|
رؤيا جديدة لحرب حزيران
حسين الربيعي تتبدل المعايير في الحدث التأريخي بين الحين والحين وفق نتائج ومجريات القضايا المعاصرة ، ولذلك تتولد صورة جديدة عن حرب حزيران 1967 التي تتعدد تسمياتها بين النكسة والهزيمة ، فإن الأخذ بمعايير الأوضاع الجديدة التي جرت بعد الحرب وبسبب نتائجها، فإن نتائجها لم تكن هزيمة للأمة العربية رغم مايشاع ويعمم بالقدر الذي كانت فيه أمتحاناً حقيقياً على تمسك الأمة بثوابتها وزعامتها القومية وأهدافها . فالنكسة الحقيقية لم تكن في حرب حزيران 1967 ولابتأثيرها ، بدليل : تمسك الشعب المصري وجماهير الأمة العربية بزعامتها القومية التأريخية المتمثلة في قيادة عبد الناصر ، ثم تمسك هذه القيادة بثوابت النضال الجماهيري العربي ، بل تصاعدها في هذه الأهداف من خلال لاءاتها الثلاثة التي أعلنتها في قمة الخرطوم بعيد الحرب مباشرةً .. لاصلح.. لاأعتراف ولامفاوضات مع العدو الصهيوني ، ولاتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ، وكذلك تمسك الثورة بنهجها الأشتراكي الديمقراطي الذي عبرت عنه أصدق تعبير في بيان 30 مارس أذار ، وإعادة بناء القوات المسلحة المصرية ، والأستعداد للمعركة القادمة تحت شعار ( ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة ) وخاضت القوات المصرية خلال هذه الفترة ( حرب الأستنزاف ) ما أتاح إعادة الثقة للجيش المصري بنفسه وبقدرته ، فكان النصر العسكري الذي حققه في حرب تشرين أكتوبر 1973 وعبوره قناة السويس وتدميره لخط بارليف الأسترتيجي وفقاً لنتائج حملة إعادة بناء القوات المسلحة التي قادها ونفذها عبد الناصر خلال فترة زمنية قصيرة ، وأستمرار القيادة الناصرية على خطها الثوري الوحدوي في دعم حركات التحرر العربية للقضاء على الأنظمة المرتبطة والمتحالفة مع قوى الأعداء فكانت ثورة الفاتح في ليبيا ، حيث تخلصت ليبيا من النظام الملكي ، وآجلت القوات المحتلة لأراضيها وأستعادت القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية ، كما دعم النظام الناصري حركة المقاومة الفلسطينية حيث تعبر عن هذا التأييد والدعم مقولة عبد الناصر : أن المقاومة الفلسطينية أشرف ظاهرة في تأريخ الأمة العربية الحديث . أن النكسة الحقيقية والهزيمة الكبرى حدثت بعد غياب عبد الناصر والأنقلاب على أهداف ثورته ، حيث تراجعت إدارات النظام الرسمي العربي وفي مقدمتها نظام السادات عن الأهداف القومية ومقررات القمم العربية وبالخصوص مقررات قمة الخرطوم ، فكانت أتفاقيات كامب ديفيد .. ووادي عربة ، فكان الأعتراف بالعدو الصهيوني مع أحتفاظ العدو بالأراضي العربية المحتلة بعد حرب 1967 وفي مقدمتها القدس الشريف ، أما ما تنازلت عنه أسرائيل للنظام المصري فهو ما كان يشكل ثغراً ضد أمن أسرائيل وهو صحراء سيناء . لم يتوقف الأمر عند الأعتراف بالدولة الصهيونية ، بل تعداه الأمر إلى التودد والتوسل والرضوخ لها .. بل للتحالف معها وتنفيذ أوامرها والتأمر على الأقطار العربية والأسلامية والصديقة ، والتأمر على المقاومة الشعبية العربية ، وهكذا فقد فقدت الأمة العربية عن طريق أنظمتها القطرية إرادتها ففتخت الأبواب على مصراعيها لأحتلالات متعددة لوطننا العربي بعضها سافر وعلني كأحتلال العراق والصومال ، وبعضها خفي ومبطن كأحتلال الجزيرة والخليج عن طريق القواعد والأتفاقيات (الأحلاف) العسكرية وأخرها القاعدة الفرنسية في أبوظبي ، أن من السخرية البالغة أن تحدث الهزيمة السياسية مع نصر عسكري تحققه الجيوش العربية في حرب تشرين أكتوبر 1973 ، فيما حققت القيادة السياسية آبان الهزيمة العسكرية نصراً سياسياً أو ثورة سياسية جديدة على طريق نفس الأسس والأهداف بأستعادة الحقوق القومية وعدم الرضوخ لإرادة المعتدين . ومما يجب الألتفات أليه، فإن ما جرى بعد غياب عبد الناصر، وما حققته المقاومة العربية كان على نفس المستوى الذي حققه عبد الناصر آبان حرب حزيران، فالمقاومة في لبنان وفي غزة لم تستطع أن توقع الهزيمة العسكرية بالعدو، ولم تتمكنا من حماية البنية الأساسية للمجتمع اللبناني والفلسطيني (غزة) من التدمير، ولكنهما بكل تأكيد ظمنتا تمسكهما بالقرار الوطني في الحفاظ على الإرادة في الصمود، وتلك أكبر هزيمة نفسية عميقة وتأريخية، كتلك التي أوقعتها قيادة عبد الناصر أبان حرب حزيرا ، فالفاصل الحقيقي بين النصر والهزيمة هو القدرة على التمسك بالثوابت القومية التحررية وعدم التفريط بحقوق الأمة وإعلاء الإرادة الوطنية . أن الحروب في العموم معارك صائبة وأخرى خائبة .. فيها تقدم وفيها تراجع، ولكن الخيبة والتراجع تتحول إلى هزيمة إذا تجذرت في نفوس أبناء الأمة، ثقافة، خصوصاً إذا كانت هذه الثقافة مدفوعة بقوة من القوى الداخلية الحليفة للأعداء، وتطوع في صفوفها ولمصلحتها كادر من مثقفي الأمة ومفكريها تحت سقف المراجعة الديمقراطية، بعلم أو بغيره. أن الجيل الذي شهد حرب حزيران في صباه وشبابه، كان أكثر تحملاً للصدمة، وهذا دليل على مقدرة القيادة الناصرية تأجيج الحماسة القومية في نفوس تلك الأجيال التي واكبت أو أبصرت أنجازات ثورة يوليو الوطنية والقومية، ودون أدنى شك فإن حزب الله لم يستطع أن يوقف الدمار الذي تعرضت له المدن اللبنانية من جراء الحروب مع العدو الصهيوني، ولم تتمكن حماس حماية ألبنية التحتة لمدينة غزة وأن تحمي جماهير غزة من ثأثير الأسلحة الصهيونية المدمرة، ولكنهما أستطاعا الثبات على أستراتيجية المقاومة، ما أذهب بكل ما فعلته (أسرائيل) والأنظمة والموؤسسات والأشخاص المتحالفين أو المأجورين لها في وطننا العربي في الريح.. هباءً منثورا، وهذا درسٌ ناصري حقيفقي بلا مكابرة . لقد حققت ثورة يوليو بعد حرب حزيران 1967، ألتفاتاً جماهيرياً مصرياً وعربياً حولها وحول أهدافها حتى هذا اليوم، ففي أستطلاع لمحطة بي بي سي العربية حول الوحدة العربية بتاريخ 28 آيار المنصرم أن 82 % من الذين أجري معهم الأستطلاع مع تحقيق الوحدة العربية بكل أشكالها، ولابأس للتذكير أن الوحدة بمفومها وحقيقتها وأحدة من أهم أهداف ثورة عبد الناصر، عند هذا القول نستطيع أن نقول أن المقاومة العربية في الوطن العربي هي الناتج الأيجابي في موقف عبد الناصر من الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها مصر والأمة العربية، وهو الموقف الذي أستقاه عبد الناصر من الموقف الجماهيري الرفض في التنازل عن حقوقه الشرعية والتأريخية، وأن الأستبداد الذي تمارسه الأنظمة الدائرة في فلك الأعداء، البعيد عن الإرادة الجماهيرية هو ناتج الأستسلام الرسمي العربي، الذي بدأه السادات ومارسته الأنظمة الأخرى لدرجة الوله والأدمان، وأخرها مايسمى مبادرة السلام العربية، المرفوضة من قبل الكيان الصهيوني نفسه، وتجاهلها القوى الدولية،والتي لاتزال أنظمتنا القطرية العربية تتمسك بها بسبب عجز هذه الأنظمة ومحودية أهدافها وأهتماماتهاالمرتبطة بمصالحها السلطوية وحدها . اليوم نستطيع أن نقول ، ونحن على ثقة ويقين أن عبد الناصر أستطاع أن يغير موازين القوى لمصلحة الأمة، وأن يغير نتائج الحرب، حين تمكن أن يحرك مشاعر الجماهير ويجعلها في قمة مسؤولياتها الوطنية والقومية، ولقد كان أستفتاء 9 و 10 حزيران يونيو 1967 أكبر أستفتاء شعبي عفوي في تأريخ الأمة العربية، ليس لمجرد التمسك بقيادة عبد الناصر، بل التمسك بالأهداف والحقوق الوطنية والقومية والتواصل في انجاز المشوار .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |