دكتاتورية النص وديمقراطية التأويل
ذياب مهدي آل غلآم
thiab11@yahoo.com
المقدمة
ليــــس هنــاك وصفة جاهزة مهما كانت (نص سماوي) أو فكراً موضـوعــا أو ديناً أرضي .. التطور وحركة التاريخ والكون متغيرة متصارعة وأحـــياناً متماهية من أجل البقاء، والإنسان ((العقل)) هو المسخر في خدمته كل الأديان ورسلها وأنبيائها وليس العكس؟ ربما يصـــــح الــقول خالق مصيـره...!؟ من أجل ديمومة الحياة ،والاستثناء ليس قاعدة، أما النتائج ما بعد الموت فهذه لـهـا أبعاد أخرى ليس في صددها هنا.
ديكتاتورية النص وديمقراطية التأويل
أن الأديان السماوية والوضعية التي تأسست منذ الخليقة وعندما أكتشف الإنسان الأول النار وتعلمها من الواقع وحــدد لها شروط إشعالها واتقــادها وسن لها أول مبدأ نصي مدون في جدران الكهوف وعلى الحجارة للمعرفة، ولقد جاء في النص القرآني ( وعلمه الأسماء كلها ) قبل الخطيئة إذاً الإنسان الأول كان ذو معرفة مسبقة... كان العقل مصدراً للضوء الكاشف وكما قلنا منذ الوجود الأول كان الفكر وليد العقل الذي ميز الإنسان عن بقية الخلائق والأقرب له الحيوان ولم تكن الغريزة سوى دفعة انحسرت عنه بينما تسلى العقل فيه، عكس الحيوان والحشرات أن الفعل الغريزي كان عند الإنسان عقلانيا أي أن العقل كان سباقاً بالمعرفة حسب النص أعلاه ومن هذه المقدمة البسيطة أقول أن العقل كان الأول في البناء المعرفي عند الإنسان الأول ولنقول { آدم } المتطور عن الأسبق الشبيه له حيث كان التسأل الذي يسفك الدماء ويعث بالأرض الفساد التجربة الملائكية عندما تسألوا عن خلقة معكوسة عن الذي قبله من الآدميين لو كان غير هذا فمن أين لهم هذا القول ؟؟ وأقصد الملائكة في المثال القرآني وحوارهم مع الرب بعد ان طلب منهم السجود له (للعقل) فما كانت تلك النصوص الأولية ألا إلزامية وشمولية في تحديد مسار هذا العقل { آدم } أنه نص دكتاتورياً فحدث التمرد في كينونة العقل المبدع على نص علوي تحت تأثير (الغواية) ما هو ألا الشهادة أن النص جاء لخدمة العقل وتهذيبه أن كان غير مهذب وليس العكس رغم إلزامية هذا النص الفوقي للعقل المتجرد أو الموضوعي باتباعه وتنفيذ شروطه وواجباته حتى لا يحصل على (العقوبة) الأولى كان الطرد من الفراديس والآخرة النار التي وقودها الناس والحجارة تسأل العقل عن الوجود والماهية والكينونة ولكي يعوض الإنسان (آدم) عن انحسار الغريزة التلقائية أخترع الحلم؟ من هذا أقول: أن النصوص الفوقية إلزامية هي ديكتاتورية القوى العليا رغم الإجازة في التأويل العقلي للخليقة التحتي ( الإنسان خليفتي في الأرض ) أن شعور العقل في الفكر المثالي الشمولي بالدنيوية ما هو الاستحواذ أحادي شمولي يقنن العقل ويقيد تطوره إذا كان سلفي لايعي التطور وحركته التاريخ الكتابات الأولى على الجدران كانت أبجدية حالمة على صخرٍ أصم هنا تذوقوا في اللحن ألا زلي الذي عزفته الرعشة الأولى التي أنجبت الحياة وكشفة ديناميكية الصورة الواقعية والمتخلية والسؤال الأبدي ألي أي مدى هذه الأرض تدور ؟؟هنا العقل أحياناً ينفجر فيخلق أراده متمردة فيها للتأويل والاستنباط أفكار ونظريات ربما تصادمية مع النص الذي أنزل من الرب أو وضعه الإنسان هو في خدمة هذا العقل قبيل انعكاس الواقع الوضعي التعليمي التجريدي أو بعد اكتساب المعرفة بالتصادم أو بالتلاقح مع الطبيعة في اكتشافه وتحديد مسارب المفردات في اللغة والكتابة وصناعة أدواته البسيطة في الصيد والقنص وصناعة ملابسه وتعلم الرسم المطعم برائحة السحر الجمالي للأشياء المكتشفة.
فالعقل تحرر منذ الخليقة الأولى وجاءت تلك النصوص خدمية له بثياب في عملها للصالح العام والسوء والشر له أشد العقوبة في كل الأحوال ((زمكانية)) لأنه أي النص عام وشمولي أما العقل فهو واقعي ضمن الخصوصية الفردية أي عقلاني اجتماعي فيأخذ{بالشورى} في طروحاتها مع النص أذن التأويل ربما يكون كفراً رغم خدمته للناس وللصالح العام وتناقضه مع الأفراد لمصلحه أو عصبية أو نزوة أو لغاية ما؟
(أذهب وقاتل) وهذا(السامري) وكانت (السقيفة)أين حرية العقل في الشورى ؟ في عدم تجاوز النص كمقدس ؟ وأين موقعها في الاستقراء والاستنباط والخروج عن النص في الاجتهاد العقلاني في مرحلة لها شروطها الموضوعية في ديمومة الحياة ولا يوجد نص يفسرها كظاهرة ما أو مسألة أخرى ليس لها صدى في ذلك النص أن التطور الفكري العلمي العقلي والطفرات العلمية في النظرية والتطبيق أحدثت شرخ في تطور العقل البشري فكريا وعلميا فأذا كانت هذه الشورى ليس لها موطأ قدم في حرية الإبداع والخروج على النص المقدس أو السنة الواجبة تكون(شورى عدمية) للنتائج لأنها لم تلتزم بالنص والخروج عنه كفراً((يتعرض صاحبها للعقوبة)) فأي شورى هذه أو أي ديمقراطية تنسب لها والسؤال هل النص في الفكر المثالي الشمولي يقيد الإبداع العقلي ؟؟ في التأويل والتفسير والاجتهاد أو العكس محفزاً له ؟؟ وهل الشورى الخروج عن النص أو أتباعه بدون تجاوزه وأين يكون الفرد ((العقل)) داخل المجموعة الآدمية إذا كان ملزم بهذا النص الذي ربما يستعمل رحمة والنص يستعمل حسب هوى النفس لمصلحته ذاتية عنصرية تعصبية ….الخ أنه خلط في التفكير بين الموضوعية المنطقية العقلانية والالتزام الغيبي الذي لايمكن حتى لو فسرته بموضوعية كما يحلو للآخرين أن ينسبوا الشورى للديمقراطية وهم يتجاوزون بذلك ((النص)) الملزم والمقدس في التطبيق فأين يكون الحكم بين " الغرض الواجب والسنة المستحبة" أن تجاوز الغرض في الإبداع العقلي أي الاجتهاد متحررا منه فيقول هناك حرية وفسحة من الموضوعية وأن كانت تلك الشورى مقيدة بين النص والسنة فأين الديمقراطية فيها حسب المفهوم العصري ولنقول الحضاري كثيراً اجتهدوا وتجاوزا وكان ما كان عليهم من عقوبات واضطهاد وقتل وتشريد وصلب وحرق وتكفير وتزندق واتهامات شتى لا لشيء سوى كونهم مع الشورى المتحررة من النص الملزم بالإكراه أتباعه رغم معرفة الآخر (إكراه في الدين) فحكم عليهم أنهم لا أيمان لهم وتجارب التاريخ منذ الخليقة الأولى ولحد الآن تحكي لنا هذه الماسي بين حرية العقل وإلزامية النص ومثلاً هناك حديث الثقلين وهو حديث نبوي بحكم النص حديث صحيح ولاغبار عليه من العقل حسب كتب السنة لكن خضع لتأويل بين موافق للسلطان أو للخليفة في نصه فيحلله وإذا تعارض يحرمه ولا يعمل به وهناك الآخر المعارض يحتفض به أن النص أي القرآن، ويحترمه ويثقف عليه والثقلين كتاب الله وعترة النبي المتمثلة بعلي وأولاده..؟ كتاب الله متناسبا وموازياً للعقل وعترة النبي المعصومين تحديداً لأنه قول من (لا ينطق عن الهوى) هنا الحديث نص شمولي لا يقبل ولا يجيز عند العقل الإيماني المثالي تجاوزهما أي الثقلان لكن الثورة العقلية الأولى والخروج على النص والحديث في السقيفة وهذه بارقة ثورية وخطوة متقدمة في للعقل الفردي المتمثل بالطرح الجمعي ربما للقبيلة كقريش وحلفائها أو لقيمة المدينة (مكة) كونها مدينة الرسول ومهبط الوحي الأولى ومركزيتها في الجزيرة العربية وهم أي قريش سادتها فكانت ثورة العقل على النص ضمن ما عرف عليه بالسقيفة ومن الممكن أن نقول أنها حركة متقدمة تقدمية آنذاك (أن أجزنا هذا القول ) أو تقربنا من هذه الفكرة . حركة نحو الحرية او التحرر من النص الجامد الذي لايقبل كل شيء وفي نفس الوقت حمال أوجه؟؟
كانت فسحة العقل بعيداً عن الأهداف التي آلت أليه نتائجه بعد هذا التحرر الذي كانت سماة متجذرة فيه من مبدع من تجاوز النص رغم كل التأويلات أنه التحرر وصار ما صار من الفرق النوعي الذي غير التاريخ ما بعد وفاة الرسول محمد والمذاهب والحركات التي تصب كلها في مصلحة ثورة العقل هنا تم تجاوز النص الذي(هم ملزمون به) إذا كانوا من الأيمان بعيداً أو شخصوا (لاتقولوا آمنا) وأنكم أشد كفراً ونفاقا وهذه فسحة من حرية العقل واجتهاده آنذاك وتحت غطاء الشورى كانت (السقيفة) ولنقول ثورة السقيفة وما آلت أليه نتائجها أذن لا قيمة للشورى مع وجود نص علوي تشرحه وتستند عليه السنة وهو جزء منه أي الحديث النبوي فالثقلان المعصومين كما جاء القول على لسان الأمام علي (ذلك القرآن الصامت وأنا القران الناطق) هنا موضوع للنص وجهان ظاهر وباطن أي عصرنة النص في التفسير والتأويل حتى يكون هذا النص مساير لكل الأزمنة والعصور أي أنه يطاوع العقل ويخدمه من أجل (العمل الصالح) ولا يحجره وحكم السارق مثلاً( قطع اليد ) نص مفتوح ملزم في التطبيق شمولي لكن العقل قال هنا في تطبيق النص أشكال ودخل الاجتهاد وكله يصب أن لا يهان الإنسان وان العقوبة هي للصلاح وللهداية وللتهذيب وليس العكس فالنص المقدس لكن الإنسان أقدس منه كما قال علي أعلاه.
فالنص كلام مدون من الرب لكن الإنسان يحمل جزء من روح الرب ( ونفح به من روحه) فالمتحرك أفـضل من الجامد والإنسان صاحب المعرفة المعني (العقل) وليس الكتاب ( الكلام المكتوب) في إدامة الحياة والحضارة فبعد انتهاء ولاية (ولاية النص والعقل المعصوم ) تم إغلاق الاجتهاد (العقل) كما حدث بالسقيفة التحررية أما الطرف الثاني المعارض لها وبعد انتهاء الفترة أعلاه والتمسك بحديث الثقلان أباح للعقل الاجتهاد وآمن بالتطور الذي يبني فتواه على النص ولا يتجاوزه لكنه يسخره لخدمته فلا وجود للشورى حيث نرجع إلى دكتاتورية النص والاجتهاد (المرجع) هنا جاء دور العقل والتقليد واتباع الأعلم فالأعلم أنه تطور نوعي ومعرفي فيه حرية لانطلاق العقل نحو أفق أرحب في التأويل والتفسير وإصدار واستنباط الأحكام للصالح العام فلكل زمان رجال ودولة ولكل وقت فتوى واجتهاد وأحكام ولا قياس وفق العقل المعرفي المبتعد عن (الظن) حيث بطلانه منطقياً أرجع لأقول أن جميع النصوص السماوية هي دكتاتورية التطبيق في المفهوم الحداثوي مع العلم أننا ندرك أن (العقل) هو خليفة الخالق في أرضه والنص خادم له يساعده في سلوكه وأخلاقه ويخدمه في علاقته الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ..الخ.
مسك الختام
لو سؤلنا ما معنى الديمقراطية يا ترى ؟لابد أن يدرك العرب والمسلمون بأن الديمقراطية هي غير الشورى وأن الانتخابات وصناديق الاقتراع هي غير المبايعة وأرادة أهل الحل والعقد عليهم أن يدركوا منذ البداية الأكثريات لا يمكنها أن تأكل الاقليات والعكس كذلك حتى لو كانت هذه الاقليات بيدها السلطة ومدعومة من قوى خارجية متنفذة في عالمنا العربي والمسلم المتنوع بشتى صنوف البشر والأديان والطوائف والنزعات، عليهم أن يدركوا أيضا بأن الدين بكل تجلياته وسمو قيمه ومبادئه أن يستخدم سياسيا من مستنقعات أي ممكنات ومتغيرات سياسية وعليهم أن يدركوا بأن تاريخنا العربي والإسلامي كله لم يكن أبدا نقيا وزاهرا وطاهرا من الناحية السياسية فالتقاطع كبير بين تراثنا السياسي وتراثنا الحضاري ، على العرب والمسلمين أن يدركوا بأن الاستفادة من تجارب العالم كله ومرجعياته السياسية والفكرية والفلسفة ليس من المحرمات عليهم أن يعرفوا بأن الإغريق كانوا يعتبرون الديمقراطية بمثابة حكم الشعب للشعب نعم لقد تطورت النظرية الديمقراطية في أشكال متجددة أي كل فئات الشعب تمارس أدوارها فلقد تطورت هذه النظرية على يد الفيلسوف الإنكليزي (جون لوك) في القرن السابع عشر،ومتغيرات ثورة (كروميل) في إنكلترا تم على يد فولتير ومنتسكيو وجان جاك روسو في القرن الثامن عشر والتي توجتهما الثورة الفرنسية ثم على يد هيغل وماركس في ديالكتيكه في القرن التاسع عشر ومتغيرات ألمانيا ثم على يد (ريمون أروث ) وسواه في القرن العشرين لا يمكننا الحياة اليوم بدونهما (أي الديمقراطية) ونتغافل أو نتجاهل بعمد وتقصد عن أسمى تجربة إنسانية في الحكم والممارسة والتفكير والحياة نجح بها الغربيون فهل نستحق ونحقق ذلك عندنا بسهولة ،دعوني أتفائل ولعلي أتجاوز الشك الكثير(لكني في شك من ذلك) .
العودة الى الصفحة الرئيسية