محاولة عن العلمانية .. لمجتمعنا العراقي

 

ذياب مهدي آل غلآم

 nadrthiab@yahoo.com.au

من الحكمة القول أن السياسة (فن الممكن) وأما الاديان فهي طهرا للأبدان ونقاء للأنسان كما نعتقدها أو اصحابها هكذا يعتقدون؟(أظن) وكلها جاءت لخدمة الانسان وليس العكس؟فالدين والسياسة .فكرتان طالما شغلتا عقول المفكرين بل وحتى البسطاء من شعبنا العراقي. فمنهم من جمع بينهما أو بالأحرى جعلهما وأحدا فلا سياسة ولا دين وأنما هما قطعة واحدة هؤلاء هم (سموا بالأصوليين؟) ومنهم من فصل بينهما بطريقة شملت حتى التفاصيل الحياتية وهؤلاء (سموا بالعلمانيين؟) والمجموعتين تنظر الى  فكرتها على أنها الأفضل،وهي النظام الذي تسعد به البشرية!؟ وقبل الأسترسال في مقالي عليّ ان اذكر لمحة تاريخية حول بيت القصيد (مصطلح العلمانية).... اول من ابتدع هذا هو"جون هوليوك" الذي اعتنق المذهب اللاأدري .. وهو مذهب يقوم على عدم الاعتقاد بأية حقيقة فيما تتعلق بالوجود الألهي لآنها خارج المعرفة البشرية... فلايمكن للبشر ان يصلوا الى تلك الحقيقة لأنها خارج القدرة البشرية على الأحاطة...وقد كان هوليوك آخر شخص في بريطانيا يتهم ويحكم ويسجن على أساس المساس بالمعتقدات الدينية .. بسبب نشره لأفكاره اللاأدرية وعندما خرج من السجن أطلق هوليوك مصطلح"العلمانية" ولينشر أفكاره تحت ذلك المسمى ...دون ان تتعرض له الكنيسة او المحاكم. وفي هذا الفسحة التاريخية. اقول وردت بعض الافكار العلمانية في بعض الآيات القرأنية وحسب ديمقراطية التأويل والتفسير!؟ بعيدا عن دكتاتورية النص؟ لكن في نهج البلاغة للأمام علي وردت افكار كثيرة لابل طبقها هو بنفسه حين خلافته وصرح بها كثيرا ومن الممكن ان ننسب للأمام علي انه كان اكثر رجل من الأسلاميين تتقارب او احيانا تتماها الافكار العلمانية مع ما طرحه او ماعرف عنه. هذا من باب التأسيس للفكر العلماني في المجتمع العراقي أو جذورها الأولية (أظن)؟ فنشأت الآراء العلمانية في العراق قبل ان تنتقل الى الغرب؟ ولفلاسفته باع طويل في ذلك وخاصة في الزمن العباسي الأول وتحديا في زمن الرشيد والمأمون ومن تبعهم في الحكم...وكذلك نموذجا أفكار ابن رشد المتمثلة بثنائية الحقيقة(الفلسفة والدين) كانت تمثل الجذور الأولى لفكرة العلمانيه. فمفاهيم كالحرية وتقبل الآخر وجادلهم بالتي هي أحسن ولا فرق الا بالتقوى وغيرها لم تجد واقعا ملموسا بقوة حتى الثورة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر...حيث قامت الثورة الحمراء (1789) ففيها ظهر بيان حقوق الأنسان والذي أعتبر وما زال أساسا للقوانين والدساتير الوضعية ومنها ظهر الشعار الشهير"حرية،اخاء، مساواة"وظهر مصطلح اليسار واليمين، وبعد أنشاء البرلمان الفرنسي خسرت الكنيسة معظم صلاحياتهم وخسر رجال الدين الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها!؟(فمتى  يا عراق ولتخف سلطتهم الدينية على الناس...!؟) كانت أوربا في ذلك الوقت تشهد حروبين طاحنتين هما حرب الثلاثين عام(1618-1648)

والثانية حرب الثمانين عاما(1568-1648) وأسدل الستار على تلك الحربين باتفاقية تعتبر من أهم الاتفاقيات في تاريخ أوربا وهو صلح (وستفاليا-1648) ووضعت هذه المعاهدة اول أسس للعلمانية بمفهومها المدني حيث أنتقلت السلطة على ممتلكات الكنسية الى الدولة ولم تعد حكرا على رجال الدين...ورغم هذه الحروب والاتفاقيات التي أزيحت فيها سلطة الكنيسة عن الناس ، لم يتم الغاء الملكية، وبقى الملوك وحاكميتهم وطغاة الشعوب، دكتاتوريتهم ومرؤسيهم في مناصبهم يتحكمون بالعامة ومن ورائهم رجال الدين والقساوسة ووعاض السلاطين يدعمونهم بالفتاوي والتبريرات الدينية( العراق في عهد صدام المباد) أن العلمانية هي محاولة لأقصاء الفكر الشمولي المتمثل بالتطبيقات الدينية (الأسلام نموذجا) والاحزاب الشمولية (الأتحاد السوفيتي سابقا) على انها اي العلمانية لاتهاجم الاديان مباشرة وانما تدخل مضاجعها من باب العقل والتنوير ضد الخرافة واللامعقول وأساطير الأولين؟ فهي ليست فكرة ضد الاديان وأنما مستقلة عنها... فعند المتدينين نزعة قوية لا زدراء أمور الانسان والتفكير بالله واليوم الآخر...واما العلمانية جاءت لتهتم بالمعرفة التي تنشأ في الدنيا وترتبط بأمور الدنيا وتؤدي الى الرفاهية في هذه الدنيا وبالمكان تطبيقها في الحياة... العلمانية هي أية حركة في المجتمع تبتعد عن مفهوم الأخروية وتقترب الى الحياة على هذه الأرض... العراق الذي نريده في غده الجديد.... فلندع الاديان وشأنها وأن  نهتم بالعلمانية... وكما اسلفنا ان في جوهر العلمانية التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين وليست مايروج له المبطلون من انها الالحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة... انها نظام اداري وليس خطابا مؤدلجا... مما سبق نلاحظ ان الفكرة التي تدور حولها الاديان (او الأسلام)والعلمانية هي الانسان...ولذلك تحاول العلمانية دائما الأجابة على السؤال: من هو الأنسان؟ اما الأديان فأنها تطلق التساؤل:كيف يكون الأنسان؟ العلمانية تعتني بالنسان بوضعه الحالي او الأني ولا تمانع ان يرتفع الانسان بنفسه فاذا انتقل من مرحلة لأخرى كان عليها ان تخدمه في مرحلته الأخرى... اما الاديان فهي وان كانت تعنى بمرحلة الانسان الأنية الا انها لاتكتفي بذلك وتحاول ان تدفع الفرد الى المشي قدما بأتجاه هدف معين ولعل هذا السبب الذي جعل أغلب (حكومات رجال الدين الحالية) تدفع الفرد دفعا عنيفا حيث ينتقلون بالفرد من مرحلة الى أخرى بدون فترة أنتقال؟ وكذلك تعرف العلمانية بأنها النظرية التي تتعامل مع النسبي واللامطلق...اي ان الامور نسبية فلا يوجد خصوصا بعد توقف الوحي؟ مقياس مطلق يمكن ان نقيس الأمور اليه شرا كانت أم حقا؟اي ان كل شيئ نسبي... لكن التعصب الديني الموجود لايقبل بهذا، فرجالاته يحملون صكوك الغفران ومفاتيح الجنان والنار بيديه وهم يوزعونها كيفما شائوا وكأنهم يملكون وحيا منزلا عليهم؟ ففي الفكر الديني تحول كل شيء الى أما اسود او ابيض؟ اما مؤمنا تابعا للجامع او الحسينة ومرجعياتها؟ وتعاليمهم التي شملت حتى أختيار الناس للالوان والعطور وما شابه؟ واما ان يكون كافرا، لكونه يعارض افكارهم حتى لوبشيء بسيط؟ وللعلمانية مفهوم ارتبط تلقائيا بمفهوم النسبية هو مفهوم التطور، فالاديان تحول كل شيء الى جمود وثبات... لكن حين طرح نظريته العالم الانكليزي(شارلس داروين-1809-1882) عن الارتقاء والتطور في الجنس البشري، واثبت بالنسبة للعقلاء ان كل شيء قابل للتطور والنمو بما في ذلك الانسان..وكان يعتقد فيما سبق انه أنشأ بالصيغة التي هو عليها الأن كما ذكرت الأديان!؟ ثم الهدف الذي تبنى به العلمانية هي الديمقراطية...والغاء القدسية عن الكهنة ورجالات الدين؟ وعليه ان ينتقدوا ويحالون للمحكمة ايضا،اذا ارتكبوا اي نوع من المخالفات،وكذلك نزع التقديس من كل شيء حتى يتمكن الانسان من الوصول للحقيقة (تماهيا)مع قول للامام علي...تخلصوا من وصايا الله حتى تعرفوا حقيقته ليس خوفا من ناره او طمعا بجنته... مما تقدم نقول وبضرورة فصل الدين عن الحكم او السياسة(وليس عن الحياة) من اجل عراق جديد حر فالعلمانية لم تضع محاربة الدين كجزء من فكرتها وحاولت ان تضع نظاما يعتمد على الفكر الانساني دون المساس بالوحي الالهي ولم تأت بنظام اقتصادي وأنما كانت مفهوما سياسيا وأجتماعيا نشأ بتأثير عصر الأشراق

ولقد استعارة الرأسمالية كنظام اقتصادي على الاقل نظريا لتدعيم الرفاهية للشعب وذلك عن طريق الملكية الخاصة والتي بدورها تؤدي الى الرفاهية الجماعية. لكن اصبحت هذه النظرية هوة بين الفقراء والاغنياء واسعة الى درجة التي تنبأ كارل ماركس بأن العمال-الطبقة الكادحة- سيثورون يوما نتيجة الغليان الاقتصادي على الاغنياء...من الممكن ان تكون ثورتا أكتوبر البلشفية بقيادة لينين- 1917 - وثورة 14 تموز بقيادة الشهيد عبد الكريم قاسم- 1958 - نموذجا متقاربا لما قاله ماركس...!؟ وبما أن الرأسمال أناني ومستغل فأنه سخر كل شيء للعمل تحت خدمته وتصرفه وكان اول ضحاياه العلمانية نفسها حيث تحولت من نظام يحاول أقامة العدل والرفاهية الاجتماعية الى خادم طيع للرأسماليه(علينا ان لانغفل او نتغافل؟) حين نفكر بالتطبيق وطرح المفاهيم العلمانية؟

مسك الختام العلمانية والأنسان

حاولت العلمانية ان تقيم مفهوما عالميا ينطلق من أعتبار ان الانسان هو أنسان في أي مكان ولذلك يجب احترامه بما أنه يحمل مقومات الانسانية ويحترم أنسانية الآخرين .. ولا شك ان هذا المفهوم مستقى من شعارات الثورة الفرنسية (حرية، اخاء، مساواة) والتي اعتبرت ان تقييم الانسان لايكون على دينه او لونه او جنسه او عنصره او اي شي من ذلك وأنما على أنسانيته، وقد كان ذلك محاولة من اللألتفاف على الوضع الديني القائم في ذلك الوقت... والذي اعتمد العقيدة"بمفهوم ضيق جدا" لتقييم الانسان ووضعه في الخانات المعدة سلفا،فالكافر يدخل النار،والمؤمن يدخل الجنة... وقد انسحب هذا المفهوم"مفهوم الانسانية" الى يومنا هذا واصبح يقف في مواجهة الدين الحالي؟ والذي يعتمد العقيدة ايضا على تقييم الانسان ولكن بمجال اوسع بكثير من سابقه... أن العلمانية "عولمت" مفهوم الانسانية" فالانسان هو من يفكر او يستعمل العقل لتسيير أموره وهذا الخصيصة مستمدة من ركيزة العقلانية التي اعتمدت عليها العلمانية،وهو المذهب او الفكرة التي تعتمد على العقل والمنطق كوسيلة للوصول الى الحقيقة او كمصدر لتفسير الأمور الدنيوية...وقد أخذت العقلانية تتبارز والدين القائم على الخرافة في ذلك الوقت؟ وكان النصر لها بلا شك لأنها أعتمدت على اسس محسوسة بينما أعتمد الدين-كما طبق على اتباعه في ذلك العصر- على غيبيات شابتها الكثير من الخرافات وأحيانا المصالح والأطماع الشخصية(العراق الآن؟)...والانسان هو من يمتلك حق الاختيار وحق التعبير عن الرأي(فمن شاء فاليكفر ومن شاء فاليؤمن؟ مثال ديني يتماها مع ما قالته العلمانية!؟) بدون اضطهاد من اي جهة وحق التعبير مطلق نسبيا ولا تحده حدود كبيرة... هذه الخصيصة  مستقاة من ركيزة الديمقراطية...والانسان هو من يلتزم بقوانين الدولة وأحكامها ويقوم بتنفيذها ولا يتجاوزها وهذه الخصيصة مستقاة من مفهوم الدولة القومية التي قامت عليها العلمانية فيما قامت عليه من ركائز...من هذا من الممكن ان نقول ان الانسان العلماني كائن ناطق وحيوانا مثاليا له خصائصه التي تميزه عن بقية الكائنات  وأهمها العقل ولذلك أقرت العلمانية الرغبات والنزعات هي من اصل الانسان منذ نشأته الاولى ... ولد عارفا للخير والشر وأن بشكل نسبي، فحب الخير وكره الشر هما أمران مزروعان في فطرة الانسان السوي ينموان حسب البيئة التي يعيش بها ذلك الانسان؟ ولا يحتاجان للدين أي دين كان... لكي يدلانه عليه(ونفس وما سواها ،فألهمها فجورها وتقواها)مثل ديني يتماها مع ما تقره العلمانية..فهل تصدقوني ان للعلمانية جذور لابأس بها في الفكر الشرقي العراقي!؟(أظن) وربما تجد لمفاهيمها بعض الشطحات هنا وهناك عند الاديان العراقية .

**********************

أستفدنا كثير من بعض المقالات لكتابنا العراقيين ولآخرين

جون هوليوك، الموسوعة الكاثوليكية

الموسوعة البريطانية

نصر حامد ابو زيد،نقد الخطاب الديني

الموسوعة السياسية ج4/ص179

علي شريعتي

محمد مهدي شمس الدين  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com