|
المعقول واللامعقول في السياسة ..!؟
باقر الفضلي كي لا نذهب بعيداً في التفسير أو التأويل، لما يطرح في الساحة السياسية العربية، من أباطيل أو حقائق، ندلف الى الأشياء في مصادرها ونسعى اليها في مكامنها، ونتلقفها من أفواه قائليها..! فالحدث الأكثر إثارة ، وما تداولته وسائل الإعلام العربية والإقليمية والعالمية لأسابيع خلت، بشكل غطى على أحداث المنطقة الأخرى حينذاك، وهو ما يدعى بنشاط (خلية حزب الله) اللبناني في الأراضي المصرية، والذي لا زالت آثار ذيوله شاخصة حتى اليوم، حيث تصدرت قصة الخلية المذكورة صفحات الجرائد ونشرات أنباء الفضائيات، وتعليقات الإعلاميين..!؟ من مفارقات تلك القصة، أن أبطالها لم ينكروا ما ورد عنها من تفاصيل على لسان السلطات الأمنية المصرية، بل على العكس من ذلك؛ فأنهم يسوقون التفسيرات والمبررات "الإفتراضية"، التي يعتقدونها أسباباً مشروعة ومنطقية لكل ما أقدمت عليه تلك "الخلية" من نشاطات تدخل في تكييفها ضمن إنتهاك سيادة الدول من جهة، وتعريض أمنها الوطني للمخاطر، وما قد تجره ورائها مما لا تحمد عقباه من نتائج وخيمة، أكبر مما يعتقده منفذوا تلك النشاطات التي تبدو في ذهنهم وحسب إعتقادهم ، وكأنها ألاعيب صبيانية، يمكن لأي دولة مهما بلغت من قوة أو جبروت أن تغض الطرف عنها، قبل أن تحسب لعواقبها ألف حساب، وتتخذ في مواجهتها الف تدبير، من جهة أخرى..!!؟ فأي تقليل كان من شأن الحدث، لا يعكس في الحقيقة إلا مستوى من عدم الشعور بالمسؤولية، إذا ما أراد المرء أن يبتعد عن كل بواعثه وأهدافه القريبة منها والبعيدة. كما وليس من المفترض أن يعتقد المرء؛ أن دولة ما، ستقف مكتوفة الأيدي أزاء إستخدام أراضيها بطريقة غير مشروعة، ولإغراض إذا ما تحققت، ستبنى عليها وتترتب بسببها، نتائج خطيرة لا تصب في مصلحة الدولة المذكورة ولا تخدم مصالح الأطراف التي خططت من أجلها تلك العملية..!؟ فمهما أخذ المرء بحسن نية الأطراف التي خططت لتلك العملية، ومع إفتراض "مشروعية" الأهداف والنوايا التي توختها من وراء ذلك، فإنها مع كل ذلك تظل محصورة في إطار إنتهاك سيادة الدول وتعريض أمنها للمخاطر والتجاوز على كرامة الشعوب..!؟ كما وليس من المنطقي القول، أو الوقوف وراء شعار "المقاومة" مهما بدت "قدسيته"، لتبرير اي عمل كان، وإن غلبت عليه صفة التجاوز على حدود الدول الشقيقة والصديقة، إذ ليس في حسبان المرء ان يحرس بيته من سطوة أخيه، بذريعة ما يدعيه ذلك الأخ من حسن نواياه وبراءة أهدافه؛ فالعالم مهما بلغت قسوة بعض أطرافه وعدوانية البعض الآخر، فهو لا زال محكوماً، بآلية دولية تلزم الجميع بشرعيتها، وتطالب الجميع بإحترام تلك الشرعية، في نفس الوقت الذي أجازت فيه حق جميع دول المعمورة بالحفاظ على سيادتها، وصيانة أمنها الداخلي، إتجاه اي محاولات لإنتهاك تلك السيادة أو تعريض ذلك الأمن للخطر..! فمن منظور العلاقات بين الدول، شكلت محاولة "خلية حزب الله" إنتهاكاً لحدود الجمهورية المصرية الشقيقة، بهدف القيام بأعمال، يفترض بمقياس حزب الله، أنها موجهة ضد عدو محدد، ترتبط معه مصر، بإتفاقيات دولية وحدود مشتركة وتمثيل دبلوماسي، الهدف منها تزويد حركة حماس، ومن خلال إختراق اراضي دولة مصر، بالدعم اللوجستي؛ وبالتالي فإن تبعات ما يمكن أن يحدث جراء ذلك الفعل، فيما لو تحقق، ما يؤزم الوضع في المنطقة، أو قد يجر الى عواقب غير محسوبة النتائج، في وقت كانت فيه الجمهورية المصرية مغفلة كلياً عن كل ذلك؛ فمن يا ترى سيتحمل مسؤولية تبعات تلك "النوايا الحسنة"..؟! كما وليس من الغفلة بمكان، أن يتناسى المرء، أو يتظاهر بالعمى، لما ستجره أعمال مثل تلك، إذا ما تحققت نتائجها على الصعيد التطبيقي، من تبعات خطيرة على الأمن اللبناني، حيث وكما يعلم الجميع ، أن دولة لبنان في هذه الحالة، تمثل الدولة المصدر التي تنطلق منها مثل تلك "الخلايا"، في وقت تلتزم فيه لبنان ببنود قرار مجلس الأمن رقم/1701 لعام 2006، الذي بموجبه تم وقف وإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان. وفي مقال سابق جرى البحث عن أهمية ذلك الإلتزام دولياً، على أمن وسلامة لبنان في محيطه الدولي.!(*) إن إلتزام لبنان هذا، قد فوت الفرصة على كافة التبريرات، التي ما أنفكت إسرائيل تتذرع بها للبدأ بالعدوان على لبنان وتكراره، ومنها بالذات التعلل بنشاط حزب الله في الجنوب، في وقت تأتي فيه مثل تلك النشاطات، من خلف ظهر الحكومة اللبنانية، أو حتى دون إشعارها بذلك، حتى ورغم ما يضفيه عليها حزب الله أو حركة حماس من "شرعية" و"معقولية"، تحت واجهة التعلل بمنطق و"سلاح المقاومة"..!؟(**) ولعل الأنكى في هذه العملية الأخيرة، أنها ليس فقط قد تجاوزت حدود لبنان، الملتزم بروح ونصوص قرار مجلس الأمن أعلاه حسب، بل ووضعت الحكومة المصرية في المحضور، ورتبت عليها الإعتراف بالأمر الواقع، دون أي إعتبارات أخرى من قبل المخططين و القائمين بها، لكل ما قد تنتجه مثل تلك العمليات، من تبعات خطيرة..!؟(***) فاين الحكمة وأين المعقولية يا ترى، في حشر دولتي مصر ولبنان قسراً في حالة الصراع المحتدم في المنطقة، وجرهما الى أتون مخططات الأجندات الإقليمية، التي أقل ما فيها، تأزيم الحالة الفلسطينية، وتعميق الشرخ الوطني، ومنح إسرائيل الذرائع والمبررات، للتنصل من إلتزاماتها الدولية، وتشديد عدوانها المتواصل على الأراضي المحتلة، في كل من لبنان وغزة والضفة الغربية..! ____________________________________________________ (*) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=73377 (**) http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=527609&issueno=11187 (***) http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=526919&issueno=11182
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |