مدخل إلى إشكاليات العلاقة بين العلمانية والإسلام

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

منذ سنوات مضت وأنا أخطط للكتابة حول هذا الموضوع، لكن كان علي بذل المزيد من الجهود والقراءات للخروج ببحث مفيد وموسع بحيث يكون إسهاما في إخراج منطقتنا الشرق أوسطية عموما والعراق خصوصا مما يعانيه من تخلف في كافة الجوانب، خصوصا تلك التي لها ارتباط بالنظام الفكري والسياسي، حيث اختلطت أمراض وعاهات الأيديولوجيات المختلفة القومية والشيوعية وأخيرا الإسلامية التي أخذت تملأ الفراغ الذي تشكل إثر انحسار القومية والشيوعية عن منطقة الشرق الأوسط في أواخر القرن العشرين، وجاء انهيار المنظومتين إثر خوضهما صراعا طويلا ودمويا انتهى بهيمنة الإسلام السياسي إثر خروج مؤقتا من صراع الأيديولوجيات في الشرق الأوسط كالعراق ومصر وسوريا وبالتأكيد إيران، والحقيقة أن المنظومة الإسلامية السياسية ستنظم إلى قافلة الإخفاق لكن الأمر يتطلب نوعا من التنبؤ بمدى الفترة التي سيتطلبها هذا الإخفاق، فالمنظومة الإسلامية هي نتيجة إحباط حضاري أجهض نموديمقراطية من الداخل وبالتالي قد يتطلب الأمر حربا وصراعا ينهي أسطورة "الخصوصية الإسلامية" و"الديمقراطية الإسلامية"!! كما يسمونها، لينفتح الباب على مصراعيه أمام الديمقراطية ودولة الفرد، والتجربة اليابانية في القرنين التاسع عشر والعشرين تشكل خير نموذج نستطيع تشبيهه بما نمر به الآن، فاليابان رأت في نفسها دولة قومية ذات حضارة وتجربة خاصة بها، ومن خلال ثقتها بذاتها انطلقت في بناء إمبراطورية ضخمة تكون فيها عالما خاصا بالقومية اليابانية، وشكل انعزال اليابان لقرون مجالا واسعا لبناء دولة ذات نمط قومي واحد عديم التعدد ومتجانس البنية، خصوصا بعد أن تم القضاء على الأقلية المسيحية التي تكونت بفضل المبشرين الأوروبيين خلال القرون الوسطى، إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية ليكتشف الشعب الياباني مدى العزلة التي عاشها.

إن الشرق الأوسط في غالبيته يمثل التطرف القومي والديني وحتى الماركسي، ربما لارتباطه بالماضي التاريخي للأديان الثلاث وموقعه الحساس من الصراعات الاستراتيجية منذ الحربين العالميتين وقيام وانهيار الإمبراطورية الفلسفية الأولى والأخيرة في التاريخ (الاتحاد السوفيتي) وعدم وجود منظومة ديمقراطية حتى على المستوى البدائي، فقد كانت العشيرة في أوروبا حتى في العصور المظلمة أكثر ديمقراطية من العشيرة المشرقية التي كانت ولا تزال تحتفظ بطابع تسلطي بينما العشيرة والدول التي تكونت من اتحاد قبائل كانت تمتلك مجالس شيوخ تمثل القبيلة والأحرار في عصر أكثر تقدما، وبينما كانت أوروبا تسير على خطى العلمنة والعقل الواقعي حتى في العصور اليونانية، فإن المشرق خلق ترابطا عضويا بين الدولة (المنظومة التنفيذية) والدين (المنظومة الأخلاقية) وخلق تركيبة معقدة متبادلة بين الدولة والدين ليصبح كلاهما مفتقرين إلى الشرعية ويتبادلان التبرير، فالدولة جعلت من الدين مبررا لوجودها والدين جعل من الدولة حاميا وحارسا للدين، وهوالإشكال الذي لا يزال قائما إلى الآن، انتفى هذا الإشكال في تركيا حينما تأسست الجمهورية وترسخت الممارسة العلمانية في الأرض التركية خلال الثمانين عاما التي مضت، بالتالي لا يمكن أن نفسر ظاهرة التدين الحالي على أنها انقلاب على العلمانية بقدر ما هوترسيخ للعلمانية التي لا تعني الإلحاد مطلقا ـ وسنوضح ذلك خلال مناقشتنا لأطروحات عبد الوهاب المسيري ـ فالإلحاد هوأحد ظواهر الحرية الفكرية للعلمانية وليست نتاجا حتميا لها.

إن العالم الإسلامي يعيش الآن أزمة حقيقية في تبرير الدين لشرعية الأنظمة وحماية الدولة "لعقيدة" معينة بحيث يستمر التبادل المنفعي بينهما على حساب الشعب، فطوال التاريخ الإسلامي كان الحكام وبدعم من فقهاء أهل السنة يقومون بقطع الرؤوس والألسنة تحت عنوان حماية العقيدة السليمة وبتهمة "الزندقة" والتي لغرابتها كانت تطابق كلمة "هرطقة" في العالم الغربي المسيحي، وكان أتباع علي بن أبي طالب من أشد الناس معاناة في هذا الباب ويجب لنا كمسلمين أن لا نستمر في الزعم أن لا طبقة كهنوتية تسببت في اضطهاد العلم والعلماء بتهمة الزندقة والخروج من الصراط المستقيم وإذا كان فقهاء السنة يطرحون محنة خلق القرآن التي قام بها المأمون وبدعم من المعتزلة كدليل على اضطهاد الآخرين لهم فإن هذه المحنة كانت رد فعل معتزلي كنتيجة لسنوات وعقود من الاضطهاد والتكفير السني للآخرين، كما أن غالبية المشاكل القومية التي نعانيها في العراق والشرق الأوسط كانت في الغالب لتحول المذهب السني إلى مذهب عروبي يتبنى نظرية أفضلية العرب على غيرهم من الأقوام والأمم ويكفي أن تقرأ للفقهاء الحديثين ومثالنا هنا هوما قاله محمد سعيد رمضان البوطي "الكردي" في كتابه (فقه السيرة) ص 51 حيث يذهب إلى أنهم أفضل الأمم.

من هنا كان من واجب المفكرين والفلاسفة مجابهة ثقافة التقليد وعبادة الأسلاف وتمنع الناس من العيش والتفكير بحرية ليس في الوسط السنّي فحسب بل حتى الشيعي الذي أخذ ينحدر نحوالتطرف مع استثناءات هنا وهناك، إن فصل الإسلام عن الحكم والسياسة سيكون في الحقيقة الخطوة الأولى نحوإسراع مجتمعاتنا في التوجه نحوالتطور الديمقراطي وبناء مجتمع المواطنة وحقوق الإنسان.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com