياسية، فتح العديد من ملفات الفساد الاداري وهدر المال العام.

7. اعتمدت بعض الاحزاب السياسية سياسة تسخير امكانات الدولة لعملها الحزبي، حيث تحولت السلطة التنفيذية الى تخمة من الكوادر الحزبية، تثقل ميزانية الدولة العراقية برواتب ضخمة، حيث تعمل ضمن اجندة حزبية وليس في تطوير الدولة العراقية، وبالتالي تحولت الدولة في خدمة الحزب، وليس الحزب في خدمة الدولة وتطويرها.

8. انهيار البنى التحتية، شكل عامل اخر في انتشار الفساد الاداري في العراق، حيث عدم وجود اسس قوية يستند عليها الاقتصاد العراقي تسمح بالعديد من الثغرات التي تصبح فيها الاجواء ملائمة لانتشار الفساد الاداري في الدولة العراقية.

9. ساهمت بعض الدول الاقليمية في عملية التخريب الاقتصادي وهدر اموال العراق من خلال المساهمة في تخريب البنى التحتية او سرقتها.

10. تعدد الاجهزة الرقابية في متابعة عمليات الفساد الاداري فهناك مديرية الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، ودائرة المفتشين العامة، وجميع تلك الهيئات الرقابية لا يوجد تنسيق فيما بينها ، مما سمح لانتشار الفساد الاداري في اعلى مستويات الدولة.

11. تاخير البرلمان العراقي في لعب دوره الرقابي ومحاسبة الوزراء والمسؤولين في هدر الاموال العامة.

ان الجريمة الكبرى التي حدثت في سرقة العراق وهدر خيراته اعتبرها العديد من المراقبين من السرقات الكبرى في التاريخ البشري، فقدرت احدى مراكز الدراسات المصرية، ان العراق خسر 750 مليار دولار منذ حكم صدام ولحد الان، وهذا المبلغ الاخير من الخسائر هو حصيلة الحروب والحصار ونتائج الاحتلال الامريكي، والفوضى في الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 ولحد الان، هذا الهدر من الاموال كان ممكن ان يقضي على الفقر ليس في العراق فقط وانما في غالبية دول المنطقة، ولكن غرور السلطة الديكتاتورية، والانتقام الثأري من العراق وخيراته، وفساد المجتمع ورموزه ، ادى في انتشار وباء الفساد بين ارجاء المجتمع والدولة.

والسؤال الكبير من سيحاكم من سرق العراق، هل النظام المقبور الذي دفن معه مغامراته الطائشه، ام القوى الدولية التي سرقت حتى لقمة ودواء اطفال العراق، ام أبناءه الذين جعلوا من بلدهم كعكة وغنيمة يتسابقون على التلذذ بنهب خيراتها، ويرفعون شعار لهم، فاز بللذات من اغتنى باسرع ما يمكن، وفر بما طابت له الحياة الابدية!!، له ولابناءه.

بلاشك ان محكمة التاريخ هي القصاص العادل لكل من سرق العراق، خصوصا ان تاريخنا المعاصر اصبحت المعلومة فيه يتداولها القاصي والداني، ولم تعد محصورة فقط بالسارق والديكتاتور الاكبر كما في الازمنة الغابرة، ومن سوء حظ سراق العراق الجدد انهم نهبوا خيرات بلدهم في زمن القرية الكونية، حيث تحول تاريخنا المعاصر الى رقيب قاسي لا تفوته كل شاردة وواردة لمن تصدى لحكم العراق، فمحكمة تاريخنا المعاصر، سوف تكون خير شاهد وقاضي عدل، لمن سرق العراق وهدر امواله وخيراته. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com