|
التربية الدينية في المدارس السورية .. مادة للتربية الطائفية!؟
حسن عثمان محرر في موقع أوروك الجديدة ياسمين طفلة بعمر الزهور، بريئة كعصافير الدّنور، قطفتها باكراً غربان الطائفية وجهل العامية. ياسمين ذات يوم عادت من مدرستها راكضة مُسرعة، فتحت باب الدار، وجهها يُكاد لا يُرى بعدما غطاه فضول سؤالها، اتجهت نحو والدها مُسرعة لتخبره ما الجديد الذي تعلمته في المدرسة كما هي عادتها. ياسمين وكأية طفلة في التاسعة من عمرها، تريد أن تتحدث وتسأل وتستفسر والحواس كلها مثارة وتنتظر ما يُقال وما يُحكى. - ياسمين: أبي ما المقصود بالمسيحية ؟ ضرب المنزل هدوء تام لاحظته ياسمين وما زالت تفكر بأنها حملت من مدرستها علماً وثقافة يستحق المكافأة والتهليل من والدها. الأب الذي أحبّ كثيرا طفلته الصغيرة ياسمين، والذي انتظر عودتها كل يوم، لم يكن سعيداً هذه المرة البتة. الأب جحظت عيناه، ولُفت أصابعه، واشتدّ معصمه كمن يستعد للقتال، وصرخ: أين سمعت ذلك ؟؟؟!!! ياسمين وكأنها أدركت أنّ ما تعلمته اليوم ليس إلا تفاهة، وأنها لم تأت بفكر وعلم جديد من مدرستها كما كانت تظن، أجابت وبكل براءة: من المدرسة. تجاهل الأب طفلته دقائق وتحدث إلى مسؤول المدرسة مستفسراً عن الحادثة ...... ما حدث باختصار أنّ صديقة ياسمين المسيحية قامت من جانبها فجأةً، وخرجت من الصف وكان ذلك بعد دخول مدرسة التربية الدينية الإسلامية (المحمدية) للصف. وعند تساؤل الطفلة عن ذلك، جاءها الرد وبكل برود إنّ صديقتك مسيحية .!!!. لقد ظنت الطفلة ياسمين أنّ صديقتها من كوكب آخر.. أو أنها ليست سوريّة ... أو أنها آتية من بلاد العجائب المذكورة في برامج الأطفال التي تُشاهدها !؟. ما ذنب الطفلة ياسمين لتبدأ عملية الحشو التفريقي الطائفي والديني ( بقصد وغير قصد) منذ ذلك العمر، هذا العمر الذي كثيراً ما يتعلم الطفل فيه، ويرسخ في ذهنه ويصعب محوه. ما ذنب ياسمين التي لم تع بعد معنى الطوائف والمذاهب والأديان، وحتى أنها لم تع معنى (الله) بعد. نقول ما ذنبها،كي تتلمس هذا الجدار الطائفي الديني التمييزي، والتي بدأت تترقبه وتتحسسه عند اقتراب وبدء حصة التربية الدينية ؟ . ألا يحتاج الموضوع إلى وقفة عقلانية مُشبعة بالتحرر الفكري وباحترام الطفولة والإنسانية ؟ . نعم يحتاج... نعم يحتاج، حيث واجه مازن فتى الخامسة عشر المشكلة نفسها، وذنبه فقط أنه أحبّ وأخلص لصديقه أياد شريك مقعده في الصف. و بشعور عادي وأسلوب منطقي واجتماعي دعا مازن صديقه للبقاء جانبه، ومشاركته حصة التربية الدينية، لم يُمانع أياد الذي بادل مازن كل الود والصداقة. ومازن المؤدب تفاجأ أيضاً كما هو حال بقية أصدقائه في الصف، الذين هم أيضاً أصدقاء أياد، عندما استأذن معلم ( معلم التربية الدينية) أمام جميع الحاضرين حضور صديقه أياد للحصة, فقد رفض المدرس ذلك بعد أن جحظت عيناه واستل سيف الجهل خاصته، رافضاً طلب الفتى مازن، رافضاً كل قوانين الاجتماع والأخلاق والإنسانية. ماذا حدث لمازن وأياد بعد ذلك يا ترى وكذلك لجميع الحاضرين والمستمعين لكلام المدرس ؟ . هل يشعر أبناء مجتمعنا بالتمييز والتفريق وبالطائفية، من هكذا حوادث غير مبررة ؟. ألا تساعد هذه التصرفات وبهذه المادة (الروحية) على تعزيز الانقسام في المجتمع ؟. هذا صراحة ما كان قد فكّر به التلميذ حسن فتى الرابعة عشر، عند وصوله إلى المدينة آتياً من الريف ليُتابع دراسته الثانوية. حسن الذي لم يعتاد على انقسام طلاب الصف إلى قسمين في حصة التربية الدينية( وليس ذلك لأنّ بالريف هذا الشيء غير موجود، وإنما لعدم لمس التلميذ حسن للتنوع العقائدي في مجتمعه من قبل) جعله يشرد ويشرد ويطلق عنان خياله، مفكراً ناظراً حوله هنا وهناك. حاول التلميذ حسن إجراء مقايسة بين التلاميذ الباقين والخارجين من الصف أثناء الحصة الدينية. لقد أجرى مقايسة من حيث الشكل ومن حيث اللون ومن حيث العادات واللغة...., تأكد أنّ الجميع متشابهون، وأنهم جميعاً بشر, وجميعهم يخضعون لِمُسمى "كائن إنساني"، ورأى الجميع أمام العلم السوري " الشامي" يقفون ويحييونه، ورآهم ووجدهم جميعاً سوريين، في بلد ومن بلد واحد، وتحت راية واحدة، وأيضاً وجدهم جميعاً... يأكلون ويشربون... وينامون ...... فكان سؤاله: لماذا ؟؟؟؟!!! - هل يا تُرى أخطأ التلميذ حسن بسؤاله ؟ هل أخطأ بتفكيره ؟. باختصار هذا واقع موجود في مدارس المجتمع السوري عامة. ومن يُمعن النظر سيجد أنّ مادة التربية الدينية هي مادة للتربية الطائفية منذ السادسة من العمر، ولجميع الأطفال. فما يجمع التلاميذ من مواد الفيزياء والرياضيات والتاريخ..... تحطمه بخمس وأربعين دقيقة مادة التربية الدينية ( المحمدية والمسيحية). لا يمكن لأحد أن يُنكر دور مادة التربية الدينية (المحمدية والمسيحية) في تعزيز الانقسام الطائفي والشعور بالافتراق والاختلاف، مهما حاول الطلاب، من كلتا الديانتين التقارب والتعايش . حيث نجد أنّ قمة السخرية والتفاهة أنهم يجتمعون في جميع الدروس والحصص، ويفترقون في حصة التربية الدينية ( السماوية). أهذا ما يريده الله وهذا ما أوصى به ... ؟. علاوة على ذلك، هل تعتقدون وتؤمنون بأنّ كل المجتمع السوري بمختلف عقائده المميزة له، مؤمن بما داخل هذه الكتب ؟. لنكن واقعين . فبالنسبة للمحمديين فهناك: السني(الشافعي، المالكي، الحنفي، الحنبلي، وجديداً الوهابي والتيارات السلفية المتعددة) والجعفري(الشيعي، العلوي) والزيدي، والاسماعيلي، والدرزي، واليازدي ..... وبالنسبة للمسيحيين فهناك: الروم(الكاثوليك، الأرثوذكس) والأرمن، والإنجيلي، والكلداني ، والآشوري ، والسرياني، والماروني..... وكذلك هناك العلمانيين وهناك أيضاً غير المبالين بجميع ما ذكرناه. فلماذا نريد أن نضحك ونكذب على بعضنا بما نضعه بين أطفالنا وأبنائنا بما يُعزز رسمياً الطائفية والانقسام؟. نستطيع أن نجمعهم جميعاً، وكما هو الواقع فهم جميعاً سوريون، أم تعتقدون غير ذلك ؟ فما هو المانع أن يكون لديهم مادة التربية الأخلاقية والاجتماعية، والتي تُعنى بالأخلاق والتهذيب والاجتماع، وبواجباتنا تجاه مجتمعنا، وكيف نعمل على صيانته، بالإضافة إلى تعزيز الولاء له. فهذا ما يجب أن يكون عليه السوري بالدرجة الأولى، لا أن يكون ولاءه مُشتتاً هنا وهناك، ويموت الشخص ولا يدري ولاءه لمن، والذي قد يتجاوز في بعض الأحيان حدود وطنه. طبعاً هذه دعوة عقلانية منطقية لإلغاء مادة التربية الدينية(المسيحية والمحمدية)، في مناهجنا الدراسية. والموضوع ليس كما يظن المتحجرون والمتعصبون، هجمة ضد الدين وعقائده, فهناك الحرية التامة والتي نشاهدها من خلال دور العبادة المتعددة والمفتوحة أبوابها للجميع. ولكن الغاية هي إعطاء فرصة لهؤلاء الأطفال (الذين هم أطفالنا)أن يعيشوا ولو قليلاً من عمرهم حياة اجتماعية طبيعية أباحتها سنة الحياة والشرائع السماوية و.. والمذاهب الإنسانية ( الأخلاقية).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |