الغير مقروء في المشهد الايراني: لماذا غضب الاصلاحيون؟

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

( هذه رؤية الجانب الاخر من معادلة المشهد الايراني الذي لايحب الكثير سماعها )

**********

كُتب الكثير منذ اسبوع الى هذه اللحظة حول المشهد الايراني الانتخابي وما افرزته هذه الانتخابات من فوز كاسح للرئيس الايراني احمدي نجاد بخطه الاسلامي المتشدد مع الغرب، وكيف هي كانت ردّة فعل الاصلاحيين على هذه النكسة والوكسة الاصلاحية الغير متوقعة لقياديي ايران المخضرمين بخطهم وتيارهم طبعا الداعي الى الانفتاح على الغرب وتقديم تنازلات مرضية في ملفات ايران الحيوية لهذا الغرب المتوثب لسماع زمجرة باب ايراني يفتح اليوم، ونافذة يخرج منها النور ليجلس الجميع على طاولة حوار واحدة !.

والحقيقة هناك الكتابات والتحليلات التي لاتستحق الالتفات لها باعتبارها كتابات انشائية بالاساس لاتدرك من ايران ولا مؤسساتها ولاالتعقيدات الداخلية فيها اي شيئ ومع ذالك هي تكتب بلغة العاطفة والكراهية ليس الاّ لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران !.

كما ان هناك من كتب حول :(( سوف تسقط الدولة )) وهي المقطوعة الشعرية الذي كتبها ايراني ابّان السنة الاولى من اندلاع الثورة الاسلامية في ايران وسمعتها من خلال المذياع المشوّش مخاطبا اؤلئك الذين يتحرقون شوقا لرؤية العالم بلا ايران اسلامية، ولهذا كتب الشاعر الايراني مقطوعته الشعرية تحت عنوان : قالوا سوف تسقط الثورة !.

وبعد ثلاثين سنة من قيام الثورة رجع البعض اليوم لترديد ماذكره ذالك الشاعر في السنة الاولى للثورة على امل ان تسقط الدولة اليوم في ايران وليس الثورة !.

على اي حال للذي لايدرك قوانين وسنن الدول والحكومات وكيفية قيامها وسقوطها، وماهية بعض الظواهر السياسية الخادعة والتي توحي ظاهريا بان الدولة على المحك وفي خط الخطر، لكن الحقيقة غير ذالك، نقول لهم ان الذي يحدث وحدث بعد الانتخابات الايرانية الاخيرة هو ليس في حقيقته اختلاف على كيان الجمهورية الاسلامية القائمة في ايران حتى ينساق من ينساق وراء اوهامه في التحليلات الكبيرة ليبشر بقرب انتهاء عهد الدولة الاسلامية في ايران، لتقوم على انقاضها دولة جديدة غير اسلامية وموالية للغرب وخاضعة للعصى الصهيونية تقلبها كيفما شاءت !.

كما ان الحاصل في ايران ولاية الفقيه الاسلامية من احتجاجات وغضب شبانها وتمترس اصلاحييها داخل بيوتهم بسبب نتائج الانتخابات التي حطمت كل امالهم في الوصول الى السلطة لاينبغي ان يُقرأ بتفائلية زائدة للحالمين بسقوط ايران الدولة بعدما فلتت من سقوطها وهي جنين ثورة حديث الولادة !.

وانما جوهر الاشكالية في ايران ولاية الفقيه اليوم واذا اردنا ان نقرأه بعلمية ودقة لايعدو كونه صراعا بين جناحي الثورة الاسلامية في ايران على مبدأ القيادة والتخطيط حيث بدى واضحا قبل الانتخابات الرئاسية الايرانية ان الجناح الاصلاحي داخل الجمهورية الاسلامية وبكل ثقله السياسي والاقتصادي والتاريخي والنضالي قد تعرض لنكسة حقيقية وهزيمة منكرة على يد الجناح الثوري المتشدد الذي قاده الرئيس احمدي نجاد في ادارة الدولة وبمباركة المرشد الاعلى للثورة الاسلامية علي الخامنئي خلال الاربع السنوات الماضية التي اعقبت حكم الاصلاحيين لثمان سنوات بقيادة الاصلاحي محمد خاتمي والتي لم تفرز حسب رؤيتها لادارة ملفات ايران الحيوية اي تقدم حقيقي يدفع بايران الى واجهة الدول المتقدمة والمرتاحة القوية في جميع المجالات بما فيها المجال النووي والاخر العسكري والاقتصادي والدولي وهكذا !.

وذاك الوضع الذي خلفه الاصلاحيون بتيارهم المعتدل لايران، وما كان هذا التيار الاصلاحي يروجه للامة الايرانية على اساس انها السياسة التي لولاها لذهبت ايران مع ادراج الرياح .......الخ، كل تلك الرؤى والاطروحات الاصلاحية والافكار والتصورات قد اطاح بسياساتها الرئيس الثوري احمدي نجاد خلال حقبة حكمه التي اعقبت ثمان سنوات من حكم الاصلاحيين لايران، لتمثل حقبة الحكم لاحمدي نجاد وخلال فقط اربع سنوات من الحكم قفزات نوعية كبيرة وكبيرة جدا لايران في ملفاتها الحيوية كالملف النووي وملف التصنيع العسكري، وملف العلاقات الايرانية الخارجية والداخلية .... حيث تحولت ايران خلال الاربع سنوات هذه الى قوة عظمى في المنطقة وبين دول الاقليم حولها، مما دفع الولايات المتحدة وغيرها الى الخضوع الى الدور الايراني في المنطقة بعد ان كانت تهدد ايران ابّان حكم الاصلاحيين بازالة ايران من الوجود !.
وهكذا كانت في الحقيقة حقبة حكم الرئيس الايراني احمدي نجاد وما انتهجه من سياسات غير مهادنة وخط سياسي يسير بالنقيض تماما لما كان يروّج له الاصلاحيون من سياسات فاشلة في جميع ملفات ايران الكبرى كأنما هي الردّ العملي الذي وضّح للشعب الايراني ان العالم الذي يعيشون فيه هذه الايام لاتوائمه ولاتنفع معه غير سياسات القوّة وعدم الرضوخ للمطالب والتراخي في التعامل معه، وهذا ما لمس نتائجه الايجابية الشعب الايراني بصورة مباشرة من حكم الرئيس نجاد في ملفات عديدة، حيث ان سياسات رئيس الجمهورية المحافظ نجاد اثبتت من خلال التجربة انها هي وحدها اللغة التي يحترمها العالم الاستعماري، وهي وحدها التي نقلت ايران الاسلام من دولة على الهامش في منطقة الشرق الاوسط الى دولة ندّية يخطب ودّها العالم السياسي الغربي ويتمنى على الايرانيين ان تأتي الفرصة ليجلسوا معا على طاولة واحدة، وبدلا من تهديدات الادارات الامريكية المتعاقبة لايران بالاسقاط والازالة وجدنا هذه الادارة نفسها هي التي تخفف من لهجة التهديد لايران في عهد سياسات نجاد الغير مهادنة، وكذا بدلا من توقف طرّادات التخصيب كل ستة اشهر عدة مرات في زمن الاصلاحيين بلا فائدة مرجوة من رضى الغرب الراسمالي، وجدنا ان طرّادات تخصيب اليورانيوم تعمل لسنتها الرابعة بلا توقف والغرب الاستعماري هو الذي رضخ للارادة الايرانية في حقه بامتلاك الطاقة النووية والدورة الكاملة من التخصيب وهم من الصاغرين !.

ان كل هذه الانجازات في عهد الرئيس نجاد دفع للانسان الايراني الشعور بانه خدع كثيرا على يد الاصلاحيين بسياساتهم التي كانت تلعب على مشاعره القومية والوطنية والحفاظ على ايران من الازالة ......، بينما ومن خلال تجربة اربع سنوات وفي خضم اعنف الخطابات السياسية للرئيس المحافظ احمدي نجاد كانت النتائج عكس تماما لما كانت تصوره ماكنة الاصلاح الايرانية، وعلى هذا الاساس شعر الشعب الايراني انه بحاجة حقيقية لاستمرارية خطاب وتوجهات وخطط وادارة الخط المحافظ في الدولة الايرانية باعتبار انه الخطاب والادارة التي وفرت لايران وبظروف غاية في التعقيد والصعوبة العالمية الكثير من المكاسب التي لم يكن يتصور او يحلم بالوصول اليها الشعب الايراني في هذه الفترة القصيرة !.

نعم من اجل هذه التطورات الداخلية الايرانية والخارجية شعر التيار الاصلاحي الايراني انه على المحك الخطر في مسيرة حياته السياسية في ايران، بل ان اربع سنوات اخرى لقيادة المحافظين للدولة في ايران على نفس المنهج وبنفس القوّة والمكاسب والتقدم الصناعي العسكري الحثيث الذي شهدته ايران في حقبة نجاد ....... سيجعل هذا كله من الخطاب الاصلاحي في ايران اضحوكة وسخرية في قادم الدورات الانتخابية المستقبلية، لتلمس الشعب الايراني من خلال التجربة انعكاسات خطابات وادارة الجانب الجمهوري الاسلامي المحافظ وايجابياته على الوضع الايراني، وفشل وهزيمة خطابات وادارات الجانب الاصلاحي الذي لم يقدم لايران سوى التخلف والوقوع تحت التهديد الغربي والضعف وغير ذالك من مثالب ذكرها نفسه الرئيس نجاد في مناظراته عندما ذكر انجازات حقبة حكمه لايران، وانجازات حكم الاصلاحيين لثمان سنوات فاشلة سابقة لهذا البلد !.

هذه هي حقيقة غضب الاصلاحيين من سوء النتائج المخزية للاصلاحيين في ايران، وهذه هي الحقيقة التي دفعت بالاصلاحيين للمطالبة بالغاء نتائج الانتخابات من غير حتى المطالبة بالتحقيق اولا في هذه النتائج، وهذا لعلم الاصلاحيين ان الانتخابات ليست مزّورة ليطالبوا بالتحقيق وانما رغبتهم بالغاء الانتخابات نهائيا كي لايكشف تراجعهم وفشل خطابهم وادارتهم امام الشعب الايراني، وانهم فشلوا على المستوى الجماهيري قبل غيره، وهذه هي حقيقة الغضب المفتعل للاصلاحيين الذي حاول افتعال الغوغائية وخرق القانون وتعكير النظام والاعتداء على الدستور والاملاك العامة ليغطوا على فشلهم وخيبتهم وحقيقة عزوف الشعب عن خطابهم الانهزامي امام الغرب !.

والحقيقة ان كان الاصلاحيون في ايران هم اول من يخرق القانون ويعتدي على الاموال العامة بالتخريب ولايحترم مواد الدستور داخل نظام الدولة، ولايتبع السُبل الدستورية في اعتراضه على نتائج الانتخابات فمن الاولى ان لايكون جديرا بقيادة دولة بحجم ايران !.
كما انه اذا كان الاصلاحيون لايحترمون كلمة وأمر المرشد الاعلى في الجمهورية الاسلامية التي اساسا هي قائمة على ولاية الفقيه، فمن الاجدر بهذا الخط السياسي داخل ايران ان يدرك ان هذه الدولة قامت على نظام الولي الفقيه والتي تعني ان الكلمة الاخيرة لهذا الفقيه في هذه الجمهورية، كما ان كل نظام قائم على فكرة ما يجب ان يحترم الكلّ هذه الفكرة وان لايعتقدوا ان هناك شيئا اعلى او فوق هذه الفكرة !.

نعم جمهورية ايران الاسلامية ومن خلال دستورها الذي صوّت عليه الشعب الايراني هي جمهورية ولاية الفقيه العادل، وهذا يعني ان اعلى سلطة تدير الشأن الايراني قانونيا هو الولي الفقيه، وعلى من يحترم القانون والدستور داخل ايران ويريد ان يعمل داخل هذا الاطار الدستوري الايراني عليه ان يدرك هذه الحقيقة ولايتجاوز صلاحيات الدستور ومواد قانونه، وهذا كما هو القانون على الملكية كأعلى سلطة تنفيذية في الدول، او على البرلمانية كالمرجع الاعلى لممارسة السلطة، او على الديمقراطية التي تمنح الرئيس المنتخب السلطة التنفيذية النهائية في سياسة الدول، فكذا جمهورية ايران الاسلامية التي انتخبت نظام ولاية الفقيه في ادرة شؤونها السياسية فهي اولا واخرا اعلى سلطة ومرجعية في هذا البلد للحكم والفصل، والى ان ينتخب الشعب الايراني نظاما سياسيا جديدا غير ولاية الفقيه فعلى الجميع الايراني اصلاحي ومحافظ ان يحترم الدستور والقانون ويلتزم بارادة وانتخاب الشعب الايراني لهذا النظام !.

كان المفروض على الاصلاحيين الايرانيين بدلا من الهروب الى الامام في مواجهة فشلهم في الانتخابات الايرانية، وافتعال القلاقل والسماح من ثم لاعداء ايران بالتدخل في الشؤون الداخلية الايرانية والعبث بسمعة وامن ايران ... بدلا من ذالك كان عليهم ان يراجعوا هم خطابهم الذي لم يعد ينطلي على الشعب الايراني لركاكة مضمونه وانه خطاب ورؤية انهزامية لايران تحاول ان تكون كبيرة في منطقة لاتحترم الا الكبار !.

ولم يكن من المتوقع للتيار الاصلاحي الايراني ان ينخرط بلعبة العزّة بالاثم ليظهر للعالم ان هناك عملية تزوير انتخابية باثنى عشر مليون صوت هو الفارق بين تياري جمهورية ايران الاسلامية، وياللعار ان يصل التيار الاصلاحي لهذا المستوى من الانحدار في الخطاب والتفكير بحيث انه يغامر بمصالح وطنه من اجل الوصول الى السلطة !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com