نظام رئاسي برلماني ولعنة "التوافقات"

 

سهيل أحمد بهجت
sohel_writer72@yahoo.com

يتصور كثير من العراقيين، وخصوصا النخبة المثقفة والسياسية، أننا الآن أمام مفترق طرق بين الاستمرار في نظام "دستوري برلماني" و"دستوري رئاسي"، وكأن الرئيس والنظام الرئاسي سيعني إلغاء البرلمان الذي ينتخبه الشعب، وتحول البلد من نظام إلى آخر ليس مسألة هينة خصوصا في ظل أطراف سياسية تحتكر تمثيل الطائفة والقومية وبالتالي تقف هذه الأطراف عائقا أمام تطوير العمل السياسي وتحوله إلى نظام أغلبية وأقلية على أساس الفكرة والمبدأ السياسي وليس الطائفي والعرقي القومي، كما أن هذا الموضوع تم طرحه بشكل عجول ومتسرع إلى درجة أن بعض الأطراف اتهمت رئاسة الوزراء بالسعي إلى إعادة النمط القديم للحكم مع أن النظام الرئاسي نفسه لا يخلومن برلمان ـ كما هوالحال في الولايات المتحدة وفرنسا ـ وتم هذا الاتهام والضجيج الذي تبعه لأهداف حزبية لا أكثر.

لكن هنالك حلّ وسط يغنينا عن تغيير النظام بأكمله والبدء من نقطة الصفر التي قد تؤدي بالبلد مرة أخرى الدخول في معمعة من الفوضى ومجابهة تحديات الأمن والفساد، فمعروف وكما قلنا في مقالات سابقة أن هيئة الرئاسة أصبحت حصان طروادة للمفسدين وأرباب المحاصصة والحلول الوسط التي تحفظ للمستغلين والفاسدين ماء الوجه، كما أن الرئاسة أصبحت جزءا مهما في لعبة "هذا لي وهذا لك" مما أثر سلبا على عمل الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين، ولكي يخرج النظام السياسي العراقي من لعنة "التوافقات السياسية" التي تعني إصابة الديمقراطية بالعقم وإنهاء حكم الشعب لصالح أقلية فاسدة، فإن الحل هنا يكمن في "انتخاب رئيس الجمهورية عبر الاقتراع السري المباشر" مع الاحتفاظ بالنظام البرلماني الحالي، فانتخاب رئيس جمهورية بهذه الطريقة سينتزع أهم مفصل من مفاصل الدولة ـ الرئيس الذي يكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة ـ من المتلاعبين الذين يقومون مقدّما بتكبيل أيدي رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة لا ببرامج وأطروحات وطنية إنسانية ـ تفيد كل المواطنين دون استثناء ـ وإنما يقومون بتكليفه بمحاصصات وتقسيمات وتوافقات لا تساهم إلا في المزيد من الأزمات للمواطن وللمجتمع العراقي وتقسيمه وتشضيه ليس على المستوى الداخلي فحسب وإنما حتى على الصعيد الخارجي والرسمي.

هذا التغيير قد يحسبه البعض شكليا ومجرد قشور وأنه لن يساهم في إخراج البلد من أزماته، ولكن الحقيقة أن انتخاب الرئيس بعيدا عن الكتل الطائفية والعرقية القومية سيتيح للعراق كبلد عملية سياسية سلسة وسهلة وتشكيل حكومة بأسرع ما يمكن وليس خلال ستة أشهر، كما رأينا في الأزمة التي انتهت إلى تكوين حكومة "الوحدة الوطنية"!! والتي غلب عليها طابع المحاصصة والتوافق وتقييد السلطة، بينما يتيح الانتخاب المباشر للرئيس ـ مع الحفاظ على البرلمان كنظام للبلد ـ أن يأخذ الرئيس شرعيته مباشرة من الشعب وبعيدا عن الكتل التي تنظر إلى مصالحها الفئوية والمناطقية، ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية المنتخب وعبر آليات دستورية واضحة بتكليف الشخص الذي يحصل مرة أخرى على أغلبية برلمانية بتشكيل الوزارة التي ستبني البلد خلال 4 سنوات.

إن العراق الذي نطمح إليه يجب أن يكون "كنظام سياسي" بلا طعم ولون ورائحة، لأنه لا يمكن أن يكون وفق ذوق أناس معينين وطائفة وقومية، وأن تكون الرائحة الوحيدة والطعم الوحيد واللون الأوحد هوالحرية والإنسانية والمواطنة وتكون هوية العراقي متجذرة في عمق الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية لأن هذا النوع من الانتماء سيكون هوالحل الوحيد لبلد تحير في هويته كبلد، فهذه الحضارات تقف شامخة بعيدا عن كل خلافاتنا المذهبية والقومية الفارغة والتي يستفيد منها البعض للحصول على المزيد من النفوذ والسلطة، كما أن إعادة الكتل الطائفية والقومية سيعيد العراقيين إلى المربع الأول حيث يختفي الانتماء العراقي مجددا وراء الهويات الوهمية الجانبية.

وهكذا فإن الانتخاب المباشر للرئيس سيكون خطوة هامة بهذا الاتجاه كون الرئيس في هذه الحالة سيكون مستقلا عن أي انتماء طائفي وقومي كونه ممتنا لكل الناخبين "العراقيين" وسينتمي بالفعل إليهم جميعا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com