انتخاب نجـاد .. إعلان حـــــــرب

 

سهيل أحمد بهجت

 sohel_writer72@yahoo.com

من يتابع الوضع الإيراني وكيفية إدارة النظام للأمور يمكن له أن يطلق حكما غير دقيق وموضوعي على الأمور هناك، فها هوالباحث الأمريكي ذوالأصل الإيراني علي إلفونيه ينقل عن جايمس دوبينز الباحث في مؤسسة راند قوله: (بعد إسرائيل وتركيا، إيران هي الأمة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط) وينقل أيضا عن ريتشارد أرميتاج والذي كان عضوا مهما في إدارة الرّئيس السابق جورج بوش (الإبن) قوله: (لاحظت أن هناك اختلافا دراماتيكيا "مثيرا" بين إيران والعضوين الآخرين في محور الشر ـ يقصد كوريا الشمالية وعراق صدام حسين ـ وهوكونها ديمقراطية). غير أن علي إلفونيه يعترض بالقول أن المظاهر أحيانا تكون خدّاعة، فالانتخاب في إيران يمثل تقليدا شكليا أكثر من كونه تغييرا حقيقيا.

وهنا لست خبيرا في تفاصيل الانتخابات بحيث أحكم مسبقا بكونها مزورة و"تمثيلية" تديرها السلطة وما إلى ذلك من الأحكام المسبقة العاطفية التي لا تقوم على أساس من الواقع، لكن المثير هنا هوأن كل المؤشرات واستطلاعات الرأي كانت تشير إلى تفوق كبير للإصلاحي "مير حسين موسوي" خصوصا وأنه كان المرشح الأكثر انفتاحا سواء تجاه الخارج وتجاه المسائل الداخلية من حقوق وحريات وإصلاحات ديمقراطية، المفاجيء هوحصول العكس ـ وكان موسوي أعلن خلال وقت مبكر فوزه بما يفوق 60% من مجموع المصوتين ـ إذ حصل أحمدي نجاد على أكثر من 62% من الأصوات.

انتهت الانتخابات بهذه النتيجة التي يبدولي أنها كانت نصرا لشخص "علي الخامنئي" المرشد الأعلى ـ والذي يفترض به أن يكون كذلك مدى الحياة ـ فهويملك دستوريا صلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس وصلاحيات البرلمان "مجلس الشورى الإيراني"، وهوقادر على احتواء أي نتيجة تفرزها صناديق الاقتراع، ولهذا نجد أن كل الانتخابات التي جرت في إيران لم تشكل أي تهديد لمركز الولي الفقيه "الفقيه السلطان" حتى في زمن الرئيس الأسبق محمد خاتمي، لأن كل المرشحين وعلى الدوام هم من ذلك النمط الذي يتناسب ومصلحة المرشد الأعلى ومجلس الخبراء "مجلس خبركَان" حيث يحصر الترشيح في نمط معين، لا على أساس المذهب بل حتى على أساس الولاء للقائد على خامنئي الذي يمسك كل الخيوط في يده.

كانت الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة تنتظر من إيران أن تنتخب حكومة أكثر قابلية للتفاهم والحوار خصوصا فيما يتعلق بملف إيران النووي والذي ألقى بظلاله على المنطقة والعراق وعلى عملية السلام في الشرق الأوسط، لكن يبدولي أن إسرائيل ستكون أكثر ارتياحا لانتخاب محمود أحمدي نجاد، فلوانتخب الإيرانيون حكومة إصلاحية ذات خطاب سلمي براغماتي وواقعي، لربما كان تفادى النظام الإيراني المواجهة الدبلوماسية وحتى العسكرية مع الغرب، لكن استمرار نجاد في السلطة ـ والذي تذكرنا خطاباته بخطابات صدام البعثي والقذافي المجنون ـ المعروف بتهديده لإسرائيل وملء الفراغ في العراق ـ حسب تعبير نجاد ـ ومواجهة الغرب وجعل إيران دولة عظمى، كل هذا سيدفع بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي يبدومهادنا لإيران لحد الآن، إلى انتهاج سياسة صارمة وحتى التلويح بالعصا (القوة العسكرية) إذا ما استمر النظام الإيراني في رفضه إيجاد منظومة استقرار في الشرق الأوسط والتدخل في الشأن العراقي ودعم النظام الإيراني ـ حالهم حال السعودية والدول الأخرى ـ للإرهاب وما يسمى "مقاومة".

ربما يرى البعض أنني متسرع في وصف انتخاب ـ وأشكّ في حقيقة هذا الانتخاب ـ أحمدي نجاد بأنه "إعلان حرب"، لكن أفترض أنني أقيم هذا الرأي على أساس من القراءة الواقعية للأمور، فخطاب المواجهة الأيديولوجية والعزة القومية يكون مصيره على الدوام حربا كارثية كالتي أشعلها الدكتاتور المهزوم صدام حسين، كما أن إيران تمثل في رأيي تهديدا أكبر حتى من دولة مصنعة للإرهاب كالسعودية، فدون كل الدول المجاورة والإقليمية للعراق ـ باستثناء تركيا والكويت ـ ترفع هذه الدولة شعار "الانتخاب الحر"، غير أن هذا الشعار يخفي تحته مظهرا قبيحا من الدكتاتورية واضطهاد الحريات الشخصية والعامة وتسن قوانين تحض على الكراهية تحت غطاء الدين وباسم التشيع ـ المذهب الذي كان خارج السلطة على الدوام إلى جانب الفقراء ـ لذلك نجد أن إيران تشبه نظام "الخلافة" الذي ينادي به الإسلام الأموي وأسامة بن لادن، هذا النظام الذي لطخ التاريخ الإسلامي بالدم والجرائم واضطهاد العقل، والأكيد أن تجربة العراق الجديد ـ على علاتها ـ قد هزت العقل الإيراني وأصبح التشيع حرا من جديد منذ أن حرر الأمريكيون مدينة النجف "عاصمة أمير المؤمنين" بحيث أصبح إيران تابعا للعراق وليس العكس، فمرجعية السيد علي السيستاني الذي رفض "حكم الشيعة كطائفة" أسست لحكم الأغلبية السياسية للعراق وهوما كان ردا قطعيا ومفحما لمحاولات الإيرانيين لجر شيعة العراق نحوالفخ الطائفي وبالتالي وبعد أن يغرق العراق في صراع طائفي سيكون بمقدور الإيرانيين الهيمنة على القسم الأكبر من العراق لحماية "الطائفة الشيعية" من "الطائفة السنية" والتي ستدعم من أنظمة طائفية أخرى، هذا الموقف السيستاني فتح الأبواب أمام المشروع الوطني العراقي وسيكون من الغريب فعلا أن يكون السيستاني ـ الذي يتهمه البعض بأن أصله الإيراني له دور في فتواه ـ هومنقذ العراق من الطائفية على عكس البرلمان "الذي انتخبه العراقيون بأنفسهم" والذي لم يصدر لحد الآن أي قوانين حقيقية تنقذ المواطن.

إذا فمن الخطأ أن نرى أن كل ما هوإيراني فهوشرير، ولكن الأكيد هوأن الإيرانيين بحاجة ماسة إلى التغيير وإلى إزاحة "الولي الدكتاتور".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com