|
المريخيون وراء التفجير في مدينة الصدر د. حامد العطية لكل انفجار إرهابي شريط مكرر، من الصور والكلام والأرقام، الصور لجثث وأشلاء، في مدينة أو قرية مهملة، أمام حسينية أو وسط سوق شعبي، والدماء المسفوحة لأبرياء دائماً، ومن الشيعة إلا ماندر، ومن سكان الأحياء الفقيرة، إلا بعض الاستثناءات، الصور ناطقة من دون صوت، لكن سرعان ما يضاف لها الكلام، بيانات استنكار وشجب روتينية، وتصريح ممل لرئيس الحكومة، ولا جديد في الاتهامات، وفي خلفية الصورة عداد أرقام، تجاوز المليون، وبتسع للمزيد. لكي نحدد القتلة ونشخص الأسباب والدوافع لا بد من اكتشاف الجانب المظلم للعملية السياسية، فهي وإن صورها المحتلون والمتحمسون لها من المتهافتين على السلطة والتسلط بأنها اكثر بهاءاً واشراقاً من البدر في السماء فهي أيضاً لها وجه خفي، مثل القمر، مشوه وقبيح، والشر الذي يتحول إلى متفجرات تحصد أرواح الأبرياء نابع من هذا الوجه المظلم للعملية السياسية. أول الحقائق مفتاح لمعرفة الجناة، وهي إن قواعد اللعبة السياسية، وابرزها التوزيع الطائفي والإثنية، انتاج واخراج أمريكي صرف، لذا نستنتج بأن مقاصدها حتماً شريرة وتخريبية، ويكفي دليلاً ما عاناه العراقيون حتى الأن من حرب طائفية وفوضى سياسية وفساد إداري وتدهور خدماتي وانحدار اقتصادي وحتى شح ماء دجلة والفرات. وبما إن اللعبة السياسية طائفية وإثنية بحتة فلا بد من أن يكون التنافس فيها طائفي وإثني أيضاً، لذا فقد تمحور التنافس والصراع السياسي بين المكونات العنصرية والإثنية الثلاثة، أو من يمثلها في العملية السياسي، وبالذات الأحزاب الشيعية والسنية والكردية المشاركة في الحكومة، وهذه هي الحقيقة الثانية، ولأن الوضع العراقي مائع بصورة عامة، وهو ما أراده المحتلون الأمريكان من خلال الفوضى الخلاقة، وما أكده مؤخراً الرئيس أوباما في دعوته للحكومة العراقية للتفاهم حول المصالحة والمشاركة في النفط، فإن كل مكون يسعى للحصول على أكبر قدر من المكاسب على حساب المكونين الآخرين، أو على الأقل الاحتفاظ بما لديه أو تقليل خسائره وتنازلاته، وهذه هي الحقيقة الثالثة، والعنف الطائفي والعنصري جزء لا يتجزأ من هذه العملية السياسية المشوهة، وهذا العنف أما مصنوع من قبل الأحزاب الطائفية والإثنية المشاركة في الحكومة، أو هو يحظى بدعمها وتغطيتها، أو أن هذه الأحزاب تستغل العنف لصالحها، وهي الحقيقة الرابعة. الجانب المظلم من اللعبة السياسية أشبه بلعبة الفيديو، اللاعبون الرئيسيون فيها هم الأحزاب الكردية والسنية والشيعية، التي ارتضت المشاركة في الحكومة وفقاً للمحاصصة الطائفية والإثنية. وقبل التطرق لآليات الجانب البشع من العملية السياسية من الضروري الإشارة لمشاركة أطراف خارجية فيها، ولكن بصورة غير مباشرة، ومن أبرز هذه الأطراف الخارجية الأمريكان والسعودية ودول الخليج وغيرها من القوى الخارجية المؤثرة، والوسائل التي تستعملها هي الحملات العسكرية والعمليات الإرهابية والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية. من الواضح أن قوات الاحتلال الأمريكية تعمل ما في وسعها للهيمنة على العراق للمدى الطويل من خلال اسناد الفئات والأحزاب الموالية لها أو المتحالفة معها، وقد استعملت القوة العسكرية لحماية حلفائها الأكراد، وقمعت معارضي هذه الهيمنة، وبالتحديد التيار الصدري، واستعملت الأموال والوعود لكسب ولاء الصحوات والعشائر السنية، وتستخدم الضغوط والاغراءات المتنوعة لدفع الحزبين الشيعيين لتقديم المزيد من التنازلات لتقوية المكونين الأصغر، أي الأكراد والسنة، على حساب المكون الأكبر، حتى يبقى العراق مقسماً وضعيفاً وتابعاً للأمريكان. أما السعودية فمن المعروف استخدامها للتحريض والعنف الطائفي بالفتاوى الوهابية التكفيرية، وارسال الانتحاريين للقيام بعمليات إرهابية طائفية، ولأن السعودية لا تجرأ على اقتراف مثل هذه الكبائر من دون موافقة الشيطان الأكبر لذا فإن مقاصدها من ذلك متطابقة تماماً مع الأهداف الأمريكية الخبيثة في اضعاف العراق من خلال تقسيم ولاءات العراقيين بين الطوائف والإثنيات المتنافرة والمتخاصمة، مع التنويه بأن الأحزاب السنية في الحكومة قد استغلت هذا العنف لتجني بعض المكاسب السياسية الآنية من دون اكتراث لنتائجها الكارثية على المدى البعيد. برز أخيراً لاعب خارجي خليجي مهم، كان حتى الأمس القريب يمارس تأثيره في الخفاء، وهو الكويت، التي لها مصلحة استراتيجية في استمرار الضعف العراقي، ولها أطماع في نفطه، لذا تصر على بقاء العراق تحت طائلة عقوبات البند السابع، ولأن الكويت لا يمكن أن تخالف ربها الأمريكي، الذي أنقذها من الإحتلال الصدامي، فمن المحتم أن الضغوط الكويتية الاقتصادية على العراق تجري بتنسيق تام مع الحكومة الأمريكية. هؤلاء هم أبرز اللاعبون بصورة غير مباشرة في لعبة الفيديو السياسية في العراق، أما اللاعبون المباشرون فهم الأحزاب الشيعية والسنية والكردية في الحكومة العراقية، في الجانب الواضح و"المشرق" من اللعبة يستخدمون الحوار والمباحثات والتصويت في البرلمان واحياناً التهديدات، ولكن الذي يهمنا هنا هو الجانب الخفي والمظلم من اللعبة، فما هي غايات ووسائل المشاركين فيها؟ الأهداف التي يتصارع عليها المشاركون في العملية، سوا في العلن أم الخفاء، هي ذاتها، السلطة والمناصب والأرض، فمن الواضح السعي الحثيث للأحزاب الكردية للسيطرة على أكبر حصة من الأرض العراقية وضمها لإقليمهم الإنفصالي قيد التكوين، وهم يستعملون مناصبهم في الحكومة من اجل ذلك، وصولاً إلى حلمهم بتكوين دولة كردية على رقعة جغرافية كافية لضمان بقاءها، وهو ما يحظى برضا وقبول الأمريكان وأعراب الجزيرة والكيان الصهيوني والدول الأوروبية. لربما تراود بعض الجماعات السنية أحلام النكوص بالتاريخ للوراء لتعود لهم السيطرة على العراق، لكن يرجح بأن غالبيتهم قد تقبلت الوضع الجديد، على مضض، وقبلت بالمشاركة في العملية السياسية، ولكنها تجد في ميوعة الوضع السياسي فرصة ذهبية للحصول على أكبر قدر من المكاسب الجغرافية والسياسية، جغرافياً هم حريصون على الحفاظ على ما لديهم من أراضي، بما فيها تلك التي استحوذوا أو تمددوا عليها آبان العهد البعثي البائد، وهم ايضاً مهتمون بأن يكون لهم الصوت "المعطل" في العملية السياسية من خلال التأسيس لمبدأ الديمقراطية التوافقية، كما ضمنوا عودة البعثيين إلى وظائفهم المدنية والعسكرية لخلق نوعاً من التوازن الطائفي، ويصرون على المصالحة من خلال اصدار عفو عن المتهمين بالضلوع في الإرهاب سابقاً. أما الحزبان الشيعيان المشاركان في الحكومة، اي الدعوة والمجلس، فلا هم لهما سوى الاحتفاظ بمكاسبهما السياسية، أي المناصب السياسية والوزارية، وقد ابديا مرونة كاملة أو شبه كاملة في التعامل مع الإملاءات الأمريكية ومطالب السنة والأكراد مقابل ضمان هذه المناصب، وحتى على حساب مصالح طائفتهما، مما يفسر أيضاً استغلال أتباع هذين الحزبين للمناصب الوزارية والإدارية واهمالهم للخدمات والتنمية. والآن بعد أن حددنا المشاركين المباشرين وغير المباشرين في الجانب المستتر من اللعبة السياسية وبينا أهدافهم يتبقى أن نحدد آليه هذه اللعبة، وهنا يتضح لنا بأنها لعبة دموية، مادتها أرواح البشر، وغالباً من الشيعة الأبرياء، وكل طرف في هذه اللعبة مستفيد من هذه الدماء بصورة أو اخرى، فمن صالح الأحزاب الكردية الإنفصالية والجماعات السنية سفك الدم الشيعي لكي يضعف موقف الشيعة في اللعبة الطائفية والإثنية مما سيقوي الاحزاب الكردية والسنية، وحتى لو لم تكن هذه الأحزاب مسئولة عن اقتراف العمليات فيكفينا أن نعرف باحتضانها للإرهابيين التكفيريين والبعثيين، وتقديم الدعم السياسي لهم، ومنع أو تعطيل محاكمتهم والاقتصاص منهم، وهو ما حدث ويحدث بالفعل. في الجانب الآخر يقف الحزبان الشيعيان المشاركان في الحكومة، وهما أيضاً استعملا الدم الشيعي في لعبة جني المكاسب الحزبية من خلال صولاتهم الحكومية على الصدريين، واصدار أحكام الإعدام بحق المئات منهم إرضاءاً للأمريكان والدول العربية ولضمان بقاءهم في مناصبهم، كما قايضوا الدماء الشيعية بالمناصب، واحجموا عن تقديم الإرهابيين المعترفين على أنفسهم للمحاكمة والقصاص العادل، في سلسلة من التنازلات المتواصلة للسنة والأكراد والأمريكان مقابل استمرار تأييدهم للحزبين. المسئول الأول عن سفك دماء الأبرياء هو العملية السياسية ذات الوجه الخفي القبيح، والتي أرسى قواعدها الأمريكان الشياطين، والمتواطئون في ذلك هم الراضون بهذه الوضع والمشاركون في الحكومة والمحتلون وأعراب الجزيرة وجبهة الإعتدال الأمريكية والصهاينة والإرهابيون السلفيون والبعثيون وغيرهم من الطائفيين. وللموضوعية لا بد ان نشير إلى الرأي الآخر المختلف، أي الموقف الرسمي، الذي يتهم البعثيين والتكفيرين، ونرد عليه بأنه لو كان هؤلاء البعثيون هم وحدهم المجرمون فلم أوقفتم اجتثاثهم واعدتموهم إلى مناصبهم ووظائفهم؟ ولو كان التكفيريون هم أيضاً يقتلون الشيعة من دون شركاء امريكان وعراقيين فلم سلمتم الإرهابيين السعوديين لسلطات بلادهم معززين مكرمين؟ في المرة القادمة قولوا بأن الفاعلين بعثيون وتكفيريون نزلوا من المريخ في مركبة فضائية، ثم عادوا إليها مستخفين، لكي نصدقكم!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |