إلى الصحفيين والمسؤولين .. نقطة نظام

 

غفار عفراوي

 iafrawi@yahoo.com

إن المشكلة الأزلية بين الصحفي والمسؤول هي مشكلة دائمة رغم تبدل المسؤول وتطور الصحفي ولا يمر يوم إلا ونسمع عن انتهاك حدث لأحد الصحفيين من قبل حماية احد المسؤولين في دوائر الدولة كما انه لا تمر نشرة أخبار إلا وفيها استنكار من قبل إحدى المنظمات التي تدافع عن حقوق الصحفي!كما ان المسؤول غالبا ما يقدم اعتذارا رسميا للصحفي إلا ان الأمر سرعان ما يتكرر مرة أخرى وكأن شيئا لم يكن!

فالأسئلة المطروحة هنا، من هو المسؤول عن الحوادث التي تطال الإعلاميين يوميا، وماذا يفسر اعتداء الحمايات المستمر عليهم، ولماذا لا تنتهي هذه الظاهرة وتحل من الجذور.

أنا اعتقد ان الحل ليس بالاعتذار وليس بالاستنكار وإنما يجب على الجميع ان يتعلموا ويعرفوا حقوقهم وواجباتهم بصورة صحيحة فلا يطلب الصحفي غير حقه ولا يتحمل المسؤول فوق طاقته.

كيف ذلك؟

 على الصحفيين جميعا أن يعلموا أنهم كما يطالبون بحقهم في نقل المعلومة الصحيحة والواضحة والمفيدة للناس، فيجب عليهم كذلك أن يطالبوا بهذا الحق ضمن الحدود المعقولة والمتاحة والمسموح بها ولا يتصوروا ان لهم منّة على احد في عملهم هذا لأنه وان كان عملا شاقا ومفيدا ومهما فانه يبقى عملا ومنه رزقهم الذي يأكلون وبسببه عوائلهم يطعمون، فهل يرضى احد أن يطعم أطفاله وعائلته من عمل فيه شك أو اختلاط أو ريبة، أنا اجزم ان الجميع يقول كلا وما دخل الريبة والاختلاط والشك في عملنا! سؤال وجيه أجيب عليه وأتمنى أن يفهم الكلام جيدا ويقرأ ما بين السطور.

 لناخذ مثلا من الواقع العراقي المر..

ما شعور شخص فقد احد أفراد عائلته في انفجار ارهابي وهو لا يعلم مصير الآخر المتواجد في مكان قريب؟ وما هو شعور الشرطي الذي وقع الانفجار في منطقته ولا يعلم بالعقوبة التي تنتظره أو ما هو الواجب الذي يقوم به في تلك الحالة أو ماذا يجب ان يتكلم مع الناس المفجوعين ؟ وما شعور مدير الشرطة الذي وبخه توا وزير الداخلية مثلا؟ وما شعور المحافظ ورئيس المجلس والاعضاء وهم يسمعون السباب والشتائم تنهال عليهم من الاهالي المفجوعين وما شعور مديرية الصحة التي تفكر في عدد الجرحى وهل تكفي الاسرّة وقناني الدم لهم ؟ اعتقد ان الجواب معلوم ولا يحتاج إلى تفكير، الكل في حالة شعورية حزينة وأليمة وتفكير وأوامر وملاحقة وتطبيب وتبرع وتحضيرات كبرى . فهل يأتي الصحفي وفي خضم المشكلة وفي اللحظات الأولى للفاجعة ويطالب بكافة التسهيلات ويطالب المسؤولين بالتصريح ويطالب بتصوير الجثث وأشلاء الشهداء ودموع الثكالى واليتامى لا لشيء إلا لأنه صحفي ويريد أن يحصل على السبق الإعلامي ويتفوق على أقرانه بأنه أكثر صحفي اظهر صور الواقعة أمام الناس وهو الذي استطاع أن يدخل إلى قلب الحدث وانتشال التصريح من فم المسؤول! هل هذا جائز؟ وهل هذه هي حرية الصحافة! أفلا يمكن الانتظار حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود لربما هناك خطوط في الحادثة لم تكشف بعد وربما هناك خيوط يتم تتبعها في تلك اللحظات ولا يمكن اطلاع الصحافة والإعلام عنها، ثم لماذا نتهم دائما وننظر إلى المسؤول وكأنه عدو للصحفي ونحاول دائما إظهار نقاط ضعفه ومساوئه فقط، أليس المفروض بالإعلامي والصحفي الناجح أن يكون حياديا مع الجميع فلماذا لا يكون المسؤول من ضمن (الجميع)! وما مصلحة المسؤول إن اجّل مسالة التصريح ساعة أو ساعتين لماذا لا ننتظر ونرى، هل السبق الصحفي أهم من كشف خيوط الجريمة واهم من إلقاء القبض على الجناة وهم متخفين وسط الجموع ويستغلون أي حق ممكن أن يمنح أو تسهيل ممكن أن يعطى للتسلل والهروب إلى جهة أخرى .ألا تعلمون ان الإعلام الغربي ورغم الحرية الكبرى التي يتمتع بها والتي نحسده أكيدا عليها،عندما تكون هناك مصلحة للبلد فانه يتخلى عن تلك الحرية حتى انه يلجأ إلى الكذب إن لزم الأمر لأجل عدم المساس بسيادة البلد وأمنه .

إخوتي زملائي، لنكن منصفين قليلا ولا نتهم على الاعتقاد والظن فان بعض الظن أثم، ولا تسيرنا القنوات الفضائية المغرضة أو المنظمات التي لا يجني الصحفي والإعلامي منها إلا الاستنكار والإدانة فلم تظهر حقا ولم تنصف مظلوما وهي ذات أجندات معلومة ولا داعي للكلام عنها كثيرا.

ليحذر الإعلامي الوطني والمخلص من أن يساق ويسخّر لخدمة الأعداء بدون شعور فالكثير من المنظمات والصحف والقنوات الفضائية لها أجندات خارجية لا تريد بالعراق خيرا وغايتها خراب العملية الديمقراطية وإبطال التطورات الحاصلة في الميادين المختلفة.ان الإعلامي الناجح هو من يوجه العقول ويكيّف اتجاهاتها الفكرية والسياسية في عملية البناء الجديد بدون إفراط في المدح أو الذم وإنما وضع مصلحة الوطن في المقدمة.ولا أنسى دور نقابة الصحفيين في هذا الاتجاه فعليها أن تأخذ دورها ولا تعطي ذريعة لبعض المنظمات أن تتدخل في عمل الصحفيين وتطالب بحقوقهم لان هذا عمل نقابة الصحفيين ليس غيرها .

أما السادة المسؤولين فعليهم الالتفات إلى أن الصحافة والإعلام هما السلاح الأقوى بيد الدولة فان شاءت انتصرت به وان شاءت فإنها ستهزم به أيضا لان الكلمة سلاح ذو حدين وما قيمة بناء دولة تخاف الكلمة كما يقول الكاتب العراقي المغترب يحيى علوان.

ان مسؤولية القادة ليست قليلة وعليهم أن يعوا الدور التاريخي المنوط بهم في هذا المنعطف الخطير والمهم في تاريخ العراق .إن باستطاعتهم أن يحلوا هذه المسالة الشائكة والمستمرة بمجرد أن يمارسوا مع الإعلام ما قرروه وما اتفقوا عليه، فما فائدة الناطق الإعلامي إذا لم يستطيع الصحفي أن يأخذ منه ما يشاء من تصريحات، وما فائدة المركز الإعلامي إن لم يتسع للصحفيين قبل بدء المؤتمر الصحفي ليتزود الإعلاميين فيه بما يريدون من أخبار عن طريق ناطق إعلامي أو شخص مخول بالتصريح، وما فائدة مدير الإعلام في كل دائرة إذا لم يستطع أن يكون هو المحور واللاعب الأساس في العلاقة بين الصحفي والمسؤول.

اعتقد ان المسؤولية مشتركة والمشكلة غير معقدة وحلها بسيط جدا وهي ان يعرف كلّ عمله ولا تتداخل الأعمال فيما بينها إذ على الإعلامي أن لا يلعب دور البطل لأنه إنما ناقل وباحث عن الحقيقة فقط وبالأساليب المنصوصة والشرعية وكذلك على الحكومة أن تدرب الشرطي على احترام عمل الصحفي وتقدير المهمة التي يؤديها وتعاقب كل من يثبت انتهاكه لحرية الصحافة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com