|
ألإسلام بين التنظير والتطبيق ..
عودا على مقالي بعنوان (وجدت ألإسلام ولم أجد ألمسلمين) وهو قول منسوب ومشهور للشيخ محمد عبده صدح به عند زيارته لفرنسا في أواخر القرن الماضي ولعلني لا أبغي تكرار ما ذهبت أليه في مقالتي السابقة ولكني تلقيت رسالة رائعة لا أشك في رقي تفكير صاحبها وثقافته العالية إلا إن هناك التباسا قد التبس على مرسل الرسالة حول ما توجهت إليه وما قصدت في بعض الفقرات من مقالي . ولعلي قد لا أختلف فيما ذهب أليه وأنا وهو نجمع على إن الخطاب الديني المتطرف لغالبية المسلمين من وعاظ السلاطين الذين يحكمون ترهيبا وترغيبا ويستخدمون شتى أشكال تخدير المجتمعات من تنويم اجتماعي وتنويم اصطناعي ومغناطيسي يقومون بإثارة مواضيع وإلقاء خطب ومواعظ تثير الفتن وتشغل العقل بل وتلغيه في الكثير ألأحيان . وهذا ما أشار إليه المرسل فيما سماه بظهور ظاهرة (ألإسلام السياسي) ولابد من أن أكون أكاديميا وأن أستشهد بالدلائل والقرائن لتوضيح ما أشكل عليه فيما ذهبت إليه من إشارتي إلى ألآية (كنتم خير امة أخرجت للناس ) وأنها إشارة إلى امة ألإنسان والإنسانية جمعاء وليست حكرا على طائفة ومعتقد ودين بل وليست بلا شك من وجهة نظري أمة المسلمين الذين يشكلون مليارا وبضعة مئات من الملايين بشتى صنوفهم واختلافاتهم الذين تقاتلوا عليها قديما ويقتتلون حديثا فيما بينهم بابتكارهم شتى ألأساليب الخبيثة لاستباحة دماء بعضهم البعض مع ملاحظة تباين التطرف زيادة ونقصانا حسب المدرسة والأخرى وطريقة التفكير والزمان والمكان وليس معناه أن نتحيز لهذا الطرف أو ذاك فالتطرف السني والوهابي التكفيري لا يختلف في شيء عن التطرف الشيعي في حال لو كان الخطاب والفعل المتطرف واحدا ويصب في بوتقة واحدة، ومن ثم ليصب خطابهم لقتال غيرهم من الكافرين حسب تسمياتهم !! مستندين لنظرية المؤامرة والتأمر بدءا من نظرية (عبدا لله بن سبأ) الوضاع الدساس الذي شق صفوف المسلمين وخلق الفتن بين الصحابة ودبر وحاك المؤامرات ضدهم وحروب أبتداءا ما سميت بحروب الردة والجمل وصفين والقائمة تطول، و إنتهاءا بنظرية ما يسمونه ألاستعمار والهيمنة الصهيونية وهيمنة الغرب الكافر !!!! لأؤكد أنها ليست بخير امة من أهان الرسول وأهل بيته وبدأ بمعصيته في كتابة وصيته وليست بخير أمة تلك التي قتلت ونحرت حفيد رسولها (الإمام الحسين) وليست بخير امة من رضيت بقتله وليست بخير امة ترضى على قاتليه وليست بخير امة من هم من صاحبوا رسولها ثم تقاتلوا وتناحروا لأهواء وتبريرات تحت عنوان ألاجتهاد من قبيل قتال من ( منع دفع الزكاة) وقتال من سموهم مرتدين عن الدين، هل ألأمة التي شرعت وأجازت لعن باب العلم وخليفة المسلمين كما هو الحال في (سب ولعن علي رابع الخلفاء وباب علمها على المنابر على مدى ما يناهز القرن) !! أكيد أنها ليست خير أمة التي يتربع الطغاة على عروشهم وعلماؤهم وفقهاؤهم يمجدونهم ويدعون لهم في الصباح والعشي . وبرأيي الشخصي لا زال السب واللعن والقذف قائما إلى يومنا هذا ويا حبذا لو وقف على الحوار والسب والقذف وإلقاء التهم ولكن الطامة الكبرى أنه قد أتخذ أشكالا وصورا أخرى من قبيل دعم الجماعات ألإرهابية التي تعيث في ألأرض فسادا ودمارا بتفجير الطائرات والقطارات واستباحة دماء ألإنسان في أصقاع ألأرض كافة، بحجة أقامة خلافتهم ألإسلامية المزيفة، خلافة لم يجمع عليها على عهد الصحابة ألأوائل هل كانت في أبي بكر أم علي أم سعد بن عبادة أم عمر !! .لقد جاء في الرسالة ما مفاده: ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) هنا تستند إلى هذا النص وتفسره حسب تصورك أيضا بينما قتل الكفرة وسلب أموالهم ونساءهم هو قمة العدل بتصور الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين (واقتلوهم أينما ثقفتموهم) (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ورسوله) وهي نصوص نسخت النصوص المسالمة وسمحت بقتل الآخرين حسب اعتقاداتهم وسلب أموالهم كما جاء في حديث الرسول ( جعل رزقي تحت ظل رمحي)ورسالة الرسول إلى بني النضير(اخرجوا من بلدي فلا تساكنونني بها.. وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه) أما العقاب الجماعي والإبادة الجماعية كانت من نصيب بني قريظة حيث قتل ذبحا كل رجالهم وشبابهم وسبيت نساءهم وأموالهم بمذبحة رهيبة كان على رأس الذابحين علي بن أبي طالب والزبير) .. انتهى ألاقتباس : أنا مؤمن بالقول أن رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ وهو مبدأ أعتمده في معاملاتي اليومية وفي حواراتي مع من يختلف معي حتى لو كان كافرا ملحدا يعبد ألأصنام وسواء آمن بالله أم لم يؤمن . علي بن أبي طالب الذي ضربه وغدر به عبدا لرحمن بن ملجم ضربة سيفه المسموم على رأسه لم يأمر علي بقتله إلى أن تتوفاه المنية فمن ثم (ضربة بضربة) وأمر بان يسقى مما كان يسقى ويطعم مما كان يطعم بل وترك الباب مفتوحا امام أبناءه الحسن والحسين بأن يعفو عنه لو أرادوا ذلك. نعم انا أؤيدك بأن معظم علماء المسلمين أصبحوا أسارا قيود ونصوص قابلة للتأويل لخدمة ألإنسان وليس كما يروجون لنصوص جاءت في القران ويؤولونها على حسب أهوائهم وحكامهم، أو أحاديث دست في كتب ما تسمى صحاحا تبيح قتل الكافر والشيعي والملحد والأمريكي والبريطاني والصهيوني !! يقول ألأمام علي القران حمال أوجه ظاهره أنيق وباطنه عميق، وقد جاء أيضا ما يؤكد ذلك في القرآن (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) . ألا يجمع المسلمون أنه ليس هناك أعلم بعد الرسول من علي بن أبي طالب باب العلم في حين أجتهد الخلفاء في حروبهم وفتوحاتهم التي اتفق معك أنها انتشرت بحد السيف وليس في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة،فهاهو علي أبن أبي طالب يوقف الفتوحات على عهده ويطلب بإصلاح المجتمع ألإسلامي الذي بات يأكل القوي منه الضعيف يعبدون الله وينهبون عباده. هل أن علينا أن نهاجم ألإسرائيليين ونطعن في رسالتهم وتوراتهم لأن بني إسرائيل قتلوا ما قتلوا من أنبياء ومنذرين وصالحين عبر التأريخ الغابر القديم !! هل ان علينا أن نهاجم المسيحية وأن نطعن في ألإنجيل لأن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكاهن والأبرشية حكموا بالنار والحديد وأقاما محاكم التفتيش المشهورة عبر التأريخ في القرنين الخامس والسادس عشر حيث قامت محاكم التفتيش بحرق 59 امرأة بإسبانيا، 36 بإيطاليا بينما قامت محكمة القضاء المدني الأوروبي بمحاكمة 100 ألف امرأة، 50 ألف منهم تم حرقهم، 25 ألف امرأة منهم بألمانيا بحجة محاربة الهرطقة التي فيما معناها انحراف ولو ببسيط عن العقائد المسيحية الرسمية في تلك الحقبة، ليساق الناس لأبسط الشبهات إلى تلك المحاكم ويعذب عذابا لمن لا يعترف ولا يحيد عما تجول في فكره من أفكار ثم ليرمى إلى محرقة ليصبح رمادا كالهشيم. هل يجب علينا أن نهاجم المهاتما غاندي (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) مثال التسامح وصاحب نظرية اللا عنف ان تحقق حقوقك حتى مع من يضطهدك بالعصيان المدني والسلمي والصيام حتى الموت، هل أن نقدح هذا ألإنسان العظيم لأنه كان يقدس البقر والجاموس في نفس الوقت كان مؤمنا بثقافة الحوار وإنسانية ألإنسان حتى مع خصومه . أنا أقول أن ألإسلام مكرس في الدول الغربية الديمقراطية كافة منذ عدة عقود، مجتمعات تؤمن بحقوق ألإنسان بصورة عامة وتحفظ كرامته ألأزلية، فليس حريا بنا علينا أن نخلق أزمات دينية بين هذه الرسالة وتلك، وهو مبتغى ومسعى المتطرفين المسلمين والطغاة والجبابرة المتسلطين في مجتمعاتنا المتخلفة . أنا معك أن هناك عملا لابد من القيام به، ونحن بحاجة ماسة لمن هم على غرار مارتن لوثر ألإصلاحي الذي ثار ضد الكنيسة والطغاة بكلماته وخطابه المعتدل . بات المسلمون حاليا يعيشون حقبة القرون الوسطى بكل تداعياتها وعلى علماء المسلمين ألاعتراف بأخطائهم عبر التأريخ وإعادة قراءة التأريخ وتنقية الكتب والعقول مما علق بها من درن نكشف ونفضح المتطرفين والمتشدقين باسم ألإسلام قديما وحديثا من وعاظ وحكام سخروا ألإسلام لمصالحهم وبقائهم وتسلطهم على شعوبهم فيما يسمى وسميته بالإسلام السياسي . لقد استشهدت لجنابك الكريم بمواضع عديدة من القرآن بأن خير امة تشمل أهل الكتاب والموحدين والمؤمنين بالله ومن عمل صالحا( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ) الباب مفتوح لحرية ألاعتقاد وألأيمان وحرية العقيدة ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) ترك الله الباب مفتوحا لمن شاء ليؤمن ومن شاء ليكفر به. ما زلنا نسب وندعو للقتال والجهاد لمن يدعو من دون الله (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) . ( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) خصت ألآية أهل الكتاب وهم ليسوا بمسلمين ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) نص وصف الناس جميعا بالأمة وتنتهي بأن الله يهدي أيا كان إلى صراطه القويم صراط خدمة ألإنسان لأخيه ألإنسان أقدس المقدسات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |