|
القــط وتهمة الشحمة موسى غافل الشطري سألجأ الى بدء قصتي التي هي أشبه بالهذيان مع أني أصر على منطقيتها، لكي أقحمكم بقضاء جزء من المتاعب لتجاوز هذا الفراغ الممل . في وطننا الذي تعرض لغزوالممسوخين ، فعمَّهُ دمار على دمار . كان كريماً في خيراته للعديد من زوار المواسم , إضافة لأهله وساكني أرضه ، ولعل من المسلم به أن القطط الضعاف وحتى السمان في بلادنا تعي على أنها من( الجنس) . ولذا فهي تحسن التفاهم مع ( الإنس ) وهي عراقية المنشأ دون نقاش . حظيت بمكانة ، تؤهلها أن تمتلك حرية الحركة بلا استئذان ، متمتعة بحصانة تاريخية وتوصيات مقدسة. لها الحق أن تجتاز البيوت دون أن تتعرض إلى أذى ، بما لم يحظ به الكلاب . فشاء الخراب والأقدار المستجدة، أن يكونا روّاداً للقمامة . ربما إن الكلاب، تخشى أن تصل إلى ما وصلت إليه القطط من جرأة ، تتطلبها مقولة ( البقاء للأقوى) . بيد إن القط يتكيف بما يملك من قدرة وخفة حركة وحصانة، أن يتسلق الجدران ، من بيت إلى بيت . لكن الحال بمرور الوقت تغيرت كثيرا ، بسبب ما أصاب قطنا موضوع حديثنا من وهن وسوء منزلة . فالقمامة التي كان يأنف أن يرتادها سايقاً ، لوفرة ما يحصل عليه مما يُطعم في البيوت، بدأت الآن تفتقر لما يسد رمقه . وتسبب ذلك باشتداد العداء الدموي بينه وبين الكلاب من أجل لقمة تطيل ابقاء من يحصل عليها على قيد الحياة. في حين ما قبل الأحداث الكارثية ، كانت الكرامات متوفرة والبيوت تلقي بفضلاتها ، بما لا يغبن أحد الطرفين . بل أحياناً لا يحتاج أحد لمعظمها . فأغلبها وهي صالحة كغذاء ، يتعففون عنها . ويظل هدفهم ما هوأطيب وغزيرالفائدة ، غني بالكاربوهدرات والفيتامينات والبروتين الحيواني . أحياناً لا يحتاج قطنا المحصن بانتسابه للجنس ، والذي يفتخر بانتسابه لهذا الوطن بخيراته الوافرة . وبما أن الحال ظلت تسير من سيء إلى أسوأ. مكث ينظر إلى الأمور بعين الترقب وعدم الرضا . فقد غزا منافسون لم يحسب لهم حساب ولا يتوقع سوء الحال أن يدفع بمثل إولئك الأطفال إلى نبش القمامة . وهكذا ما عادت الخلافات مع الكلاب هي المعضلة المرتقبة والقصوى، والتي باتت محنتها أن تموت نافقة . فليس أمام الكلاب إلاّ الذهاب الى الخلاء بحثاً عن أي شيء يملأ أمعاءها من الحشائش والخرق البالية التي تحللت من قدم مكوثها في قمامات أُلقيت منذ سني الرخاء المندثرة . هل سمعتم بكلاب تأكل خرقا وأدغالاً؟ .. وفي أسوأ الأحوال : إذ ليس أمامها سوى أن تتوسد قمامة الخلاء وتطلق الحياة وتسلمها لربها . ولذا لوغابت الكلاب ، نقصت أعداء القطط ، واتسعت الساحة لكي يلعب بها القط . والقط لم يلعب. بل ورث الجوع الذي عانوه ضحايا الكارثة . إذ كان من الوارد أن يتقدم رواد القمامة الذين ليس هم بالحسبان بتقديم معلومات من شأنها أن تنغص حياة صاحبنا القط وتفتح عليه باباً غير متوقع . ولكن الحمد لله القمامة تنموبحجة كل النفايات تنمو، فلماذا هي لا تنموما دامت الكوارث تلتهم وتمسخ كل شيء؟ لا وجود لما يخشاه ، بالأخص بعد تغيير الأوضاع . كان القط يحلم لوتغيرت . فأن أحوالاً معاشية كريمة ستوفر له ومصانه بهيبة انتمائه للجنس ، يرعاها بيانهم الذي شُغف الجميع بالتحرق لسماعه صدّاحاً بصوته لقرب تطبيق تعهداته . وهويبشر بها ويتعهد بخيرها المنتظر الوافر . وبأنها أقرب من الحاجب للعين . * * * ما أن عاد قطنا الأصيل ، مغموماً مهموما من كثرة التحري والعراك دون العثور على ما يسد رمقه ورمق العائلة بعظم وفتات خبز ، وأي شيء معاف . ما أن وصل إلى مأواه متعباً منفوش الفراء . حتى استقبله نجله ، لا ليسأله عن حصيلة غزوته لنبش القمامة بل ليبلغه: ــ إن ثعلباً أنيق الفراء ، يبدوعليه حديث العهد بهذه الديار ، ترافقه مجموعة من أشباهه ظل يلح بالسؤال عنه . ففكر القط وقال : ــ لقد أقبلت النعم . غير أنه سرعان ما استدرك ليسأل ابنه : ــ ويلك .. ما وضْع مزاجه؟ ٍ فقال الإبن : ــ كدراً. سألني وهومكفهر الوجه : ــ هل هذا مأوى قط بن هر؟ استدعه على الفور . فقلت لهٍ : ــ ذهب على باب الله الى القمامة ، علّه يجلب بعض العظام وفتات خبز إن حالفه الحظ ، وأي شيء ييسره الرب للعائلة .ٍ فقال الثعلب ضجراً: ــ عندما يعود بلّغه أنه مطالب في البقاء بماواه حتى الثامنة صباحاً دون أن يتجاوز الوقت ويخرج للحظة ، لكونه مستدعى . أسمعت جيداً؟ قلت : ــ سمعت . ولكن القط حين بُلِّّغَ ، حسب ما واجه من تجارب نحس ، لم يفهم شيئا ، بل ظل مضطربا ويقلب الإستدعاء يمنة ويسرة .ٍ ــ استدعاء !!! عن أي شيء اُستدعى؟ آكلين؟ شاربين؟ هل عثرت هناك في يوم ما على خزين أثري ومعدني؟ هل اختلست شيئاً ، وتلاعبت بالمال العام؟ غير عضات الكلاب وقذفي بحجارة الآطفال؟ ولم يتم حديثه بوفرة من الأستفسارات ، التي يدرك إنها لا تسعفه بحل . لينقذه من الورطة التي لا يعرف عنها أي شيء. . وأي باعث لهذا المأزق الذي هوفيه . ٍ وفي الليل لم يفكر بلعقة لسان لطعام . ولعقة ماء . وراح يقلب هذا الاستدعاء من كل الوجوه ، فلم يدرك مغزاه . وفي أواخر الليل ، وبعد جهد جهيد توصل لما يلي : لوأن هذا الاستدعاء كما كان الأمر يجري سابقا ً، بحيث أن المستدعى يُخطف ويصفوعليه الماء، حينذاك لاقتيد فوراً . لكن.. أن يمهل حتى الصباح ، ويذهب فوراً إلى المسائلة دون رقيب.. فالأمر يحتاج إلى تروي لإطلاق حكمه ... وتساءل القط : ــ لماذا نسيء الظن ونظلم الخلق؟ ربما ألمسألة أخف بكثير مما ذهبت إليه. . يا لي من نافذ للصبر . من أين يأتي الصبر، ودنياي كلها صفعات وضربات وعضات؟ وتلاحقنا سموم السيانيد . وأنت لا تجد رفيقاً . حتى الأطفال اولئك الذين كنت أقضي ليلي ساهراً، أشخر لهم لكي يناموا على لحن شخيري ليثقل أجفانهم الكرى ، ذلك الشخيرالذي يشبه مناغاة أُم لصغيرها. لم يسعفني بموقف امتنان. فيا لك من زمن جاحد . وأطال بالتفكير بما هويستدعي الأسف . لذا أغلق الموضوع ، ليفكر في ذهابه غير المجد للقمامة : ــ أين غأدًْرتْ عنابر الطعام؟ وأين الجرذان التي ألْحًمت وكادت أن تبلغ حجمي، حين كنت بكامل فتوتي؟ كان لا يتاتى اصطيادها: إلاّ بجسارة وقوة إرادة . أما الآن ، وبعد أن غدت الأرض قاعا بلقعا ، فقد رحلت تلك الجرذان الشهية ولا يعلم أحد إلى أين إلاّ الله . ربما نفقت وهاجرت مع من هاجر . في الصباح وفي وقت مبكر جداً ، حيث لم يخلد إلى النوم، أقعى ينتظر حلول الموعد بقلق وعدم اطمئنان وحساب وكتاب، لكي يكون جاهزا حسب الموعد المطلوب . إلى أين؟ لا يدري... وعند ذاك توقفت عجلة ، ونودي عليه ، ودُفع إلى جوفها ( همر ستيشن) وانطلقت به . وتذكر تلك العجلات المتآكلة التي يحشر بها المستدعى ، حين كان المخلوق ذوقيمة متدنية ، لا تُقدس ديانته ولا معتقده . وتمنى ــ والتمنّي رأس مال المفلسين ــ أن يكون استدعاؤه فاتحة خير . ولكن.. إلى أين؟ لايدري . لماذا يُدْفع دفعاً؟ لا يدري . ما هي الأسباب؟ لا يدري . وهل يتناول لقمة دسمة مُغمّسة بزيت الفول السوداني؟؟؟ هكذا!!!! الخيرات تمطرها السماء؟ إنه على كل شيء قدير ... ودفعت به الأماني أن يكون مدعواً الى وليمة من اللحوم الفاخرة . هكذا يتحقق حلمه . بتذوق أصالة زيوت السوداني؟ سيقسم على أن يصلي من أجل كل ما هوسوداني وضحك ساخراً من هذا الإستنتاج . توقفت العجلة أمام بناء منيف ، شبه سري . كيف انتشلوه من يد صاحبه؟ المسألة فيها نظر ! كتبت على واجهته (( أهلاً ومرحباً بالمدعوين الكرام )) . هبط الثعلب الأنيق الذي لم يتناول معه الحديث طيلة الطريق ، ربما لعلوّ شانه . كأنه ما كان في يوم ما هووابن عمه ( إبن آوى) لصوصاً للدجاج واليوم يستقل عربة (همر ستيشن) . وأشارت زمرته للقط أن يهبط . كانت هناك مدرجات على مدى ارتقائه إلى الأعلى التي ينبغي أن يعتليها . وقبل دخوله إلى حيث يرغبون أشار إليه بوّاباً باشمئزاز ، أن يحتذي حذءاً احتراما لمنزلة المجتمعين. فاعترض لعدم ملائمة حجم الحذاء الكبير على أطرافه . ولكنه طُلب منه أن ينفذ ولا يناقش . فأذعن رغم معاناته من ثقل الأحذية وما أضفت عليه من منظر مزرٍ . كان المكان شبه سرّي ، مدجج بالرقابة. إرتقى نحوالباب الأبنوسي وأُشير إليه بصمت أن يحث خطاه إلى حيث الجلسة ، ألتي احتدمت بالنقاش والسباب . وتبين للقط بخيبة أمل ، إن ما يحدث كان عبارة عن عراك حول توزيع الحصص والمغنانم . وصل أخيراً إلى مدرج اعتلاه وإصبح الثعلب يشير إليه ليقف إلى جانب رئيس الجلسة وامام الجالسين الذين تطلعوا نحوه بنظرات مبهمة . حيّاهم ولم يجب أحد . أدرك القط : إنها بداية لا تبشر بفأل حسن.. وسرعان ما التقطت عيناه صورة متكاملة للجلسة. بدت تتخللها بعض المخلوقات ا لممسوخة وغيرها هادئة الطبع منصتة كأنها لا تمتلك واجباً سوى الإنصات .. رغم الضوضاء والضجيج . فعلى جهة أقصى الشما ل تجلس ثعالب . وذئاب غاضبة لكون ما مخصص لهم لا يناسب استحقاقهم . وفي الوسط قطط سمان . وكانت هناك القردة مقعية تنصت لهذا الجدل الحاد ، وقد التزمت الموقف الذي يطابق المثل القائل ( الذي يأخذ امّي يصير عمي ) . المذهل .. كل تلك التي تجلببت بالجلود قريبة الشبه بالزيتوني ــ كفانا الله وإيّاكم شرأيام الزيتوني ، ونتمنى من الله أن هذا الضجيج وسلاطة اللسان لا يفسح مجالاً لتفريخ فراخاً زيتونية ــ وربما تفاؤلاً وإبراز العضلات للتهديد إذا لم تحسم الأمور . وكان يبدوهذا الموقف هوجانب من التزام التريث إلى أن تصفوالصافية . كان هذا التنوع يدلل على نوع من العدالة . وجرّاء الدعم لمجموعات لاتبدوضعيفة تجاه مناهضيها . ويجدر بنا أن نلفت النظر إلى هذه التشكيلة ذات الذوق لمجموعات تتصدرها هذه المجاميع القادمة من منافيها الإختيارية والإحترازية. في مقصورات اشبه بالأقفاص ، لكي يسهل قذفها إلى الأرض الأم ولكي يشمّوا رائحة ترابها ودون أن يضعوا آذانهم على أديمها تثار لديهم الدهشة لسماع انينها . وهي مجموعات لم تمسسها النار التي اكتوت بها الأرض الأم ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل كانت ملامح الرخاء واضحة على مظهر الجميع . ولكن ما قاموا به من باب البروتكولات . والتي اتخذت جانب الاستحواذ على الدور المهيمن . بدت الجلسة محتدمة كما لوكان عرضاً مسرحياً . الكل لا يبدولديه نِيّة للتنازل عن قنطار من حصصه . وكان في واقع الحال ما يدور في الداخل ــ لكي نكون منصفين أكثر ــ صراعا متحضرا غير مرتبط بالعض والنهش ، إتّسم باتباع القيم الديقراطية التي حبذت بعد التمني أن تَمُرّ متفسحة على شوطئ دجلة عصراً دون خوف من الإغتيال ومتفجرات . ثم تساءل القط مع نفسه : ــ ماذا كان هؤلاء يأكلون؟ أن أبهر ما يشهده الفط ، إمتلاكهم لفراء من جلود التعالب والنمور الفاخرة وخدود منتفخة . وأجساما بهلوانية . وقد تزيّن منهم من تزيّن بلحى تسترسل على صدورهم بيضاء براقة . والأخرى كالكحل . من أين جاءت اللحى لهذه المخلوقات ، هل تباع ضمن البالات؟ لا يدري . وأناث صوَّاتات . وفي كل الأحوال جاء سؤال زوجة قط من القطط السمان من عائلة قططية أرستقراطية تنتسب لبلد متحضر . وتبدومن استفسارها أنها جاهلة بدقائق الأمور ، ولم يزودها الزوج بمعلومات دقيقة عن بلده سوى الإطناب بالماضي العريق لتاريخ وطنه ، استفسرت : ــ هل هؤلاء هم الذين نشأت الحضارات الرائدة لديهم؟ وبدأت الخليقة على أرضهم؟ قال القط السمين القادم من الخارج : ــ المعلومات تشير ، إنه قط عراقي كان من التنابلة المتسكعين ، له ابن خالة مهاجر عمل له( فيزة) واوجد له عملاً ولكنه فضّل البقاء هنا . للأسف أنه ينتمي لسلالة اجدادنا العظام غير الهجينة . إنه يميل إلى التشابه مع هيكل مومياء من هياكلهم؟ قال قط آخر: ــ على ما تسعفني ذاكرتي كنا هنا ، في يوم ما ، في بحبوحة وحصانة . وكان جيراننا لا يقر لهم قرار إلاّ أن يوفروا لنأ كل ما لذ وطاب . وكانت فراخ الدجاج سلوتنا عندما نريد أن نشاكس ونضحك . أين هوالدجاج المحلي الان؟ أين الأوز؟ أين البرهان؟ أين الديك الرومي؟ كانت ذكريات أيام زمان تتوالى من بعد مشاهدة القط المحلي المنكود الذي أصر أن لا يفارق وطنه .. في الدنيا عقول تحسب التوقعات بالمقلوب . فعلّق آخر: ــ إن رداءة حاله .. ظاهرة محرجة لكرامتنا . إنه بصراحة ما كان يستوجب أن نسمح لمراسل من الفضائيات العالمية أن يبعث بمنظره هذا . إنه منظر منفر . نفاية .. كنا نتوقع أن أبناء الوطن يطلون عبر الفضائيات بحشمة مشرّفة . شيء مؤسف . أين رحل ذلك الوطن الجميل؟ هل ابتلعه ديناصور؟ بوغت المجتمعون بطرقات رئيس جلسة مؤسسة ( التحقق وكشف الأحوال) لأيقاف ما اعتاد سماعه من عراك على ما يجنون ويلفلفون من حصص ومغانم . مشط رئيس الجلسة لحيته " السلكونية" وفراءه الذهبي . واتكأ على كرسيه الأبنوسي . وكانت هناك مسحة ابتسامة على وجهه ، هدّأَت خافق قط القمامة : ــ أيها القط ... نادى رئيس الجلسة بديقراطية في منتهى الشفافية ، وهودائب على تصفح أوراقه ويتنحنح.، ثم يلتفت ليتداول الحديث الخافت مع مساعده : ــ مالذي نبدأه معه؟ قاطعه القط على وجه السرعة : ــ نعم يا سيدي معالي السيد رئيس الجلسة. حفظك الله ورعاك. قال الرئيس : ــ قل أطال الله عمرك ولا تقل حفظك الله ورعاك . فذلك زمن ولّى . والآن .. أتعرف الاتهام الموجه إليك؟ قال القط في قلبه ، وهوبحيرة واضحة : يبدوأن الإمور سوداء مظلمة : ــ أُقسم بشرفك ، بأني لا اعلم شيئاً عن أي تهمة . فأنا ياسيدي كما تراني : ما دمت لا أملك سوى جلدي المنفوش هذا ــ ودار دورة كاملة ــ أترى يا سيدي؟ . وأحمد الله لكونه لا يباع ولا يشترى، فالمثل يقول (حرامي لا تصير ، من السلطان لا تخاف ). لا ماكل ولا شارب . منذ ليلة ما قبل البارحة ولا عائلتي . والله شاهد على ما أقول يا سيدي. قال رئيس الجلسة : ــ ها.............. إذن هنا الحكاية. ماذا أكلــتـُ........................م؟! : ــ شيئاً لم اتأكد من مذاقه . قال رئيس الجلسة وهويبدوهازئاً : ــ كلا.. ليس كذلك . التهمة أنك أُُودِعَتْ في حوزتك وديعة ، وبدلاً من الحفاظ عليها وإعادتها إلى أصحابها.... إزدردتها . ثم بعد أن تأنى قال: ــ سيد قط...إن الخالق سبحانه وتعالى منَّ علينا بمساءلتنا، إذا تجاوزنا على مال الغير . أي المال الذي يُسلب من بيت المال ، ومِن الذي انتشلته بيدك مثلاً ، والذي تودعه بموجب أرقام سرية . وثمناً لإنهاء عملية اختطاف . وأنت تعرف إن الذين يكنزون الذهب والفضة تنتف لحاهم . ثم.. ماذا يحدث لهم بعدها..............؟... رأساً إلى جهنم .هناك يحتجز مع ذوي المال الحرام و... لا داعي لأقولها ... فالمسألة لا تحتاج إلى توضيح . واصل معاليه وهويضحك موجهاً كلامه للجميع : ــ أرجوالإنتباه لذلك : هوابن هذه الأرض المباركة ، أرض الأنبياء والأوصياء وحمورابي . .... ولكنه تخلى عن تقاليدهم كلها دفعة واحدة. قال القط : ــ لا وحق الأنبياء والأوصياء ياسيدي، لا أعرف حمورابي ولا يعرفني . هل هومن الرفاق الثعالب؟ هل قدّم شكوى ضدي؟ أين يسكن؟ أهوالذي استدعاني عن مصير الوديعة؟ وماهي؟ قال رئيس الجلسة: ــ أين تعثر عليه؟؟ إنه هناك في الخارج . رحّلوه مع من رحّلوه وأسكنوه في متحف العظماء . ولا علاقة له بموضوعك . الوديعة هي من الحصص التموينية . أفهمت؟ قال القط ــ مرة أُخري؟! مالى وللحصص التوينية؟ لأني آكل من نفاياتها؟ قال رئيس الجلسة : ــ أرايت؟ تدخل في جحر .. فتقع في بئر . هرب رجل القوانين وتريد أن تلحق به إلى المتحف . مات ولم يخلص من هذه الوجوه . قال القط : ــ مالي وله؟ هل أنا من لصوص الآثار؟ من هجره للمتحف؟ أنا؟... أم هوهاجر وترك وطنه في هذه الحالة المزريه ، وراح هناك يتناول نِعَمْ الزبيدي؟ أين هوالزبيدي؟ وأبناء وطنه يرثى لحالهم؟ ويتقدم بشكواه ضدنا؟ بدلاً من الوقوف بجانبنا؟ بل يقف إلى جانب الأثرياء، يقدم نفسه على طبق من ذهب، ويتحوّل هووعظامه وليمة لهم. قال رئيس الجلسة : ــ ليس من أجل الزبيدي بل حملوه وتعاليمه إلى هناك لكون تعاليمه اللبنة الأولى لتعاليم العالم . قال القط وأساه يتفجر : ــ تركوا العراق في حيص بيص ، والنفط ينادون به ( ياجوعان جاي) . في كل الأحوال ما هي مهمتكم معي يا سيدي؟ : ــ مساءلتك عن مصير الشحمة المودعة لديك والتي ازدردتها. فقال القط : ــ أنا !!! تتركون عزيز قومكم أسير المتاحف العالمية وتسائلوني عن الشحمة ، التي ما عرفتها ولا شممتها؟ ولا عرفها حتى أجدادي أيام أن كان مشرِّع قوانينكم حياً يرزق . قال رئيس الجلسة مبتسماً : ــ حمرابي ... كان الأجدى بك أن تعرفه وتعرف منه تاريخ بلدك اتعرف عدد قوانينه؟ قال القط : ــ كلا .. فقط أعرف أنه انصف معكم أنتم المنعمين بكرم الزبيدي ذوي الفراء الثمينة وأودع قوانينه في رقابكم وتركني في نزاع مع الجوع . ــ إسمع .. لا تشط عن موضوعنا . فمن أحكامه : الذي يشرب من ماء الأنهار المقدسة ، أيام عنفوانها وأيام نقصانها بسبب ما يتعرض له الوطن من نهب وسلب ، كان يفترض به أن يكون أميناً على ودائع الناس . ثم عليه أن لا يهبط إلى مستوى نبش القمامة . فمثل هذا لا يليق بتعاليمه ولا بشرف وإنفة ابن هذا الوطن . وبما أن صاحب الشحمة التي تقتضي اللياقة أن لا نكشف اسمه، قد يكون فقد معها ما لم يضع القانون يده عليها . لذا.. ينبغي تحميلك مسؤولية إعادتها إلى المجلس الموقر . هزّ القط ذيله متفاجئاً وضحك . قال الرئيس: ــ ضحكت؟؟؟ قال القط : ــ من يسمعكم لا يتصوركم هذا الخليط ، بعضكم لا يشبه بعض . بل بشر من ذوي الإحساس والشعور بالمسؤولية . ورغبات دنيوية وآخروية . ولاقتنع بأن مهمتكم أكبر بكثير من معضلة الشحمة الملعونة ، ومن عملية ابتلاع المليارات . ثم .. من الذي اهمل الأنهار المقدسة . فتكالبت عليها الضباع؟ عقّب رئيس الجلسة ساخراً : ــ نحمد الله على ان قططنا تمتلك الوعي الوطني ولم تغادره وتفقد أصالتها ونزاهتها وتراثها . تدرك أننا رغم بنيتنا الفسلجية قد مسخت، من بشر إلى ما نحن عليه . ولكننا نمتلك جميع سجايا البشر وهذا يدلل على وعينا بالمعضلات التي يواجهها الوطن ، ونسأل الله أن يعطينا فسحة من الوقت لإعادة كرامة الأنهار المقدسة وغيرها . وما دمنا بصدد القط فالذي لم يهاجر بل يرتبط مثل ارتباط الجنين بحبل المشيمة . كذلك يرتبط بقمامة وطنه التي لم تشهد قنينة كحول واحدة تسيء إلى سمعتها . ولكنك مع شديد الأسف كان عليك أن لا تفرط وتضيعها بازدراد الشحمة . لذا راودت القط الرغبة أن يعبث بقصد الممازحة الساخرة مع السيد فقال: ــ لكي أكون صادقاً معك يا صاحب المعالي أتسمح لي بممارسة الديمقراطية؟ قال : ــ نعم......... لك ذلك . لماذا لا؟... قال القط : ــ إذن أطلب منك أن تقسم بشرفك وبشرف الديقراطية، التي هي صاحبة اليد الطولى أن توقف أية محاولة لمقاطعتي . هزّ رئيس الجلسة رأسه موافقاً : ــ بالطبع .. بالطبع : أُقسم لك بشرفي .. وأُقسم لك أيضاً بشرف الديمقراطية ، بل وبمحتوى الديمقراطية ونزاهتها . لماذا استدعيناك إذن؟ الاستدعاء من صفات الديقراطية بدون قيود ولا (كلبجة) . فنحن نؤمن بديقراطية الأكثرية كما نؤمن بديقراطية الأقلية ..بل ديمقراطية الكل حسب احتياجه ..إنظر إلى إخوانك القطط السمان هؤلاء .. كم هم مشحومون متوردون، منفوخون من الديقراطية . أي تتكلم دون خوف . من حق ابن هذا الوطن أن يأكل كما من حقه أن لا يأكل . قال القط : ــ آ............... هنا تسكب العبرات . كم هوجميل أن تضمن لنا أحقية الأكل والموت جوعاً. ألآن باتت أرداف الديقراطية واضحة لكل عـين ... أنت تعرف ياسيدي والسادة الأجلاء السائرون على هدى مبادئ حمورابي .أيها المجموعات التي تمثل أقصى مانطمح إليه من الشمال إلى اليمين . من مبادئ الإختلاف . أيها الملتحون من ثعلبكم إلى قردكم . تدركون أنه لاتوجد شحمة في القمامة لسبب بسيط جداً: هوكثرة روادها الباحثين عن شيء يحشرونه في أمعائهم . لا شحمة ولا عظم ولا هم يحزنون . بل خرق وحافظات فضلات نجسة ، والجائع يأكل اي شيء لكي لا ينفق . قال رئيس الجلسة بجزع : ــ كفاك الكلام يا أخي عن القذارات .أنت من ابناء الأجداد العظام ويجب عليك أن لا تهبط بعراقيتك إلى هذا الدرك . أنت يا أخي تعرض مشاعرنا للإنتكاس . هزّ القط ذيله بهزء وقال : ــ يقولون له نريد خبزاً .. يقول لماذا لا تأكلون الكيك؟ أنا أقول لك لم يعد للعراقي من أي صنف هنا أكثر من نعمة الجوع . القمامة هي أُمنا وأبونا ومصدر حياتنا وأكثر من غيرها كرماً وأحساساً بمعاناتنا . وإحساساً بواقعنا المزري وكفى . بذرة تؤكل لم تتركوها لا للزرزور ولا لأبي الزعر ولا لزيط اللّيط (1) فهاجر الجميع ونفق . هل العراقي بلا معدة ولا روح ولا حق؟ توزيعكم للحصص: واحد بحمار وأربعين ببغل . أنا فقط أُريد أن أقول لك : نحن قطط وكلاب العراق ــ وإن كنا متخاصمين ــ أغنياء ومتخمين جداً بنعمة داء الأكياس المائية . وديدان الكبد .. وداء القطط الذي استوردتموه معكم ، هدية لنا مشكورين . فلا نحن من أصحاب الملياديرات وأمراضها ولا المليونيرات.ولا الماربجوانا ولا آكلي أسماك الكافيار ، بحثاً عن محفزات جنسية . ولم نصنع من أوراق البنكنوت أكياساً للكرزات. كنا نتطلّع سابقاً لما تبشر به وعودكم. وما يصدر من أمال عراض يطلقها بيان من بياناتكم، التي تدجّنت الآن ، يعلن عن الخير الوافر . والزبيدي كان أبرز المثيرين لغدد اللعاب في رأس القائمة ، إلى أن ترسوالوعود عند سمك ( دودة الزعيم) . ودودة الزعيم ايضا نفقت . أين الزبيدي؟ أين أحبابه؟ الآن هل هاجر عن شواطئنا أم يعد العدّة؟ هل حلّ محله القرش؟ا هل القرش والديناصور على الأبواب؟ الله هووحده الذي يجيب . فهتف الجميع : ــ إعدموه .. إعدموه؟ قاطع هتافهم القط : ــ ذات يوم ابتاع ثلاثة أصحاب بلحاً . وكان أحدهم أعمى . ظل الأعمى يأكل واحدة واحدة والجميع صامتون . ظن الأعمى أنهما يأكلان اثنين اثنين ففعل ذلك والإثنان صامتان. ظل يأكل تلاث ، ثلاث ، والإثنان صامتان. ظل يأكل اربع أربع والإثنان صامتان .وعندما لم يقل له أحد ماذا تفعل؟ ظنهم ينهبون ما تبقى ، حوى التمر من أمامهم وقال: ــ قولوا فرهود؟ صاح الجميع : ــ إعدموه القصد واضح.. لماذا لا تعدموه؟ قال القط للرئيس بعد أن تريث ليسمع زبدة هذا الضجيج. ،على أنهم يصنعون شيئاً للآخرين وليس لزيادة أسهمهم . وأن هناك شيئأً ذي بال يؤدّى للآخرين: ــ دعهم يتشفون ويشبعون رغبتهم السلطوية للإنتقام كمن سبقوهم . البركة فيهم، وليذهب كل شيء في العراق إلى الفناء. ولكن ليسمعوا:ــ هل عتقت الحكاية؟ عندما كانت الثعالب هناك عبر البحار يبحثون عنهم من أجل نزع فرائهم وبيعها؟ كل الحياة التي عشتها وعاشها آبائي وأهلي نكدة . فيها غُلْبة . حياة دائماً.. إذا أراد أمثال هذه المجاميع الذين هم أنتم ، سواء ارضيتم أم لا، فإنها تبدوشرسة وليست رؤوفة ورحيمة . عليها أن تعجل بقرار الإعدام ، لأن من سبقها هوهكذا . وما دام الحكم هوكما كان يجري .. فلماذا لا يسلكوه؟ ، وأن يبدأ الأمر كذلك عبر سحقي حتى العظم؟ لم يأت واحد ويعطي مغلوبا حقه. أغلب الذين أتوا هم بالمطلق ليس أهلاً لها ويتراجعون عن وعودهم عشر خطوات. ولذلك من الحيف أن أحيا حياة كل وظيفتها يافطة للشعارات ومن ثم أكون سنداناً للمطرقة . الكل يثري . والكل يبحث عن صنفه ليشاركه في النهب . الكل يطرق على رؤوسنا . من الذي يطرق بهدوء؟ لا تكاد أن تجده . الكل يريد أن يقضي حاجته بمطرقته الثقيلة شديدة الوطأة على رأسك . وهذه هي المحصلة النهائية حتى اليوم . أما بعد اليوم .. لا أدري إذا كان الوضع يتحسن . لكن حتى الآن فقط نسمع وعود ثعالب . وأصحاب مطارق . ولكن مهما كان حقيقيا فإنه بعيد للغاية ، حتى ترسوأمورنا إلى برّ الاستقرار . وقد لا يحدث هذا اطلاقاً ، ونفاجأ بإعصار يقلع حتى هذا البناء المنيف . إنها للأسف نظرة قد تكون تشـــاؤمية، ولكني لا أحتمل وقتاً من المعاناة أكثر من هذا. ولذا .. أنا سأكون في رضاء تام إن حظيت بميتة لا تسرف في التأجيل . قال رئيس الجلسة للقط : ــ هذه دعاية رخيصة . قال القط : ــ سمّها ما شئت لكننا نُسمي الأشياء بأسمائها . إن التحصيل الحاصل .. مسالة فرهود . قال رئيس الجلسة وهويرفع ذراعيه وكفّيه مفتوحتين : ــ آ................. إلى هنا وكفى . . إلى هنا وكفى... فلقد تحولت أنت إلى حاكم يوجه التُهًمْ ونحن المتهمين . لذا .. يجري التحفظ عليك وترفع الجلسة لحين اتخاذ الأمر المناسب . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) زيط الليط طيرصغير كثير الحركة سريعها
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |