لمن يُبنى جدار الفصل الطائفي الحدودي السعودي مع العراق؟
 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

بعد جدار الفصل العنصري في اسرائيل يأتي جدار الفصل الحدودي السعودي بينها وبين العراق !.

هل هي صدفة ان يكون هناك جداران فقط في العالم الانساني الحديث على حدود الدول الجغرافية الاول لحماية اسرائيل من الشعب الفلسطيني المقهور والمحتلّ والثاني لحماية السعودية ؟.

أم ان الجدار السعودي جاء رافدا لفكرة جدار الفصل العنصري الذي ابتدعته اسرائيل رغم تنديد العالم كله بفكرته وعدم قانونيته وهمجيته وتخلفه ؟.

لماذا تريد المملكة السعودية بناء جدار بينها وبين شقيقها البلد العربي العراق بطول تسعمائة كيلو متر وبكلفة اثنا عشر مليار دولار ؟.

أعني قد يفهم العالم الدوافع العنصرية الصهيونية النفسية التي تشعر انه لا أمان لمحتل نهب ارض شعب وشرّد اهلها، ولذالك هي تبني الجُدُر لعلم الصهيونية استحالة قبول المحيط العربي والفلسطيني بوجود اسرائيل بينها، لكنّ ما الدواعي او الدوافع التي تدفع بمملكة قديمة كالمملكة السعودية لاحاطة نفسها باسوار وجدران عالية بينها وبين البلد العربي والمسلم والجار العراقي لها ؟.

قيل لحماية المملكة من التسللات الارهابية الاتية من خارج الحدود!.

لكنّ ايضا التجربة اثبتت ان معظم التسللات الارهابية التي ترجع للملكة السعودية، وعادة ماتكون من اليمن او باقي دول الخليج العربي الباقية، ونادرا ما تصطاد المملكة السعودية رعيان اغنام وتجار صغار يتسللون عبر الحدود العراقية السعودية من اجل التجارة في معظم الاحيان وليس الارهاب !.

أذن ماهو الداعي الضروري الذي يدفع بالسعودية لهذا الانفاق الهائل من ميزانية الشعب السعودي على جدار فصل لااعلم هل هو طائفي ام عنصري ام امني ام شيئ آخر بالامكان تسميته بينها وبين العراق الشقيق بالذات ؟.

هل تخشى المملكة من المحيط الخارجي العربي والاسلامي بالعموم والعراقي بالخصوص ولهذا هي تفكر في تسوير حدودها الجغرافية لتحويل الجزيرة العربية كلها الى معتقل كبير ترتفع اسواره يوما بعد يوم ؟.

أم ان المملكة السعودية وصلت الى قناعة بالقطيعة الابدية بينها وبين الجار العراقي العربي المسلم بالخصوص، ولذالك جاء الجدار الفاصل الذي احب ان اسميه (جدار الفصل الطائفي) السعودي بينها وبين العراق ليؤكد حقيقة معنوية مهمة تريد ان تشرحها المملكة السعودية: ان لالقاء ابدا بينها منذ اليوم وحتى المستقبل وبين العراق الجديد ؟.

صحيح دعونا نتسائل بصورة اكثر عمقا وفهما حول مايراود تفكير الساسة في السعودية لنقول : ما الذي تخشاه السعودية من الخارج العربي والاسلامي والعالمي المحيط بها حتى يتساوق تفكيرها تماما مع التفكير الصهيوني الاسرائيلي في موضوعة صناعة الجدران بدلا من الجغرافية لحماية الداخل ؟.

وهل يعني جدار الفصل الطائفي بينها وبين العراق وجدران الفصل البشري بينها وبين العالم ان المملكة السعودية تعيش في حالة هلع من الانفتاح على العالم او انفتاح العالم عليها، لهذا جاءت فكرة بناء الجُدُر والتحصن بداخلها لحماية المملكة السعودية حتى من الهواء الداخل لشعبها من الخارج ؟..

أم ان الموضوعة لاتعدو ان تكون حماية طبيعية لأمن واستقرار المملكة السعودية من تهديدات الارهاب الاتية من الخارج لاغير؟.

ثم كيف يكون الهلع والخوف الشديد لرجال الدولة السعودية ومبرراتهم لاقامة مشروع الجدار الفاصل الجغرافي والحدودي، وانفاق هذه المليارات العظيمة في سبيل تحويل جزيرة العرب برمتها الى قفص مسيّج بسبب الخشية من دخول الارهاب من الخارج، والعالم تقريبا بمجمله يدرك ان حضائن الفكر الارهابي وتوليده وتفقيسه هو كائن من داخل المملكة السعودية وليس قادما من خارجها، وإن الفكر الوهابي السلفي ماهو الا ماكينة انتاج للفكر التكفيري والارهابي المصدّر للعالم، إذن كيف تكون الحماية من الارهاب حسب مخططات رجال الدولة السعودية مدفوعا ببناء جدران واسيجة كهربية حول جميع حدود المملكة السعودية الخارجية، وبؤر الارهاب الحقيقية وماكنة انتاجياتها الطبيعية هي في الداخل وليس قادمة من الخارج ؟.

فهل تعني هذه الحقيقة ان اسباب ومبررات ودوافع بناء الجدر الحدودية في فكر رجال الدولة السعودية هو منع الارهاب المتفجر من الداخل السعودي ان يتمكن من الانفلاق للخارج السعودي، ولهذا جاءت هذه الجُدُر الحدودية والاسلاك الكهربية والرادارات العملاقة والمجسّات الدقيقة.... على حدود المملكة السعودية الخارجية لمنع الارهاب وتحركه من الداخل الى الخارج بدلا من دخوله من الخارج السعودي لداخله ؟.

ولكنّ حتى في تقدير مصداقية هذه الحقيقة التي فرضت على المملكة السعودية ان تتعامل مع شعبها كقطيع من الحيوانات غير المروضة، ولهذا فهو شعب بحاجة الى حضيرة مسيجة حسب رؤية ساسة المملكة السعودية بالجدران والاسلاك الشائكة للسيطرة على شعبهم داخليا!.

وحتى مع ان الاشكالية الارهابية السعودية الداخلية لاتعالج من وجهة نظرنا باقامة جدران الفصل الطائفية بين السعودية وجاراتها، بل انها اشكالية فكرية تعالج ثقافيا وسياسيا من خلال نبذ الدولة لتبنيها للفكر الوهابي المنتج للتكفير والارهاب والكراهية بين الناس!.

حتى على هذه الفروض والتقديرات تبقى اشكالية سؤال : لماذا بالذات الحدود العراقية هي المقلقة لقادة المملكة السعودية اليوم؟.

ولماذا الحدود مع العراق بالذات بحاجة الى بناء جدار فصل طائفي بهذا الحجم الضخم ؟.

وماهي الاسباب الواقعية التي تخيف بالفعل رجال دولة المملكة السعودية من العراق الجديد ؟.

وهل العراق بالفعل تهديدا سياسيا ووجوديا للدولة السعودية ولهذا كان مبررات الهلع واردة في بناء جدار بهذا المعنى الغريب على ذهنية العالم الحديث ؟.

العراق اليوم وكما يدرك العالم كله بلد ضعيف عسكريا وليس من الممكن له ان يشكل تهديدا للخارج او لدول الجوار، وليس هناك واقعية لقياس ترسانة الاسلحة السعودية التي وفرتها اموال البترول السعودي لهذه المملكة مع مايمتلكه العراق من استعدادات عسكرية متواضعة، واقتصاد لايكاد يسد نفقات البلد العراقي من خدمات لشعبه، بالاضافة الى ان العراق الجديد بسياساته الجديدة يؤكد ويعلن انه بصدد اقامة علاقات سلمية واخوية وجدية ومنفتحة مع جيرانه ومحيطه العربي والاسلامي وبعيدة عن اي شيئ يثير النزاعات او يدعو الى الحروب بين الدول الاقليمية والعالمية!.

فأذن جميع مبررات القلق التي ربما تكون هي الدافع للخوف السعودي من العراق الجديد باعتباره قوّة عسكرية خارجية مرتفعة بحكم ماذكرناه من واقع جديد لعراق يحاول ان لايكون في موضع اثارة القلق الى اي من جيرانه الصغار والكبار، مما يطيح بفكرة خوف المملكة السعودية من الجار المشاغب دوما العراق، أو انه لديه الامكانية الخطرة جدا بحيث يدفع المملكة السعودية ببناء جدار فصل طائفي يصدّ من فكرة الطوفان الغازي الذي سيزحف من العراق على حدود المملكة السعودية الشرقية ليدفع مايجده امامه حتى وان كان جدارا يبنى باثني عشر مليار دولار !.

نعم تبقى حقيقة : ان فكرة الجدران الحدودية الجغرافية العازلة بين الدول والحكومات والشعوب لاتفكر فيها الا البلدان بساستها التي يراودها ويسيطر عليها الاعتقاد والشعور (بفقدان الشرعية) في الوجود مما يدفعها لأبتكار اي شيئ في هذه الحياة للحفاظ على هذا الوجود، وهذا ما فهمه العالم كله عندما وجد اسرائيل تبني جدارها جدار الفصل العنصري الذي يعطيها الشعور بالاطمئنان الزائف على امنها المزعوم الذي تدرك اسرائيل نفسها انه امن لايتحقق لابجدار فصل ولابغيره، لأن المشكلة هي في داخل الانسان الصهيوني وعدم ايمانه بشرعية وجوده على الارض العربية، وليس المشكلة في ثغرات هذا الجانب من الحدود الجغرافية او تلك !.

فياتُرى : هل هذه الحقيقة هي ايضا منطبقة على المملكة السعودية التي تسعى لتأمين امنها من خلال بنيان جدران عالية تحفظ الامن الداخلي للمملكة السعودية ؟.

أم ان رجال الدولة السعودية ينتابهم الشك النفسي والروحي والعقلي الكبير بشرعية وجودهم في هذه الجغرافية العربية من جزيرة العرب، ولهذا انعكس هذا الرعب على الوجود وفقدان الشرعية ببناء جدران وصياصي عالية لحفظ الكيان من الداخل والخارج ؟!.

قال سبحانه: (لأنتم أشدّرهبة في صدورهم من الله ذالك بأنهم قوم لايفقهون، لايقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ذالك بانهم قوم لايعقلون) صدق الله العلي العظيم .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com