|
اليسار الفنلندي والخروج من الأزمة!
يوسف أبو الفوز في دول الاتحاد الاوربي، الخمس والعشرين، انتهت في أوائل حزيران 2009، الانتخابات لبرلمان الاتحاد الاوربي . في فنلندا العضو في الاتحاد منذ عام 1995، حملت نتائج هذه الانتخابات الكثير من المفاجأات، أبرزها صعود الحزب اليميني المتطرف"فنلندا الاساس"، الذي عرف بمواقفه المتشددة ضد المهاجرين والمسلمين، فمن بين الفائزين بالمقاعد الثلاثة عشر، حصة فنلندا في البرلمان الاوربي، حصد المتطرف اليميني تيمو سويني، زعيم حزب"فنلندا الاساس" اكبر عدد من الاصوات بين كل الفائزين، ونال ما يزيد على 130 ألف صوت وضمن، ولاول مرة، مقعدا لحزبه في برلمان الاتحاد الاوربي . أن مقعدا في البرلمان الاوربي، مع نسبة 9.8% من اصوات الناخبين الفنلنديين امرا لايستهان به في ساحة توزيع المقاعد والاصوات بين الاحزاب الفنلندية، حيث تراجعت الاصوات لاغلب الاحزاب الاساسية والتي عرفت بالاحزاب الكبيرة . اكبر الخسارات، التي اثارت انتباه الشارع الفنلندي، ما سجلها حزب اتحاد اليسار الفنلندي، حيث فقد مقعده الوحيد، الامر الذي دفع زعيم الحزب مارتي كورهنين (مواليد 1953) الى تقديم استقالته الفورية، والتي اعلن عنها في مؤتمر صحفي، محملا نفسه وبكل شجاعة نتائج الخسارة المؤلمة لحزبه، داعيا الى فتح المجال امام القيادات الشابة التي تكون"اقرب الى نبض الشارع". وفورا دعت قيادة حزب أتحاد اليسار الى اجتماع طاريء حيث تم اختيار نائب الرئيس بافو ارهينماكي (مواليد 1967)، وهو عضو في البرلمان الفنلندي، ليشغل مؤقتا موقع رئيس الحزب بكامل الصلاحيات، حتى يحين موعد الانتخابات الحزبية وفق نظام الحزب لانتخاب الرئيس بشكل ثابت في صيف العام الحالي . مارتي كورهينين، الذي شغل رئاسة حزب أتحاد اليسار من عام 2006، وكان للفترة (1999 ـ 2003 ) وزيرا للشؤون البلدية والاقليمية في حكومة الوحدة الوطنية ممثلا لحزبه، اعلن أيضا بأن الصورة لا تبدو قاتمة امام حزبه فقط، فأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، اكبر الاحزاب اليسارية، والذي لطالما قاد حكومات متعاقبة، تعرض ايضا للخسارة بفقدانه احد مقاعده الثلاثة في البرلمان الاوربي، واعتبر ان اليسار الفنلندي بحاجة الى مراجعة لمجمل سياساته أمام تكرر الخسارات في الانتخابات للبرلمان الفنلندي، وانتخابات مجالس المحافظات واخيرا انتخابات برلمان الاتحاد الاوربي . اشار مراقبون الى ان احزاب اليسار بمجملها لم تحسن استغلال الازمة الاقتصادية العالمية، التي وصلت تاثيراتها الى فنلندا، مما دعا النقابات العمالية الى اعلان والتهديد بالعديد من الاضرابات أحتجاجا على موجات التسريح من العمل وثبات الاجور وتقليص العديد من المستحقات، وفي يوم 15 حزيران 2009 اعلن سواق القطارات اضرابا ليوم واحد في عموما البلاد مما سبب شللا تاما في حركة التنقلات، ووضع الحكومة اليمنية امام تحد كبير، ويضع امام احزاب اليسار فرصا كبيرة لتقديم برامج وحلول تعالج ازمات البلاد الداخلية. ويشير المراقبون ان من المفارقة ان الاحزاب اليمينية والبرجوازية اجادت استخدام اوراق الازمة الاقتصادية مقدمة الوعود والبرامج لانقاذ البلاد من مخاطر الازمة، متحججة بالقرب من اصحاب رؤوس الاموال واصحاب الشركات، الذين تدعي أن لديهم الخبرة في ادارة الاقتصاد وازماته . وفيما لو أستمر الحال على هذا المنوال فليس مستبعدا أن تختار فنلندا في الانتخابات الرئاسية القادمة، عام 2012،"رئيسا ازرق"، ارتباطا بلون الاحزاب اليمنية في حملاتها الانتخابية، فحزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين) ولاول مرة في تأريخه اصبح يتصدر قائمة الاحزاب السياسية، كأكبر حزب في البلاد من حيث نسبة التصويت في الانتخابات الثلاث الاخيرة، وفي انتخابات البرلمان الاوربي حصل نسبة تصويت 23.2 %، وهذا يجعله من الآن يروج لمرشحه القادم للانتخابات الرئاسية، والمتوقع فوزه، رئيس البرلمان الحالي ساولي نينستو . ويعزو الاستاذ اريتي سيتونين الباحث في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، في دراسة منشورة له هذه الايام، السبب في صعود اليمين الى"ان الشعور الوطني القومي أخذ يتصاعد مؤخرا في فنلندا". وعلى اثر نتائج انتخابات البرلمان الاوربي، يبدو لنا ان حزب الخضر الفنلندي ظل متوازنا في الحفاظ على قواه، بل هو الرابح الوحيد من بين احزاب اليسار الفنلندي، أذ اصبح لديه مقعدان بدلا من مقعد واحد، ونال نسبة جيدة من الاصوات بلغت 12.4% أي بزيادة 2% عن الانتخابات السابقة . اما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فرغم خساراته المتكررة وما يسميه المراقبون"بتآكل الدعم الشعبي لسياساته"، الا أنه يبدو تحت ضغط اقل من حزب اتحاد اليسار، فلا زال من الاحزاب الثلاثة الكبار، ( اضافة الى حزب الائتلاف الوطني الفنلندي وحزب الوسط )، ففي عام 2003 في الانتخابات البرلمانية نال الاشتراكي الديمقراطي 24.5 ٪ من اصوات الناخبين، ولكن بحلول عام 2007 كانت النسبة هبطت إلى 21.4 ٪، والآن كانت نسبتة 17.5 ٪، وهي مخيبة للامال، مما يجعل حزبي اليسار الرئيسين في أزمة حقيقية، خصوصا حزب اتحاد اليسار الذي توالت عليه الخسارات وجعلته يهبط من ترتيب الاحزاب الخمسة الكبيرة . الصحفي والناقد الادبي فيلي روبنين، سكرتير منظمة الكتاب والفنانين الفنلندين اليسارية، في حديثنا معه، اشار الى"ان ازمة اليسار ليست جديدة، ومن أهم عواملها انهيار الاتحاد السوفياتي وتداعياته والسياسات الاقتصادية الجديدة، وان نتائج الانتخابات للبرلمان الاوربي، كانت خطوة كشفت عن اخطاء في الاداء السياسي عند مجمل قوى اليسار، خصوصا عند حزب اتحاد اليسار". اما الباحث في جامعة هلسنكي، الدكتور ماركو يونتين فهو يشير الى"ان ازمة اليسار، ليس في فنلندا وحدها، بل هي تشمل العديد من البلدان الاوربية، وهناك دول عديدة مثل هولندا، النرويج، النمسا وسويسرا، شهدت صعود اليمين، خصوصا المتطرف منه". زعماء حزب اتحاد اليسار، وفي اطار معالجة الازمة والخروج منها، بدا العديد منهم في الدعوة لمؤتمر استثنائي شامل للحزب . عضو البرلمان عن حزب أتحاد اليسار ايسكو يوهني تينيلا دعا الى"ان تغيير اشخاص في القيادة لا يكفي يجب علينا توضيح النهج". ويأتي تعليقه في اطار التنافس الجاري على موقع رئيس الحزب من قبل حوالي اربعة من الوجوه الشابة القيادية في حزب اتحاد اليسار، وان كان بافو ارهينماكي يعتبر اكثر الحظوظ بينهم فهو مقبول بشكل واسع بين الشباب بحكم كونه ولسنوات عديدة شغل موقع رئيس اتحاد شباب اليسار. من جانبه اعلن بافو ارهينماكي بأن"لا يمكن ان تكون هزيمة الحزب بسبب شخص واحد فقط، كما لا يمكن لشخص بمفرده ان ينقذ الحزب مما فيه"، ودعا الى العمل الجماعي واعتماد برنامج تحالفي مع منظمات المجتمع المدني، واعتبر ان للخروج من حالة الركود فان الحزب بحاجة لتنشيط عمله"في مجال البيئة مرتبطا بالانتقاد الدائم للرأسمالية، وزيادة الاهتمام بتلبية احتياجات اصحاب الاعمال الصغيرة والاشخاص الذين يعملون بعقود محددة". ويبدو البعض في حزب أتحاد اليسار متفائلا بالخروج من الازمة، ويعتبروها عابرة، ويؤيدهم في ما يذهبون اليه، الباحث اريتي سيتونين، في تعليقه على نصر الاحزاب اليمينية المتطرفة قائلا"اعتقد ان هذا النصر لن يدوم"وهو يرى"ان الاحزاب اليسارية لا زال بأمكانها ان تعمل الكثير"، ونحن نعتقد كذلك !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |