|
كباب سليمانية
كما اجتاح الانكليز العالم بلغتهم يبدولي ان الاكراد سيجتاحون العالم بكبابهم. بالطبع انا اتذكر جيدا كيف كنا نهرع بشوق الى مطعم كباب سليمانية في الحيدرخانة مساء كل يوم خميس. ولكنني لم اتصور قط عندئذ ان تصبح له هذه المكانة العالمية. فحيثما اسافر الآن في اوربا اجد امامي مطعما لكباب سليمانية. حتى قيل انه عندما سعى القوميون الكرد لإقامة دولة كردية مستقلة تقدموا بطلبهم للأمم المتحدة وضمنوه دستور الدولة الجديدة وعلمها. وكان علمها يقوم على خلفية خضراء يتوسطها قرص ابيض يضم شريطا جوزي اللون. سألوهم ماذ يرمز كل ذلك، فقالوا الأخضر يمثل تربة كردستان، والابيض يمثل لبن اربيل والشريط الجوزي يمثل كباب سليمانية. سألوا يوما احد الفقهاء عن السعادة في الاسلام. قالوا من هوالرجل السعيد في نظرك؟ فقال انه الرجل الذي يتزوج امرأة كردية ويعيش على كباب سليمانية ولا يرى بعينيه المنطقة العربية. طالما شغلني امر هذا الكباب. ما هوسر هذه النكهة اللذيذة في كباب سليمانية؟ فلم احصل على اي جواب. ولكن احد الزملاء العارفين قال لي ان الأكراد يحتفظون بهذا السر ولا يدلون به لأحد. عندهم وصفة مكتوبة بكامل التعليمات على جلد صخلة كردية محفوظة في احد كهوف جبل ازمر تحرسها فصيلة من مقاتلي البيش مركة الاشداء. فهذا الكباب يمثل الثروة المستقبلية لكردستان. تجد مطاعم كباب سليمانية الآن في شتى زوايا شارع اجوير رود بلندن ، هناك مطعم السلياني قرب ماربل آرج ، وكبابخانة سرجنار شمالا ، وفي مقابلها مطعم كباب منقلة ازمر وسواها من المطاعم والجايخانات والكبابخانات الكردية التي عمت هذه المنطقة من قلب العاصمة البريطانية التي اصبحت تسمى الآن بعربلاند لكثرة من فيها من السكان العرب. وهذا شيء طريف، فهذه المطاعم الكردية تعيش في الواقع على المواطنين العرب وليس الكرد. يتسائل الانسان لماذا يفضل العرب الأكل في مطاعم كردية بدلا من المطاعم العربية؟ ربما لجودة كبابها ، ربما لأنها المطاعم الوحيدة التي تقدم اكلة " الباجة" والقوزي العراقية، ربما لحسن لبنها الشنينة. لا ادري. ولكنني شخصيا افضلها على بقية المطاعم العربية لصدقها في التعامل مع زبائنها. الطباخ الكردي لا يغش في طبخه ونظافته والنادل الكردي لا يخدعك في حسابه وفاتورته. فأنا عندما اتعشى في كبابخانة سرجنار لا ادقق في الفاتورة واراجع حسابها كما افعل في المطاعم اللبنانية لأنني اعرف ان الكردي لا يخدع الناس. وهذا جزء جميل من الشخصية الكردية. وجدتها دائما تتميز بالصدق والأمانة ومخافة الله. إنهم يأخذون الدين مأخذا جديا وليس كما نأخذه نحن العرب. وهذا هوسر كل هذه النكات العنصرية ضد الكرد. فنحن معتادون على الكذب والمخادعة ونعتبرها شطارة. نفعل ذلك في سياستنا وبرامجنا الحزبية، في تعاملنا مع نسائنا وحتى في عباداتنا وطائفيتنا. وعندما نرى المواطن الكردي يتصرف بصدق نعتبره ساذجا وجاهلا ونضحك عليه كبهلول اهبل. الصدق والأمانة هوسر نجاح هذه المطاعم الكردية وانتشارها. لن اعجب بعد قليل ان اراها تحل محل المطاعم اللبنانية وتجتاحها في تصدرها لقوائم الأكل الشرق اوسطي الذي اصبح جزء اساسيا من حياة المجتمع الاوربي، شمالا جنوبا، شرقا وغربا. ربما لن يؤخرها عن شعبية المطاعم اللبنانية غير امتناعها عن تقديم النبيذ والمشروبات الكحولية. تحمس كردي لقوميته الكردية فرسم خارطة لانتشار الأكراد في العالم. صبغ شمال العراق كله باللون الأخضر. أنهم الكرد في العراق. فعل مثل ذلك لغرب ايران ، ثم جنوب تركيا وشرق سوريا وجنوب اذربيجان. رقعة صغيرة خضراء اخرى في ارمينيا. رقعة اصغر منها لمخيم اللاجئين الكرد في السويد. نظر احد المشاهدين فلاحظ ايضا نقطة خضراء صغيرة في فنلاندا. فسأل صاحب الخريطة، كاكا حما شنوهذا؟ ماكوكرد في فنلاندا! فأجابه قائلا: " شلون ماكو؟ نسيت كبابخانة صديقنا كاكا حسن في هلسنكي؟!" كلما انظر لهذه المطاعم الكردية في لندن واراها مزدحمة بالزبائن العرب ، بالدشاديش والاشماغ والنساء المحجبات والمقنعات، المس هذه الحقيقة، الكرد لا يستطيعون ان يعيشوا بدون اخوانهم العرب والعرب لا يستطيعون ان يستغنوا عن كباب سليمانية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |