هل دافع أوباما عن حقوق التكارنة في السعودية؟

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

الرئيس الأمريكي مهتم بالوضع في إيران، وهو لا يخفي امتعاضه من تعامل قوات الأمن فيها مع المتظاهرين، ويدعو إلى احترام حقوق وحريات المعارضين، والدفاع عن الحقوق والحريات عمل محمود، بشرط أن يكون مطلقاً وعاماً، لا يفرق بين قريب أو بعيد، فلا يكون انتقائياً، فيطالب به طرف، ويغض عن طرف آخر، وتكفينا نحن المسلمون والعرب قضية فلسطين لكي نتيقن بأن العدالة مفقودة في السياسات الأمريكية، على الأقل تجاه العرب والمسلمين، ولكن هذه المرة سأستشهد بقضية أخرى لكي أبرهن على ازدواجية معايير الرئيس أوباما.

هل سمعت بالتكارنة أيها الرئيس أوباما؟ لعلك لم تسمع أو لا تريد أن تسمع، ولكنهم سود مثلك، واصلهم من افريقيا مثلك، ولعل معظمهم من كينيا، مسقط رأس أبيك، ولن استغرب لو تبين بأن بعضهم من نفس قرية أبيك وقبيلته، وهم أيضاً مسلمون على دين أبيك، ولكن الحظ لم يسعفهم بالهجرة إلى أمريكا.

يقطن التكارنة السعودية، البعض منهم سعوديون أباً عن جد، لكن معظمهم جاؤوا إلى المملكة حجاجاً أو معتمرين، واضطرتهم ظروف العيش القاسية في بلادهم للبقاء بصورة مشروعة أو غير مشروعة في المملكة السعودية.   

يقدر تعداد التكارنة بنصف مليون نسمة، أي حوالي خمسة بالمائة من تعداد السعوديين، وفقاً للإحصاءات الصادقة لا الرسمية، تعج بهم مكة المكرمة، ولا تخلوا منهم بقية مدن المملكة، قبل حوالي عشر سنوات زار الملك عبد الله أفقر الأحياء في الرياض، عندما كان ولياً للعهد، فوجد معظم قاطنيه من التكارنة، يسكنون فيما يسميه السعوديون "العشش" و"الصناديق"، والصفتان تغنيان عن التفصيل، فأمر بإنشاء مؤسسة خيرية لاسكانهم، ولكن حتى الان لم يبنى لهم بيت واحد.

الكثير منهم بدون هوية، فلا يحق لهم العمل بصورة مشروعة، ولا تسجيل أولادهم في المدارس، ولا التداوي في المشافي الحكومية، لذا يضطرون للعمل في الشوارع، يغسلون السيارات، ويبيعون ما خف وزنه وقل ثمنه، من المحارم الورقية وقناني المياه، ومن لم يجد فلا خيار أمامه سوى التسول، ولعنة الله على من الجأ البعض من نسائهم لبيع أعراضهن مقابل لقمة العيش، ولا نعجب إن امتهن البعض منهم تجارة المخدرات والسرقة.

إذا لم تكن قد سمعت بأمر "التكارنة"  أيها الرئيس الأمريكي أوباما فأنت بالتأكيد لا تعرف من هم الأغوات، وللموضوع خلفية تاريخية، بدايتها مع بداية العهد الأموي البغيض. عندما تسلط الوالي الباغي معاوية بن ابي سفيان على حكم المسلمين أمر بتوظيف خدم للحرم المكي من السود الأفارقة، ثم جاء اللعين يزيد ليأمر بخصي عبيد الحرم، لأنه يعرف جيداً بأن حرمة المكان ليست كافية وحدها لصون أعراض المسلمات الحاجات والمعتمرات من الاعتداء، وهو بطل واقعة الحرة كما هو معروف، وقد سار الملك عبد العزيز وابناؤه على سيرة سلفيهم غير الصالحين معاوية ويزيد في خصي خدام الكعبة، وهؤلاء أيضاً مثلك يا سيادة الرئيس أفارقة سود، والعجيب أن الحكومة السعودية الوهابية، التي تدعي كذباً وزوراً الالتزام بالشرع الاسلامي، لا تطبق عليهم أحكام المواريث الشرعية، وكلما توفي أحد الأغوات ورثه بقية الأغوات لا أقاربه.   

يقول السعوديون بأن هنالك "تكروني" نسخة طبق الأصل منك أيها الرئيس أوباما، يسمونوه أوباما السعودي، هو أحسن حظاً من معظم التكارنة، لأنه موظف في الخطوط السعودية، لكنه يبقى في نظر السعوديين تكروني منبوذ. قبل سنين قليلة تنبهت منظمة هيومن رايتس واتش لأحوال شريحة التكارنة المزرية، وبالتحديد التشاديين منهم، والمقيمين في المملكة، والبالغ عددهم مئة الف نسمة، فاستنكرت حرمانهم من الخدمات التعليمية والصحية.

إذا كان الرئيس أوباما لا يكترث بمعاناة أشباهه في اللون والعرق فكيف نتوقع منه الدفاع عن حقوق المعارضين السعوديين والأقليات الدينية المظلومة في السعودية من الشيعة الامامية والاسماعيلية والصوفية، وكذلك الموظفين والعمال الأجانب المحرومين من أبسط الحقوق الوظيفية والعمالية؟ كل هؤلاء لا قيمة لهم في حسابات الرئيس الأمريكي، لأنه وعلى خلاف ما يدعي أنصاره، لا يختلف في الجوهر عن سلفه بوش وغيره من رؤساء امريكا، وعندما زار السعودية والتقى بمليكها عبد الله مؤخراً لم يكن يرى ويسمع ويتحدث إلا بمصلحة امريكا وحلفائها من الصهاينة وعملائها من حكام الدول العربية، ولكنه في الوقت نفسه يجأر في مطالبة إيران الاسلامية بالسكوت على المشاغبين ويتوعد الحكومة العراقية بالنتائج الوخيمة لو لم تتصالح مع البعثيين والارهابيين وتقدم التنازلات للأكراد الانفصاليين، لأن ذلك في صالح أمريكا والصهاينة والأعراب أيضاً.  

أثناء زيارة الرئيس أوباما للسعودية قلده الملك عبد الله وساماً ثميناً، وعلى أوباما ان يشكر ربه لأنه لم يكن في السعودية في الزمن غير المناسب، فلو كان حاضراً في منتصف القرن العشرين لوضعوا في عنقه الأغلال بدلاً من الوسام، آنذاك كان الافارقة السود، من اباء وأجداد بعض التكارنة، يباعون ويشترون علناً في أسواق النخاسة في الرياض وجدة.

أغلال المسترقين لا تنتقص من كرامتهم، لأنهم مستضعفون، ولكن بعض الأوسمة أسوء من الأغلال، وفي عنق الرئيس الأمريكي أوباما أغلال ألبسها أياه برضاه مالكو الشركات الاحتكارية والبنوك المستغلة والصهاينة المعتدون والطغاة من حكام العرب وغيرهم.  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com