تخوّف مسيحيي العراق مما بعد الانسحاب الامريكي!

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

في لقاء رئيس الوزراء العراقي المحترم نوري المالكي مع القنوات والصحف المحلية العراقية في مؤتمره قبل يومين طُرح الكثير من المواضيع الداخلية والخارجية المتنوعة التي هي بالفعل بحاجة الى تناول ومناقشة وكتابة ..، حيث تناول المؤتمر الصحفي العديد من الزوايا في الاقتصاد وفي الامن وفي السياسات وفي العلاقات الخارجية وفي المشاريع المستقبلية للحكومة العراقية .... وكذا في الاشكاليات المعقدة للعملية السياسية العراقية داخليا وخارجيا، ولكنّ ما لفت نظري بقوّة وعنف في العاطفة شخصيا هو مداخلة مراسل الفضائية الاشورية الصريحة وما طرحه من فكرة تتلخص بالاتي : ان مسيحيي العراق يعيشون في حالة قلق وتوتر من مغادرة القوات الامريكية من العراق، وذالك لتجربة مسيحيي العراق السابقة التي اعقبت طرد القوات البريطانية المحتلة للعراق آنذاك على يد الثورة العراقية الكبرى، وما اعقب هذا الخروج البريطاني من حدوث مجزرة بشعة لمسيحيي العراق تحت مبرر موالاة المحتل الاجنبي والتعاون معه !.

ان سبب اثارة هذه الفكرة لوجداني وفكري وعاطفتي ايضا، هو انها نفس الفكرة التي ربما مسيطرة على اكثر من مكوّن عراقي تعددت اسبابه واختلفت بطبيعة الحال مبرراته في عدم رغبته برؤية قوات الاحتلال الامريكية وهي تترك العراق للعراقيين، الاّ ان لكل سبب مايبرره داخل مكوّن من مكونات الشعب العراقي، فالكرد ايضا ليسوا سعيدين بخروج القوات الامريكية من العراق وترك العراق للعراقيين، وكذا المكوّن السُني العربي ايضا هو الاخر في قلق من خروج قواّت الاحتلال الامريكية وإن ينتهج بعضهم سياسة النفاق في إظهار مطالبتهم بمغادرة قوى الاحتلال واعلان دعمه للمقاومة، وإبطان التفاوض مع الجهات الامريكية بعدم المغادرة وترك العراق للعراقيين !.

الان ربما هناك من يتساءل حول الشيعة العراقيين ولماذا لم نشر الى تخوّف او توتر ينتابهم من هذا الانسحاب لقوات الاحتلال من العراق ؟.

الحقيقة ان المكوّن الشيعي العراقي وبأكثريته الكبيرة هو الحاكم الفعلي للعراق الجديد، ووجود قوات اجنبية على ارضه العراقية يعتبر اعاقة حقيقية لممارسةِ دوره في الحكم على شعبه، ولهذا تجد ان العراقيين الشيعة سوف يرحبون كثيرا بمغادرة القوات الاجنبية من ارضهم، ولا مبرر اساسا لتوترهم وتوجسهم وريبتهم من خروج هذه القوات باعتبار ان قوتهم العراقية الداخلية تؤهلهم لان يكونوا في المكان المريح على اي حال !.

طبعا نحن عندما نتحدث بلغة المكونات العراقية فهناك مَن سوف يرى ان هذه اللغة هي اللغة الطائفية المقيتة والمحاصصة المخجلة .....الخ، ولكن وباعتبار اننا نحاول الابتعاد عن الازدواج في شخصيتنا العراقية السياسية، والابتعاد عن ممارسة النفاق الذي ملّ من ممارسته كل العراقيين مع الحكومات الظالمة لعقود طويلة، نحاول ان نناقش المسميات الحقيقة للشعب العراقي، ونحاول ايضا ان نجيب بصراحة على هواجس هذه المكونات وماتعانيه من قلق، وماتشعر به من توتر سياسي لنصل في نهاية المطاف الى تذويب استقطاب فكرة المكّون للفرد العراقي ووصوله الى أمان العراقية الشاملة التي يكون لها الصوت الاعلى والقرار الاخير في التعامل مع جميع العراقيين كعراقيين وليس كمكونات داخل العراق وفي قلبه !.

نعم طرح مراسل القناة الاشورية قلق وتوتر واشكالية وخوف جميع المسيحيين كمكوّن في العراق من مشروع انسحاب القوى الامريكية بالذات أمام رئيس الوزراء العراقي، على امل ان يسمع العالم كله ولاسيما منه العالم المسيحي الاوربي وليس شخص رئيس وزراء العراق فحسب هواجس وخوف مسيحيي العراق على وجودهم بعد خروج حامي الحمى القوات الامريكية المتواجدة في العراق، وكذالك طرح مراسل الاشورية هذا الامر أمام العالم ليدرك المسيحيين كمكون عراقي ليس الاّ موقعهم من جغرافية العملية السياسية العراقية مابعد خروج الامريكان من العراق، وليضغط هذا المكوّن فيما بعد لاستحصال مكاسب تصب في الحكم الذاتي الذي يطالب به لفيف من مسيحيي العراق في خارج الوطن وداخله ولكن بصوت غير مسموع في حقهم بالحكم الذاتي في اراضي الشمال العراقي، وايضا فوق البيعة طرح المراسل بعض هواجس المكوّن المسيحي العراقي على ذاته المسيحية وان هذه الذات عرضة للانتقام الاجرامي من بعض الفئات الخارجة على القانون والتي تتهم هذا المكوّن العراقي بانه عميل لقوات الاحتلال الاجنبية مايعرّض وجودهم للتصفية حسب ماهو متعارف في منطقتنا العربية والاسلامية في معاقبة جريمة الخيانة والعمالة للاجنبي !.

الآن الحقيقة ان ليس هناك لديّ شخصيا صورة توضح لي هذا القلق المسيحي العراقي كظاهرة مابعد العراق الجديد وماعصفت بهذا العراق من موجة ارهابية قاسية جدا حرقت الاخضر واليابس، وليس ايضا لدى مقياس اعلى يوزن ليّ هذه التوترات والمخاوف لاكثر من مكوّن عراقي سوى صورة : ان المكّون المسيحي او لأقول قيادات هذا المكوّن العراقي المسيحي يبدو انها ودائما ومنذ اكثر من ثمانين سنة لقيام الدولة العراقية الحديثة تحسب الحسابات الخاطئة دوما في تقييم الوضع في العراق، ولكن بعد مضي الوقت يكتشف هذا المكوّن العراقي المسيحي انه متورط من اخمس قدمية الى اذنية في اشكالية مع باقي المكوّنات العراقية الاخرى مما يدفع هستيريا من القلق والتوتر تنتاب المكوّن المسيحي على وجوده ووطنه العراق وعيشه وغير ذالك !.

لماذا نقول بهذا التصور لحلحلة اشكالية التوتر المسيحي لما بعد خروج القوات الاجنبية من العراق ؟.

بسبب ان المكوّن المسيحي العراقي وكما ذكره مراسل القناة الاشورية الفضائية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي : يشعر بالخوف ومن عودة وحصول مجزرة لهذا المكون كما حصل في منتصف القرن الماضي من تاريخ العراق الحديث إن خرجت قوات الاحتلال من العراق !!.
وهذا الكلاّم والمبرر يدلل على حقيقتين :

الاولى : هي ان قيادات هذا المكون العراقي المسيحي السياسية والدينية لم تستطع حتى بعد ماجرى في منتصف القرن الماضي لمسيحيي العراق من مآسي ان تأخذ العبرة وتحتفظ بالحكمة لتسلك سبيلا اخر في مستجدات العراق الحديثة عندما احتلّ على يد القوات الامريكية، وبدلا من ان تكون هذه القيادات واعية للدرس من ما مضى من تاريخ ابّان الاحتلال البريطاني للعراق، وجدنا انها قد كررت نفس السياسة في ازمة الاحتلال العراقية الجديدة على يد القوات الامريكية ووضعت المسيحيين في نفس المربع الذي اوقفتهم فيه قبل اكثر من خمسين سنة، ليحصد العراقيين المسيحيين في الاخر نفس القلق ونفس التوتر الذي انتابهم قبل اكثر من خمسين سنة بعدما خرجت قوات الاحتلال البريطاني من العراق لينعكس عليهم بنفس القوّة هذه الايام في حال خروج قوات الاحتلال الامريكية من العراق !.

ثانيا : دللت حقيقة المخاوف المسيحية العراقية اليوم ان هناك مخطط لااعلم هل هو محلي ومن قبل قيادات هذا المكوّن العراقي الاصيل، او انه مخطط من الخارج لحشر مسيحيي العراق في مأزق دائم، او انه ليس مخطط ومؤامرة وانما سوء تدبير وغير قاصد لنوايا سياسية عميقة، يحاول قدر المستطاع ان يخلق اشكالية نفسية داخل هذا المكوّن العراقي الاصيل، بحيث انه وكلّ فرد داخل هذا المكوّن لابد ان يشعر بانه في مهب عاصفة نارية تحيط به من كل جانب، وتحاول احراقه كقربان على اي حال وصورة، وحتى لو ان الموقف العراقي المسيحي لم يكن في موضع شك او شبهة في مواقفه الوطنية العراقية الخالصة، لكنه يجب على هذا الفرد المسيحي العراقي ان يشعر بغربة داخل وطنه واحتقان بين ابناء شعبه !.

الحقيقة انا لااعلم ان كانت الحقيقة الثانية تحمل واقعية او لا في اصابة تشخيص الظاهرة، لكنّ ما اشعر به شخصيا ان هناك ماكنة اعلام تحاول جاهدة ان تعطي نمطية صورية لكل عراقي مسيحي :(انك متهم بالعمالة للاجنبي بسبب دينك الذي وافق اديان دول الاستعمار الحديثة؟!)

هل هذه حقيقة ام مجرد خيال وتصور ؟.

لااعلم ولكننا ندرك ان هناك رسالة تريد جهة ما ايصالها لكل مسيحي في العراق تقول : حتى وان لم تكن في الحقيقة على صلة باي شيئ في خارج العراق، فعليك ان تدرك ايها المسيحي العراقي انك محسوب على خارج العراق وليس داخله !!.

ومثل هذه الرسالة خطورتها على المكوّن العراقي المسيحي ليس في غرابتها وفجاجتها وقباحة شكلها، ولكن في ايمان الفرد العراقي المسيحي بها !!.

نعم اعترف امام الكلّ ان الفرد المسيحي العراقي وربما انا احدهم بالوراثة، يحمل عقدة وهاجس الخوف من المستقبل، وانه بحاجة الى تغيير ايمانه بوطنيته العراقية ليرى نفسه ليس في موقع الدفاع عن توجهاته السياسية التي لااشك انها تسير بالجانب الخاطئ دوما لمعادلة العراق في القديم وحتى الحديث، وانما هو بحاجة الى ان ينظر لذاته باعتباره العراق وليس باعتباره دين مكوّن من اقلية في العراق تحاول الحفاظ على مكونها الطائفي الديني قبل عراقيتها في هذه الحياة !!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com