|
العراقيون ومخاض الانتماءات .. رؤية نفسية عن الانتخابات القادمة
الدكتور اسعد الامارة/ استاذ جامعي وباحث سيكولوجي اظهرت الفترة السابقة في ادارة دفة الحكم بالعراق ما بعد عصر الدكتاتورية البغيض بكل سنواته العجاف توترات وانشدادات تارة للطائفية المقيتة وتارة للتعصب المناطقي وتارة للوطنية المبهمة وتارة اخرى للفوضوية غير الهادفة وما بها من ارهاصات متعددة منها الفساد الاداري والمالي والشخصي والعشائري والحزبي وبقايا القومية المتهرئة بانواعها وغاب عن فكر وعقل وسلوك معظم قادة العراق الجدد الهدف الاساس والاخير هو العراق والعراقيين وهم المادة الخام للحكم والقرار واستمرار الطائفة او القومية او المذهب او الدين في الحكم ، فتناسى قادة العراق الجدد ونحن نجلهم كثيرا ونقدر ما قاموا به وما قدموه من تاريخ سطروه ضد فترة حكم الدكتاتورية خصوصا وهو من أجل العراق والعراقيين اولا واخيراً ولكن اخذتهم التناحرات الضيقة حتى انستهم اهدافهم السامية وهي خدمة العراق وشعبه فتحولوا من الوطنية الى المذهبية او الحزبية الضيقة او المناطقية او الولاء للعائلة الصغيرة بدلا عن العائلة الكبيرة وهو الوطن ، العراق. ترى ادبيات علم النفس ان القضاء على التطرف او الطائفية او المذهبية او القومية او النزعات المتعصبة بصفة دائمة مستحيل ولابد لكل تلك الاتجاهات او التشكيلات ان تعود بألوان او اشكال مختلفة محورة عن اصولها ولكن بنفس الاهداف لذا بات على رجل السياسة الجديد القادم للمشاركة بحكم العراق ان يكون مثل المعالج النفسي او المرشد التربوي او النفسي او الاجتماعي الناجح اي هو الذي يستطيع ان يوجد ذلك التوازن بين الداخل والخارج وبين الواقع والخيال وبين السلطة ومن يعارضها ،وهو الذي يستطيع ان يلتقي مع الطرف المعارض له من موقع ندي يشاركه معه في السلطة فيحمله معه المسؤولية فلا يصبح هو وحده من يتهم بالعجز ازاء متطلبات الدولة التي تركها من قبله اشبه بعصف مأكول على مدى اكثر من ثلاثة عقود. على السياسي القادم الذي يتحمل اعباء مسؤولية هذا البلد ان يكسر الحلقة المفرغة من النفي المتبادل بين السلطة ومن يفكر باستعادتها رغم معارضته . نستطيع القول من خلال ادبيات تخصصنا النفسي باختصار ان هناك لقاء بين العمل السياسي والعمل النفسي العلاجي او الارشادي الاجتماعي او التربوي او النفسي ، فالعمل النفسي يبدأ بالفرد لينتهي بالمجموع والعمل السياسي يبدأ بالمجموع لينتهي بالفرد وهما يلتقيان بالاهداف وهو الانسان الصحيح بما هو انسان متكامل . وعادة ما يقاس مؤشر الصحة النفسية في اي مجتمع بانتقال افراده من الحالة الفردية الى الحالة الجماعية ، وسلوك الجماعة ينعكس في العمل السياسي بصحته على افراد المجتمع وليس بنقيضه . ان الاختلافات السياسية او الفكرية او المذهبية او القومية لا علاقة لها بادارة الدولة الجديدة ، فالاساس الذي تقوم عليه الدول الحديثة اليوم هو حقوق المواطنة التي ينبغي عليها ان تشمل جميع ابناء الوطن ، فلا فرق بين صالح وغير صالح ولا فرق بين مؤمن وملحد ولا بين مستقيم ومنحرف ولا فرق بين سكير ومتدين ولا بين كردي وعربي ولا فرق بين سني وشيعي او صابئي او يزيدي او مسلم او مسيحي فالجميع يخضعون لقانون واحد يفرض عقوبات محددة على كل سلوك تجاوز بعينه القانون وفيما عدا ذلك فليس لكائن من كان ان يخترع عقوبة او ان يجرم فعلا لم يتضمنه الدستور او يقره القانون. ان الانتخابات القادمة هي في عرف التحضر محك لكل تلك المكونات والسلوك الصادر من ميليشياتها او تجمعاتها التي ذكرناها في هذه السطور والكل ينعت الفرد العراقي بالشريف ونقول ماذا تريد هذه التكتلات السياسية او المذهبية او الطائفية او القومية او المتعصبة من العراقيين الشرفاء غير اصواتهم لكي يوصلوهم لسدة ادارة الدولة مرة اخرى مهما كانت خلفية المقترع "صاحب الصوت" سئ الاخلاق او متعصب او سجين او معارض سياسي او سكير او متدين او حتى من اسقط النظام السابق جنسيته وعاد للوطن، ففي بلادنا سابقا كانت فكرة خلط الاوراق بحقوق المواطنة سهلة للانظمة السابقة ويكون معيار حسن الخلق وصواب الموقف السياسي اساس لكل حقوق المواطنة فلا الدستور يضمن صراحة حقوق المواطنة ولا العرف فلا يتطلب الامر غير التزكية من الجهات الامنية وما دونته صفحات التأطير والتبعيث في المناطق السكنية في تلك الفترة ، اما اليوم يمكن ان تكون الصورة مختلفة تماما حيث ان المواطنين هم الذين يمنحون للدولة شرعيتها وللحكومة شرف تمثيلهم والحديث باسمهم وليس العكس كما كان يحدث في العراق سابقا وبعض الدول . ماذا يريد الشرفاء من القادمين الجدد الى السلطة ومجلس النواب : حينما نقول ان الشرفاء اوصلوا هذه المجموعة او هذا الحزب او هذا الائتلاف او ذاك التجمع الى دفة الحكم بعد انتخابات بها من الشك الكثير وبها من الصدق الكثير ،ولكن حتى ترتبط السلطة بالشرفاء لابد لها من درجة من الاستقرار الامني اولا والضمان الشخصي للمواطن مع الحقوق حتى تجعل الذي يسعى الى السلطة لا ينظر اليها كمجرد وظيفة طارئة لابد له ان يستغلها لاقصى ما يمكن في اقصر وقت حتى يأتي موعد خروجه منها ، وفي هذه الحالات يمكن فرض رقابة على من يدخل لعبة السلطة للتأكد من عدم اساءة استخدام السلطة الممنوحة له من اجل الثراء وبهذه الطريقة يمكن ان ترتقي قيم خدمة الناس على قيم المال . يريد الشرفاء من الذين يحتاجهم القادمون للسلطة والحكم تجاوز الحاضر وما به من قيم سائدة وقصيرة الامد وهي قيم الكسب السريع للمال واغتنام كل ما يمكن الاستفادة منه له ولاسرته الصغيرة او لعائلته المنتشرة في انحاء العراق . ان القادمون الجدد لديهم آمال في السلطة وادارة دفة الحكم والرفاهية ومعها الراحة التي فقدوها طيلة حياتهم ولكن يعلم الساسة الجدد ان الشرفاء لا يرددون الشعارات ولا يخافون الحقائق ولا يفرطون في التفاؤل او الطمأنة الكاذبة من القادمين الجدد للسلطة لان خبرتهم السابقة في الدورة الماضية لم تكن مطمئنة او مشجعة حتى عرف الجميع الألم من الشكوى وانعدام الخدمات وهو عصب الحياة للمواطن وهو من يرجح اصوات المرشح للفوز وليس غيره ومن الفساد ومن سوء الادارة والمحسوبية وتقريب الاقرباء على حساب الكفاءات حتى اصبح الشعار في العراق الرجل غير المناسب في المكان المناسب في كل مؤسسات الدولة وفي المراكز السيادية مثل الوزارات . العراقيون لم تعد تهزهم الانفجارات بقدر ما تهزهم الاختلافات السياسية المؤدية لهذه الانفجارات ، فاللعبة سياسية في حقيقتها وهي المؤدية الى الانفجارات وليس التفخيخات والانفجارات بحد ذاتها ، فكلما زاد التوافق بين الجماعات السياسية قل التفخيخ وقلت الانفجارات وهو اشبه بالعملية النفسية داخل الانسان فكلما زادت الضغوط الداخلية عليه كلما زادت الانفجارات النفسية داخله . فالعملية السياسية وادارة المجتمع تشابه الى حد كبير ادارة النفس في صراعها وفي توافقها ، فالنفس تنتقل من حالة التفكك الى حالة تكوين هويتها في لحظات الانتقال من الصراع الشديد الى السكينة وهو الحال نفسه في المجتمعات في اي بقعة من بقاع المعمورة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |