انسحاب القوات الأمريكية اختبار أيضا لقوى العملية السياسية

 

رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se

 قبيل تنفيذ الإجراءات الاخيرة المتعلقة بانسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية، اتفقت مصادر معلومات عديدة وأجهزة سياسية وعسكرية عراقية وأمريكية، على أن الأسابيع والأشهر التالية على موعد الإعلان الرسمي للانسحاب، ستكون أسابيع حاسمة تُخضع الأجهزة الأمنية العراقية لاختبار جدي في قدرتها على ضبط الحالة الأمنية في البلد. وفي ذات الوقت لم تكن الإشارات بذلك القدر عن مسئولية أركان العملية السياسية الكبار وخضوعهم أيضا لعملية اختبار على قدرتهم في تحمل المسئولية بتعضيدهم للعناصر الأمنية والعسكرية عبر انجاز الملفات التي لا تزال موضع سجال وشكاوى متبادلة والنأي عن تحمل مسئولية عدم إنجازها بل وتحميل الأطراف الأخرى مسئولية عرقلة هذا الانجاز. وإذا تم التدقيق بموضوعية في حجم ونوع الجهد الأمني الذي تبذله القوات الأمنية والعسكرية العراقية بدعم من المواطنين العراقيين وبالذات من انخرط منهم في نشاطات مختلفة اتسمت بالرفض والعداء للعملية السياسية عامي 2006 و2007، فان هذا الجهد يستحق التقدير رغم ابتلاء المؤسسة الأمنية بالاختراق وحداثة التكوين وقلة الخبرة و شحة التجهيزات الفنية، مع عدم إغفال أن تقييما سليما لقدرة هذه الأجهزة على ملء دور القوات الأجنبية بعد انسحابها من مراكز المدن في الثلاثين من حزيران الماضي، يحتاج إلى فترة اختبار أطول تمتد حتى موعد إجراء انتخابات مجلس النواب الجديد في شهر كانون الثاني العام 2010. أن مدة الاختبار هذه ستكون فترة رهان مناسبة للقوى المعادية لترسيخ التجربة العراقية الفتية وتلك المتضررة من زوال النظام السابق، والتي لا تزال تراهن، على  تحجيم هذه التجربة ثم إفشالها، ولن تتخلى عن أية وسيلة لتحقيق غايتها هذه، وتجد في مناطق تجمع المواطنين العزل وحيث الانتماء المذهبي المعين أهدافا سهلة لعملياتها الانتقامية علها تفلح من جديد بعودة التصفيات الطائفية تمهيدا لتمزيق البلد  طائفيا وعرقيا، وهذا الهدف هو الذي  تلتقي عنده مفردات أجندة قوى إقليمية وأخرى عالمية تجد مصلحتها في أن يظل العراق ضعيفا ممزقا يسهل عليها مهمات مخططاتها في منطقة الشرق الأوسط . 

إن هذا التوصيف لم يغب عن تفكير المكونات السياسية العراقية التي تتحمل مسؤولية قيادة البلد في هذه الظروف الحساسة، ومع ذلك فهي مستمرة بالتنافس على مراكز القرار السياسي و النفوذ الاقتصادي، ووضع  مصلحتها الفئوية الخاصة فوق المصالح الوطنية العليا، وهذا التنافس هو وراء تفاقم الصراع ليس فقط بين الجبهات الطائفية والقومية بل داخل هذه الجبهات ذاتها، مما اضر بالنشاط البرلماني والحكومي وأعاق تنفيذ الكثير من واجباتهما. وزاد من إدراك خطورة هذا الوضع الرسالة الأمريكية الواضحة التي حملها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته لبغداد أوائل شهر تموز الجاري، من أن على العراقيين تحمل مسؤولية الحفاظ على الوضع الأمني لبلادهم وأن للولايات المتحدة حدودا في دعمهم لمواجهة أي تدهور امني قادم. ولذلك جاء الإجراء الذي أعلن عنه خلال الأيام القليلة الماضية والقاضي بتشكيل لجنة برلمانية تضم سبعة نواب من مختلف الكتل السياسية برئاسة النائب في البرلمان وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى من اجل تفعيل وثيقة الإصلاح السياسي وتطبيقها بشكل عملي و لتدارك مزيد من التداعيات السلبية بسبب الاختلافات بين الكتل السياسية حول هذه الوثيقة المهمة. و قد يكون هذا الإجراء سابقة لاتفاقات لاحقة وواجبة بين هذه الكتل  لتقريب وجهات النظر والتخفيف من هاجس انعدام الثقة بينها وضعف الإحساس بالمسئولية الوطنية الجسيمة، اللذين بقيا عاملين مهمين مؤثرين على الوضع الأمني وفي استمرار تعثر انجاز وتحقيق البرنامج الحكومي، وهو مسعى للتغلب على التحديات الراهنة ومنها تحديات تحقيق الأمن خلال الفترة الحالية بعد انسحاب القوات الأمريكية من المدن، وهي فترة لن تكون مدة اختبار لقدرة المؤسستين الأمنية والعسكرية فقط، بل وبقدر اكبر، مدة اختبار جدية للمكونات السياسية الحاكمة في مصداقيتها و سعيها لاستكمال خطوات استعادة السيادة العراقية كاملة وفق الاتفاقية العراقية الأمريكية التي نصت على انسحاب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2011 . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com