الحكومة العراقية تحتفل والاحتلال باق!

 

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

تنوي حكومة المالكي الاحتفال في يوم الثلاثين من حزيران بانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية إلى قواعدها على الأرض العراقية، وهو أمر مثير للاستغراب والدهشة، فما الداعي للاحتفال بـ"الانسحاب" أو بالأحرى إعادة تموضع القوات الأمريكية؟ هذه القوات التي تصفها الحكومة العراقية والقوى السياسية المنضوية فيها بأنها "صديقة"، وجاءت للعراق لـ"تحريره" من الطغيان البعثي، والدليل على ذلك الترحيب البالغ الذي يستقبل به أعضاء الحكومة قادة القوات المحتلة، لذا كان الأجدر بالحكومة العراقية إعلان الحداد حزناً على "انسحاب" أو فراق هؤلاء "الأصدقاء" الأعزاء جداً للحكومة العراقية وأحزابها.

 غريب ابتهاج الحكومة العراقية بإعادة انتشار القوات المحتلة، وهي التي مددت لبقاءها سنوات ثلاث ظاهرياً، وإلى أمد غير منظور ضمنياً، في الاتفاقية الأمنية التي أصرت على ابرامها مع الحكومة الأمريكية، ومن الواضح وجود تناقض تام بين تهافت حكومة المالكي على توقيع الاتفاقية الأمنية للتمديد لبقاء قوات الاحتلال قبل شهور فقط وبين اقامتها الأفراح لمجرد تغيير أماكن تواجدها على الأرض العراقية.

 عجباً احتفال الحكومة العراقية، وهي نفسها كانت قبل زمن قليل تصرح بأن الاستقرار الأمني في العراق متوقف على استمرار مشاركة قوات الاحتلال في ضرب وملاحقة الإرهابيين وغيرهم من القوى المعادية للعملية السياسية، وبما أن هذا التغيير التكتيكي في مواضع الأمريكان يخدمهم بالدرجة الأولى لأنه يقلل من احتمال تعرضهم لعمليات التفجير والكمائن في الشوارع، فمن المؤكد بأن الأمريكان هم الوحيدون الذين يحق لهم الاحتفال بذلك، وبالتالي يبدو وكأن احتفال الحكومة العراقية نوعاً من التعاطف مع القوات الأمريكية لا احتفالاً بـقرب رحيلها.

 صور رئيس الوزراء المالكي إعادة تموضع قوات الإحتلال بأنه إنجاز عظيم، على الرغم من إنه لم يذم الاحتلال من قبل، ولم يطالب بتعجيل نهايته، ولا قاوم الاحتلال بالوسائل السلمية أو غيرها، وهو الذي وصف الصدريين بأنهم "أسوء من الإرهابيين" لأنهم قاوموا المحتلين، وعارضوا التمديد لبقاءهم.

 يبدوا بأن الحكومة العراقية تعتبر إعادة تموضع القوات الأمريكية "جلاءاً" و "عيداً للتحرير"، مما يوحي بأن لن يكون هنالك بعده جلاء وانسحاب تام، إذ ليس من المنطقي أن تحتفل الحكومة العراقية بتغيير القوات الأمريكية لمواقعها، ثم ستحتفل مرة أخرى عندما تنسحب نهائياً، لذا نرجح بأن الحكومة العراقية تدرك جيداً بأن لا انسحاب كامل لهذه القوات.

 من المؤسف تزامن احتفال الحكومة العراقية بـ"الانسحاب" الوهمي للقوات المحتلة مع أحزان العراقيين في الجنوب والوسط والشمال، الذين نكبوا باستشهاد أو اصابة المئات من ذويهم وأصدقائهم، بسبب تقصير الحكومة العراقية وتهاون قوات الاحتلال.

 يقول المثل العراقي: الضحك من دون سبب من قلة الأدب، والضحك مظهر من مظاهر الفرح، ولكننا لا نتهم الحكومة العراقية بسوء الأدب وإنما بمحاولة الضحك على ذقون العراقيين، من خلال قلبها للحقائق وتصوريها لإعادة تمركز القوات بأنه انسحاب، تهيئة لتأجيل التصويت على الاتفاقية الأمنية مع الأمريكان، وصرفاً للأنظار عن اختطاف الكرد لكركوك وحوالي ثلث أراضي العراق المسكونة، وتمويها على عجز الحكومة في تقديم الخدمات ومعاقبة الإرهابيين المدانين ومحاسبة الفاسدين والمرتشين، وكسباً للمؤيدين واصواتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، ولكن فات هذه الحكومة كما حكومات من قبلها بأن الفشل مصير كل المراهنين على سذاجة العراقيين.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com