|
النقد الأدبي .. إلى أين؟
لاريب إن النقد يلعب دوراً مفصلياً في تحديد ملامح النص الأدبي على اختلاف الأجناس والكشف عن الكامن وراء أي نص إبداعي يولد من رحم الهم الأدبي الذي في واقعه هم أنساني محض،ولذا فان النص الأدبي تراه بحاجة دائمة إلى نقد متوازن يزيل عنه الترهل الذي قد يعتريه ويكشف مواطن الضعف التي قد تتشكل نتيجة تراكمات فعلية أو تأثيرات أيدلوجية تدفع منتج النص الأدبي إلى الانزياح اللامبرر تجاه مجانبة غير مقنعة للحقيقة والاصطفاف الفاحش الى جانب القبح الذي انقلبت رؤيته له إلى جمال بفعل التأثير الأيدلوجي ،وهذا التحصين للنص الأدبي لايتاتى إلا من خلال الفاحص الذي يجسه عند كل مفاصله المتشكلة عبر محاكاته المستمرة للواقع أو تفاعلاته ضمن صراع المتناقض الحتمي بين قوى الخير التي ينتصر إليها النص مقابل قوى الشر التي تحاول نشر صورها المترسبة عبر اختراق منظومة الفطرة الكونية التي تجعل الإنسان في حالة تساؤلات متواصلة لتفكيك التناقضات التي يعيشها عبر تفكيكه هو الأخر للخطابات من حوله المتعددة الأوجه حيث يقرأها حسب رؤيته الأيدلوجية التي تتحكم بمزاجه وذوقه ،فالنقد لعب دوراً فاعلا في تطوير الآداب العالمية وهو الذي أعاد قرأتها من خلال لغته التحليلية لمكامن النص وإبرز وطور التجارب وتعددت مدراسه بعدما كانت تقتصر على اتجاه واحد وهو الانطباعية التي تتولد بعد الانتهاء من قراءة نص معين ومن ثم الكتابة عنه سلبا أو إيجابا، وفي العالم الغربي أخذت مدراس النقد الحديث بالتطور التدريجي وتصاعد نسغها الفكري واستطاع الناقد الغربي من إزالة صفة الانطباعية والمزاجية عند وضع أي نص أدبي تحت مبضع التشريح النقدي ،بل كان العلم مقياسا أساسياً في محاكمة عناصر البناء الفني والجمالي في هذا النص أو ذاك،فبدون العلم ينحط النقد إلى هجاء كما يقول جورج طرابيشي ،ومادمنا نتحدث عن النقد في العراق فهي مسالة تحتاج الى مراجعة فعلية فتأخر النقد وعدم الاهتمام به سبب مباشر في غياب الأدب العربي بصورة عامة والعراقي خاصة عن الساحة العالمية ،فغياب النقد عن تجارب كبيرة في الشعر و القصة والرواية..الخ مما يجعل هذه التجارب تضمحل وتتلاشى ولايمكن الاستفادة منها في التأسيس والانطلاق نحو العالم، بل إن غيابه ساهم في بقاء الكثير من التجارب المهمة في زاوية مظلمة ،وللأسف تركيز بعض الأقلام النقدية واشتغالاتها على بعض التجارب التي قد لاتستحق كل هذه "الهالة النقدية " حول هذه التجارب إلى أشبه بالمدارس رغم خواء التجربة في بعض الأحيان!!،وهذا شيء مؤسف وخطير فبقاء الاخوانيات والمجاملات عاملا أساسيا في الحكم على أي تجربة إبداعية في عالمنا العربي ماهو الاتنكر حقيقي لرسالية الأدب وتعطيل لوظيفته التغيرية والانحطاط به الى أماكن هي ابعد عما تكون عليه مرتبة الأدب في حياة الشعوب ،إن غياب المناهج النقدية والأسس والمعايير الثابتة يحول دون الوصول إلى انتشار الأدب العربي عامة و العراقي خاصة وتوسيع دائرة معالجاته الإنسانية بما يضمن اتساع دائرة جمهوره الذي سيكون متحمساً لملامسة الأدب إلى واقعه الحياتي وبالتالي رسم قيم سامية لمسيرة حياتية يحلم بها منتجوا الأدب إن تسود العالم، كذلك فان النقد العلمي سيساهم في تحصين الوسط الأدبي وفرز الغث والسمين فيه ،وهي أيضا مساهمة فاعلة في تحصين الوسط الأدبي من الطارئين الذين يحاولون عبثاً الولوج الى داخل هذا الوسط للحصول على امتيازات وأشياء أخرى،ونعتقد جازمين إن مسؤولية من يتصدى للكتابة النقدية عن أي تجربة إبداعية هي اكبر من مسؤولية الكاتب نفسه لأنها قراءة أعمق وتحليل دقيق لهذه التجربة فحكم الناقد على قوة النص اوضعفه حداثته أو كلاسيكيته ،جماليته أو قبحه ، سيكون لها تأثير مباشر على تجربة هذا الكاتب فيما بعد ،وهذا يتطلب الحيادية التامة من الناقد وليس الحكم مسبقاً بناءاً على انطباعات مترسخة كما يفعل البعض فحين يبدأؤن الكتابة عن بعض الأسماء"الكبيرة" فان المدائح والإطراء ستكون حتماً هي مايجود به قلم الناقد بعيداً عن قيمة النص المراد نقده ،وحينما تكون الكتابة عن أسماء جديدة أو شابه فان الكلام سيختلف ومهما يكن إبداع النص وقوته الفنية وروعته الجمالية نرى البعض يوجه نقداً لاذعاً وتقليلاً من هذه التجربة وابتعادا عن الموضوعية والحيادية وكأن العملية انتقامية ، إن بقاء النقد محصوراً في هذه المساحة الضيقة من شأنه كما أسلفنا تعريض العملية الإبداعية الى نسف حقيقي ولذا فأن الساحة الأدبية مطالبة بإنتاج أقلام نقدية شابة متعلمة تحرص على الارتقاء بالعملية الإبداعية أخذةً بنظر الاعتبار القيمة العلمية للنقد الموضوعي في تقويم المنتج الأدبي وخصوبته و التي ستحقق له الانتشار العالمي وبهذا سنكون قد استكملنا تشكيل حلقات الصناعة الأدبية على أسسها الحديثة نص متجدد ونقد محدث رصين يتابع النص الأدبي ويستكشف كوامنه ...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |