|
قراءة في الخطبة السياسية لشهيد المحراب .. في الجمعة الأخيرة الدامية يوم استشهاده
الباحث عمار العامري ماجستير تاريخ أسلامي أن شهيد المحراب أية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم هو الشخصية الإسلامية السياسية العالمية الذي انطلق من المقام الحيدري الشريف نحو أفاق المعمورة يحمل هموم الإسلام والعراق وكافة المسلمين في العالم، ليرجع إلى ذلك المقام الشريف بعد أكثر من عقدين من الزمن قضاها في الهجرة والجهاد، لتغتاله الأيادي ألاثمة وينال الشهادة ويلتحق بالرفيق الأعلى مجسداً أنبل اللحظات الإيمانية، إذ كان صائم في اليوم الأول من أيام شهر رجب وإمام لجمعة الحرم العلوي الشريف قبيل نيل الشهادة. وفي قراءة للخطبة السياسية لشهيد المحراب في الجمعة الرابعة عشر أو - الجمعة الدامية - في يوم استشهاده الموافق الأول من شهر رجب المعظم وبقراءة متأنية لها، والتي تعتبر من المتبنيات الأساسية للسيد شهيد المحراب والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتي رسم فيها بعض معالم دولة العراق الجديد ، نجده وبعد الحمد والثناء على الله - عز وجل - والذي يصفه بالدائم الذي يصعد أوله ولا ينفذ أخره ، ثم يصلي على الرسول الأكرم واله الأطهار - عليهم السلام - موصياً نفسه الزكية وعباد الله بالتقوى التي تعتبر خير زاد سائلاً العلي العظيم أن يجعله والجميع من المتقين والمتبعين لأوامر الله ونواهيه والمتمسكين بالعروة الوثقى وهما القرآن الكريم وأهل البيت- عليهم السلام-. وبعد هذه المقدمة الروحانية يطل صاحب الشهادة من محراب الصلاة ليذكر الجميع بعدة موضوعات كان أولها الخطر الذي ألحق بالعراق وقد سماه بالعدوان الذي تعرضت له مدينة الكرار النجف الاشرف لاسيما المرجعية الدينية العليا خلال العهود التي تسلط فيها أعداء الإسلام على المسلمين في العراق ، موضحاً صور من مواقف هذا العدوان وكانت أول تلك المواقف والتي اعتبرها من الموضوعات الرئيسية هي: موضوع العدوان - أن العدوان حينما يكون على إنسان معين قد يكون عدوان لغاية محددة تنتهي بنهاية الظرف - ولكن شهيد المحراب يؤكد أن العدوان على المرجعية الدينية العليا كان القصد منه ضرب الأكثرية في العراق - والتي تقدر بأكثر من ربع مليار شيعي في العالم- هذا أذا اقتصرت الحسابات على مذهب معين بينما تكون القضية أوسع عندما تكون المرجعية الدينية هي المدافع عن حقوق المسلمين أو الأغلبية منهم، فهذا يعني أن العدوان عليها يعني العدوان على كل من يحترم هذا مقام المقدس ويسعى إلى أن يصان امنياً سياسياً واجتماعياً بصرف النظر عن الأسماء. فيما تطرق سماحته إلى صور من مواقف العدوان اتجاه مراجع الدين والحوزات العلمية ، هو ما قام به نظام البعث عندما استولى على زمام السلطة في بغداد عام 1968، وبدأ بالتضييق على الخط الإسلامي لاسيما مرجعية الإمام محسن الحكيم، وقد حاول البعث توجيه تهمة التأمر لسماحة السيد مهدي الحكيم نجل الإمام الحكيم عام 1969 لما له من دور فاعل في التحرك السياسي الإسلامي في العراق وخارجه ، وأيضا اعتقال سماحة السيد عبد العزيز الحكيم من اجل إشاعة الضغط النفسي على المرجعية العليا، من اجل إيقاف مواجهتها لسياسات حكام بغداد الجدد، وما لحق ذلك من اعتقالات وعمليات اغتيال طالت علماء الدين استشهد على أثرها السيد محمد باقر الصدر في نيسان 1980 والشيخ البروجردي في نيسان 1998 والشيخ الغروي في حزيران 1998 والسيد محمد الصدر في شباط 1999والمحاولة الفاشلة لاغتيال السيد علي السيستاني في 1999 وكذلك الشيخ بشير النجفي ، وأشار سماحة شهيد المحراب إلى أن هذا الاستهداف لمراجع الدين والحوزات العلمية يعود في بدايته إلى ما يسمى بالحكم الوطني الخاضع للانتداب الانكليزي ، حيث قام أتباعه بمحاولة نفي وإخراج علماء الدين الشيعة أمثال الشيخ النائيني والسيد الأصفهاني الرافضين لسياستهم من النجف الاشرف ليتسنى لهم تسويق توجيهات أسيادهم ، كما اتبع عبد السلام عارف نفس السياسة المقيتة ضد المرجعية الدينية في النجف الاشرف ، وكأنما شهيد المحراب يريد أن يذكر بموقف - عبد السلام من تهديده لمقام المرجعية الدينية حتى لقي حتفه بُعيد ذلك بفترة وجيزة عام 1966-. ويضيف سماحته أن ما اتبعه حكام البعث من سياسة كان الأسوأ، حيث بدءوا يندسون بين الجماعات وبعناوين شتى حتى يتمكنوا من تطبيق اعتداءاتهم - لاسيما ظاهرة ولوج أعداد كبيرة منهم تحت غطاء طلبة الحوزة من اجل الإساءة لدور الحوزة الحقيقي ، كما استخدموا هذه الظاهرة بعد تغيير النظام عام 2003 وباتوا يعملون ضد الإسلام والعراق بعدة وجوه أبرزها الدخول تحت غطاء الإسلام المزيف -. كما أدان سماحة شهيد المحراب التصرفات غير المسؤولة من قبل قوات الاحتلال أو متعددة الجنسيات اتجاه محاولات الاغتيال الفاشلة التي استهدفت مراجع الدين - وكان القصد عملية الاستهداف لبراني سماحة أية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم احد ابرز أربعة مراجع في العالم - محملاً تلك القوات المسؤولية ، مشيرا إلى أن حماية مراجع الدين والعتبات المقدسة والحوزات العلمية هي مسؤولية العراقيين أنفسهم معللاً ذلك بأن الحالة الاجتماعية والأخلاقية والتي لا يقبلها الإسلام هي أن تكون هذه المقامات المقدسة محمية من قبل غير المسلمين ، لذا كانت مطالب سماحته قبل دخوله ارض الوطن وبعد ذلك عبر كافة وسائل الإعلام والصحافة والمؤتمرات بأن تترك الفرصة وبدون ضغوط نفسية أو نزع لأسلحة القوات العراقية التي توفر الحماية المرجعية الدينية والأماكن المقدسة حتى انه حمل قوات الاحتلال عدم استطاعتها حماية المؤسسات الدولية في العراق ، وكان يشجع على تكوين قوات خاصة لحماية المدينة المقدسة في النجف الاشرف وكربلاء. أما بصدد انعدام الأمن وما لحقه من تبعات كان يرجح سماحته عدة أمور هي الطرق المثلى لمعالجة هذا الأمر ، فقد جعل: الأمر الأول هو أعطاء السيادة الكاملة للعراقيين في تشكيل حكومة عراقية ذات سيادة كاملة -على أن يحدد الدستور العراقي شكل نظام الحكم في العراق وقد اختير النظام البرلماني الديمقراطي التعددي- وهذا الآمر يعتبر من أهم الأمور التي ركز عليها سماحة السيد شهيد المحراب منذ وطئت قدماه ارض الوطن ، وأكد عليها مراراً وتكراراً بأن العراق لا يستقر حتى تكون هناك حكومة مستقلة ذات سيادة كاملة يحكم فيها العراقيون أنفسهم بأنفسهم - وهذا ما تحقق فعلاً وبدأت مراحل تسليم السلطة تتوالى من مرحلة مجلس الحكم عام 2003 إلى تشكيل وزارة في تموز 2004 ثم أقامة أول انتخابات حرة نزيهة في 15 كانون الثاني 2005 اختيرت فيها أول جمعية وطنية وشكلت أول حكومة انتقالية وأنجزت كتابة مسودة الدستور العراقي الذي صوت عليه العراقيون بنسبة 76% في تشرين الأول 2005، وبعدها انتخابات مجلس النواب في كانون الثاني 2006 الذي جاءت بأول حكومة منتخبة وفق الدستور-. إما الأمر الثاني من تحقيق السيادة الكاملة هو النجاح في الجانب الأمني وتحقق ذلك بعد عقد الاتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 17/11/2008 - وهذه هي المطالب التي حددها شهيد المحراب للعراق منذ الأربعة أشهر فقط التي سبقت شهادته من قبل أعداء العراق الذين أغاظهم خطاب سماحته المفعم بالمستقبل الزاهر للعراقيين ، وكان في نظره هو الحل الأسلم والطريق الأوحد لمعالجة كافة الأمور الأمنية والسياسية والاجتماعية في العراق. أما الموضوع الثاني في تشكيل الوزارة: هو المطالبة على أن لا تكون هذه الوزارات غنائم أو مواريث أو حصص توزع على أطراف دون أخرى أو لا يمنع التدخل في الوزارة من الأطراف غير الجهة المسنودة أليها، موضحا أن هناك ثلاثة أسس رئيسية وأساسية دعا أليها في عدة محافل ولقاءات وطالب أبناء الشعب العراقي بأن يكونوا على درجة عالية من الوعي والمتابعة والمراقبة لهذا الخصوصية. والأساس الأول الذي أكد عليه هو تمتع الوزراء بكفاءة عالية وقدرتهم على القيام بكامل المسؤولية الوزارية ، وأن لا يسيطر على الوزارة من قبل بعض الأشخاص على أساس المحسوبية أو الفئوية أو الحزبية وهذا اخطر ما يكون. والأساس الثاني هو الإخلاص الواجب تمتعه من قبل الوزراء للعراق أولاً والشعب العراقي ثانياً ومصالح العراق ثالثاً بل ويتمتعوا بالجدية في إخلاصهم لحل المشاكل لان سماحته يرى وحسب قوله - نحن نريد بناء عراق جديد وفتح صفحة جديدة تغييريه في أوضاع العراق - ، فإذاً الهدف الذي جاء من اجله شهيد المحراب والمجلس الأعلى هو بناء العراق الجديد وفتح صفحات جديدة في تغيير أوضاع العراق وعليه فالإخلاص يكون للعراق لا للمصالح الشخصية والفئوية ومصالح الدول الأجنبية الخارجية وهذه المسالة من أهم المتبنيات التي يؤكد عليها تيار شهيد المحراب دائماً-. وفي الأساس الثالث طالب سماحته أن الوزارة أو الوزارات يجب أن تكون معبرة عن إرادة العراقيين بكافة أطيافهم ومذاهبهم وقومياتهم وانتساباتهم الدينية والعرقية ، وهذا المطلب الحقيقي لسماحته معللاً ذلك بأن تكون المشاركة حقيقية لكافة أبناء الشعب العراقي وموضحاً - أذ كان مجلس الحكم تشوبه ثمة ثغرات لعدم تمثله كافة الطيف العراقي فعلى الوزارة المقبلة أن تجمع كل الأطياف وتردم الثغرة التي حدثت في أيام مجلس الحكم بعدم التمثيل الشامل للعراقيين-. أما الموضوع الأخر الذي تناوله شهيد المحراب في خطبته هو: استرداد الحقوق المشروعة للأكثرية العراقية وان لا يتهم شيعة أهل البيت - عليهم السلام- بالطائفية لمجرد حصولهم على أكثر من نصف مقاعد مجلس الحكم - حيث حصل الشيعة على 13مقعد من أصل 25 عدد مقاعد مجلس الحكم - إلا أن الحقيقة التي وضحها شهيد المحراب أن الشيعة من ناحية النسبة العددية هم أكثر من 65 % من سكان العراق وقد عانوا المظلومية والمحرومية وإنهم لا يحاولون ظلم الآخرين من خلال ذلك لذا كانت دعوة سماحته إلى الوحدة الإسلامية وما زالت هذه الدعوة قائمة وأيضا الدعوة إلى وحدة العراق حكومة وشعباً وأرضاً ولا قبول لأي تزعزع في هذه الوحدة كما زعزع ذلك النظام العنصري الذي استخدمه الطاغية صدام آنذاك. وان تنازل شيعة أهل البيت - عليهم السلام - عن حقهم من ثلثي سكان العراق إلى النصف دليل على اقتدائهم بسيرة سيدهم وموالهم الإمام علي - عليه السلام - ، كما أن شهيد المحراب كان يؤمن بنظام التمثيل لكل طوائف الشعب العراقي وعندما تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة فهناك يتم بيان النسب الحقيقية لتمثيل كل طائفة ويعرف الشيعة حجمهم الطبيعي بمختلف مشاربهم وكلاًَ يعرف حجمه وفق ما يحصل عليه في الانتخابات بعيداً عن الظلم والاضطهاد محذراً أبناء الشعب العراقي من اغتيال حركته وقضيته من جديد من قبل الأعداء الذين يخططون لذلك. وفي كلمة أخيرة كانت له في الخطبة وهي من توصيات سماحته إذ يؤكد بأن ليس من الجانب الأخلاقي والإنساني أن توضع الحواجز غير المبررة أمام الزوار والسائرين في الطرق العامة وان هذا أمر مستهجن لاسيما في الأماكن المقدسة والعامة ، وطالب بأن تفتح المعابر ولا تبقى مسدودة وأن تكون هناك أماكن مخصصة لوسائل النقل لتمكن أبناء الطبقات المستضعفة والفقيرة تحقيق سبل العيش الشريف من خلالها. وبهذا الحديث أختتم الخطبة متوجهاً بالدعاء إلى الله - سبحان وتعالى - أن يحفظ العراقيين ويرعاهم ويتقبل أعمالهم ، وختم سماحة شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم أخر لحظات مسيرة حياته الجهادية والسياسية والتي قضاها بعيداَ عن الوطن والأحبة ليعود بعد 23 عام حاملاً لواء الإسلام ليغتالوه أعداء الإسلام في لحظة مأساوية بعيدة عن حالة الإنسانية التي تعامل بها سماحته مع الجميع حتى اعترف بسموه ورفعته القاصي والداني ، فسلام عليك أبا صادق يوم ولدت ويوم عشت مجاهد من اجل الدين والوطن ويوم استشهدت في حرم جدك أمير المؤمنين -عليه السلام - ويوم تبعث حياً مع أجدادك العظام الرسول الأكرم وأهل بيته - عليهم السلام-.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |