بعثي .. لم تتلطخ اياديه بدماء عائلتي .. (15)

 

رجاء يوحنا سابيوس

no.ba3th.wasit@googlemail.com

القصة:

 انا من مواليد 1943 اعمل دكتورة نسائية ولي عيادة معروفة في بغداد ساحة النصر لم اكن اهتم بالسياسة والاعيبها، ولا اهتم بالعلاقات الاجتماعية وبالخصوص النسوية منها ( اعنى صداقات نسائية خارج اطار الاقرباء ) وقد تعودت على هذه الحياة التي هي اشبه بالروتين وصرت اعيش حياة مريضاتي وآلامهن اضافة الى سفراتي الى خارج البلد للمؤتمرات العلمية .

وفي احدى ليالي الشتاء من عام 1983 جاءت لي ثلاث نسوة مبعوثات من السيدة زوجة رئيس الجمهورية ( المجرم المعدوم ) وطلبن مني ان اذهب الى زوجة الرئيس لأمر هام، لم اكن احلم في يوم من الايام ان تستدعيني زوجة رئيس جمهورية وياليتني مت قبل ان تستدعيني هذه الجاهلة الرعناء، وكالعادة في استدعاءات الرؤساء لايمكن لك ان ترفض ولا لك الحق بأن تسأل لماذا، ولا يعطوك الوقت بل يجب ان تذهب، وفورا وهذا الذي حصل معي بالضبط .

ذهبت الى منزل حرم الرئيس وانتظرت في قاعة كبيرة جميلة بمنتهى الجمال حتى يحسب الداخل اليها كأنه يعيش لحظات من الخيال وايام الف ليلة وليلة .

بعد عشرة دقائق تقريبا جاءت حرم الرئيس ومعها بنت صغيرة عمرها يقارب ال 16 عام وامرأتين من المرافقات لها، جلسنا وبدأت تسألني عن عملي وعن الامراض الشائعة لدى النساء وتكلمت هي ايضا عن بعض الامور الصحية الخاصة بها، ثم قالت لي بأنها ارسلت لي لوضع حل لمشكلة هذه الفتاة، فقلت لها وما مشكلتها ؟ ...قالت نرجوا ان تعملين لها عملية لأعادة عذريتها، فقلت لها ان هذه العمليات ممنوع اجراءها في العراق، قالت ومن هو وضع الممنوع ! اليست الدولة التي زوجي رئيسها ؟!

قلت، لم اقصد شيئ سيدتي ولكن ارجوا ان تكون هناك ترخيصات لكي لا اقع في محذور قانوني .

قالت : انا اقول لكي تعملين العملية وانت تناقشيني ؟ ...من انت حتى تتكلمين معي بالقانون ؟..... العملية تجرى غدا ورجلج فوك رقبتك . ياله ...انتهت المقابلة .

وعدت الى بيتي متعبة نفسيا للمقابلة الغير مؤدبة التي قسم الله لي مع هذه المرأه الرعناء، حتى اني لم اذهب الى العيادة، واخبرت زوجي بتفاصيل ماحدث ونصحني بأن اقوم بالعملية وانهي الموضوع، وفي صباح اليوم التالي، جاء لي ثلاث رجال الى البيت وامروني بأن اتهيئ للذهاب فورا الى حرم الرئيس وماهي الا عشرت  دقائق قضيتها في التهيئ، وخرجت معهم في سيارتهم حيث رفضوا ان اصعد في سيارتي الخاصة، وذهبنا الى حيث حرم الرئيس وهذه المرة لم يدخلوني الى القاعة بل وقفت في الممر الخارجي وانتظرت واقفة على قدمي لأكثر من ساعة ونصف، ولما خرجت حرم الرئيس ومعها البنت وامرأه اخرى كبيرة بالسن واثنين من مرافقاتها، ونقلونا الى مستشفى خيري تقع في الكرادة، وهناك دخلنا الى غرفة العمليات التي كانت قد جهزها احد العاملين من المستشفى وهو الدكتور ( ب . ح) وقد هيئ لي كل مستلزمات العملية بحسب خبرته الطبية ، قبل ذلك سألني السائق في ما لو كنت احتاج ممرضين، فقلت له فقط احتاج ممرضتين، وفي غرفة العمليات اجريت بعض الفحوصات وسألت المريضه عن أسمها فذكرت لي اسمها الكامل، عندها علمت انها ابنت احد الرجال المهمين في قيادة الدولة، ولما اتممت العملية، اخذوا المريضة الى غرفة لترتاح، وبقيت في المستشفى الى اليوم التالي للاطمئنان على صحة المريضة وفي هذا اليوم قضيت وقتي في غرفة المريضة ولم اتصل بأي احد في المستشفى وكانت المرأه العجوز موجودة معي طول الوقت وحراس خارج الغرفة وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي  قلت لهم يمكنكم الذهاب الى البيت، فذهبوا وانا ذهبت الى بيتي وفي الساعة الخامسة من عصر نفس اليوم جاءت لي نفس السيارة وامروني بالذهاب معهم فنقلوني الى سجن النساء في الكاظمية، وهناك كانت تنتظرني احدى النساء التي رأيتها مع حرم الرئيس واخذتني الى غرفة وقالت لي : بأي حق تسألين البنت عن اسمها عند اجراء العملية ؟ فقلت لها هذا عمل روتيني لأكمل الورقة التي تحتوي على حقل الاسم لكل مريض نجري له عملية جراحية .

فقالت انا من الاول قلت لأم عدي ان ترى غيرك لما رأيتك تجادلين بالقانون والموافقات الرسمية، لكن شسوي لعنادهه .

فقلت لها ماصار شيئ الان، انا اعتذر عن هذا الذي سبب انزعاجكم . قالت ساخرة موبهاي السهولة يادكتوره .

بعدها دخلن علي ثلاث نساء شرطيات وعلقوني من قدمي الى السقف، وانا اصيح واستنجي بسكرتيرة حرم الرئيس لكن دون فائدة حيث قالت اسكتي هذه اوامر ام عدي، وتعرضت الى ضرب، فقط الله يعلم شدته على نفسيتي اكثر من شدته على جسمي وصاروا يعلقوني الى السقف كل جلسة تعذيب، تعرضت الى الضرب اربعة مرات باليوم ولا يتركوني الا ان يغمى علي، فصرت اتظاهر بالاغماء في اليوم الثالث بعد عدة ضربات لانجو من تعذيبهن لي . بعدها انزلوني ونقلوني الى غرفة التوقيف الانفرادية بقيت فيها سبعة ايام كانت جارتي في الغرفة الانفرادية المجاورة هي زوجة احد الوزراء الذين عدمهم صدام حيث اخبرتني انها موقوفة في هذا المكان منذ اكثر من سنتين اضافة الى ابنها الذي لاتعلم عنه شيئا وفي الغرفة المجاورة لي من جهة اليمين كانت استاذة جامعية من جامعة البصرة تلك المسكينة كانت تتعرض للاهانة والضرب بأستمرار وكانت قد اخبرتني عن ممثلة عراقية كانت موقوفة في نفس مكاني وقد خرجت بعد ثلاث اشهر من التوقيف الانفرادي  وايضا اخبرتني عن اعدام سيدة من بيت النوري او النور على مااذكر حيث قتلوها بمنع الطعام والشراب عنها لمدة شهر فماتت المسكينة جوعا وسيدة اخرى من عشيرة الجبور هي زوجة لأحد القادة العسكريين المتمردين على صدام حكم عليها بالاعدام شنقا .

كانوا يأتون لنا بالطعام من تحت الباب وبقيت في تلك الغرفة الباردة في ذلك الشتاء القارص لاسبوع كامل، بعدها اخرجوني الى التحقيق، وهناك وجدت سكرتيرة حرم الرئيس تنتظرني، حيث اخبرتني بأن ام عدي قد عفت عني والآن سوف يعيدوني الى البيت، بعدها خرجنا بالسيارة وجلست بجانبي امرأه من حاشية حرم الرئيس وكانت مسيحية من كركوك ولما علمت اني مسيحية  قالت لي بصوت خافت : اياك ان تذكري الذي حصل، وحاولي ان تنسي كل شيئ، لان ذكر اي شيئ مما رأيتي ممكن ان يؤدي الى اعدامك لان الموضوع سببه قصي والبنت كما عرفتي هي ابنت من ؟! .... فأياك ان تذكري شيئ حتى نصيحتي هذه اياك ان تقوليها لاحد  .

بعد هذا اخبرت زوجي واخواني واخواتي بأني اريد السفر الى خارج العراق ولن ابقي في هذا البلد ابدا .

ولما عجزت ان احصل على طريقه اخرج بها من العراق اخبرني زوجي بأن اصبر الى ان تتهيئ فرصة مؤتمر علمي او ايفاد ومنها لا ارجع وفعلا بقيت الى بعد عشرة اشهر تهيئت الفرصة من خلال زيارتي الى دولة المانيا الغربية حيث جئت ايفاد لشراء اجهزة طبية حديثة، وفي اليوم الاول من وصولي الى مدينة منشن (ميونخ) حاولت الهرب لكن لم استطع فعدت الى العراق وانتقلت الى مدينة بعيدة عن بغداد وتابعت عملي الى هذا اليوم .

هذه هي ممارسات البعث ونظامه المقبور في العراق اضعها امام العالم ليعذرنا .. اننا لا نستطيع نسيان جرائم هؤلاء المتوحشين ولن نرضى عودتهم او التصالح معهم وليفهم اصحاب القرار ان هذا هو كلام الملايين من المعذبين .  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com