|
الخــــــلافـة والولاية الفقهية.. نقاط مهمة
هذا البحث هوجزء من سلسلة بحوث متصلة فيرجى الانتباه. في حقبة القرون الثلاثة التي تلت قيام الدولة العباسية وتحول الأمم الإسلامية إلى نظم متعددة فكريا وسياسيا، فقد بدأت بوادر حركات فكرية وعقلية فظهرت فرق ومذاهب وفلسفات، ومعروف لدى الباحثين أن المسلمين لم يختلفوا في شيء بقدر اختلافهم على الحكم والخلافة وطبيعتها، وهوالأمر الذي جعل الشيخ علي عبد الرزاق يقرر رأيه فيرى أن مسألة الحكم ليست شأنا مقدسا وأن لا حق إلهي للحكام وأنه شأن شعبي يقوم على اختيار الناس، وهوفي كتابه يفند المزاعم التي ساقها الفقهاء لفرض طاعة الحاكم على الناس وتحداهم أن يأتوا بآية قرآنية واحدة تكفل لهم هذا الاستنتاج، وحتى الآيتان اللتان طرحهما البعض وهما ـ {{ 4 ـ 62 يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم}} والآية ـ {{ 4 ـ 85 ولوردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذّين يستنبطونه منهم}} لا تنهضان بالمعنى الّذي يسوقونه لأن تفاسير السنة كشرح البيضاوي والزمخشري تنصان على أن المقصود بها هم علماء كانوا في زمن النبي كما أنها تنحصر في شأن الدين دون النظام السياسي. غير أن من يعتقد بالولاية ونص النبي على علي بن أبي طالب خليفة من بعده وهم بالخصوص الشيعة الإمامية الجعفرية والشيعة الإسماعيلية والزيدية يتم مناقشتهم من جهة أخرى، فخليفة النبي هنا معصوم وإمامة المعصوم تختلف في أن الإمام غائب في عصرنا الحالي وبالتالي انفصل عالم التشريع الإلهي عبر المعصوم إلى العالم الزمني النسبي الذي يتساوى فيه الفقيه وغير الفقيه، من هنا كان النظام العلماني في الوسط الشيعي أكثر إلحاحا وضرورة منه في العالم السني الذي تبدوعقيدته كدين بلا هدف وقضية، بينما العقيدة الشيعية كما المسيحية واليهودية ذات عمق فلسفي آخروي تقوم على الفصل بين المطلق والنسبي لأن النسبي لا يمكن له أن يهيمن ويدرك المطلق اللا نهائي. إن الحكم مسألة إدارة وسيطرة ذات بعد زمني لا يشبه البعد الديني للقضايا الروحية، والنبي لم يكن ملكا ولا جبارا وكذلك كان علي إمام هداية رغم وجوده خارج السلطة وطاعته اختيارية ـ دنيويا ـ إجبارية آخرويا، بمعنى أن على الناس اتباعه اختيارا لا جبرا وقهرا، بينما تبقى الإشكالية الضبابية في الوسط السني الذي تهيمن عليه ثقافة الغلبة وحكم الأقوى وبعبارة أدق تشريع قانونية وشرعية القوة الغاشمة ومنها اشتهرت العبارة المعروفة لأحد الصحابة "نحن مع من غلب"، أي أن الناس يطيعون الأقوى وإن كان الأسوأ لهم بينما يقاتلون الأصلح وإن كان فيه خيرهم، بالتالي خرج الدين من طبيعته ليكون تابعا للسلطة يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها، فكان رجل الدين السني موظف الحاكم والسلطة طوال تأريخه وهويعكس رأي السلطة لا النصوص والمنطق. والشيخ عبد الرزاق ينكر زعم ابن خلدون من أن الأمة أجمعت على وجوب تنصيب الخليفة والإمام، وهوزعم يفتقر إلى الدليل، حيث لا النصوص ولا التاريخ يشهد به، واعتراضه سليم من حيث أن لا آية تشير إلى وجوب تنصيب الحاكم وما تجده من أدلة يستشهد بها الشيعة حول إمامة علي هومحط شأن مختلف بمعنى أن الإمامة هنا لا تشير إلى حكم إسلامي إلا بوجود المعصوم وهوغير موجود الآن، والبخاري في شأن ولاية أبي بكر ينقل عن عمر بن الخطاب بأنها كانت فلتة الحديث 6328 بمعنى أن الأمور لم تجري وفق تخطيط إلهي بل وفق عمل إنساني بحت وحديث عمر ذاته يتحدث مطولا عن الجدال الذي جرى بينه وأبي بكر وأبوعبيدة ـ ولم يكن هناك أي شخص آخر ممثلا عن المهاجرين ـ والأنصار الأوس والخزرج من جهة أخرى، من هنا تدل القرائن أن الخلافة شأن ابتدعه الناس وأظفى عليه وعاظ السلطان الكثير من التقديس والاحترام. والجدير بالملاحظة أن الشيخ علي عبد الرزاق استند إلى أحاديث طاعة البغاة والظالمين على أن هذه الأحاديث لا تعني شرعية الظلم والبغي ورغم أننا نعتقد أن أغلب هذه الأحاديث موضوعات من الأمويين والعباسيين إلا أن استنتاج الشيخ هنا مفيد من حيث قطع طرق التبرير التي تجيز لكل أحد الخروج على القانون والنظام تحت شعار المظلومية مع العلم لورفضوا الظلم سلميا وتعاونوا على إيقافه بالوسائل السلمية لأمكنهم ذلك، يقول الشيخ علي عبد الرزاق: أولسنا شرعا مأمورين بطاعة البغاة والعاصين، وتنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا وكان في مخالفتهم فتنة تخشى، من غير أن يكون ذلك مستلزما لمشروعية البغي، ولا لجواز الخروج على الحكومة. أولسنا أمرنا شرعا بإكرام السائلين، واحترام الفقراء، والإحسان إليهم، والرحمة بهم، فهل يستطيع ذوعقل أن يقول أن ذلك يوجب علينا شرعا أن نوجد بيننا الفقراء والمساكين. ولقد حدثنا الله تعالى عن الرق، وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء، وأمرنا أن نعاملهم بالحسنى، وأمرنا بكثير غير ذلك في شأن الأرقاء، فما دل ذلك على أن الرق مأمور به في الدين، ولا على أنه مرغوب فيه. وكثيرا ما ذكر الله تعالى الطلاق، والاستدانة، والبيع والرهن، وغيرها، وشرع لها أحكاما فما دل ذلك بمجرده على أن شيئا منها واجب في الدين، ولا على أن لها عند الله شيئا خاصا. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر البيعة والحكم والحكومة وتكلم عن طاعة الأمراء، وشرع لنا الأحكام في ذلك فوجه ذلك ما عرفت وفهمت. (الإسلام وأصول الحكم ص 125 ـ 126 ). إن هذه الإلتفاتة دقيقة بمكان وهي تكشف لنا بوضوح أن كل مزاعم الأحزاب الإسلامية حول شرعية الحكم الديني لا أساس ديني لها وأن مواقفهم التي خلطوا فيها بين الدّيني والسياسي أساءت إلى الدين أولا من حيث جعلته شأنا للنفاق السياسي والمراءات والمساومات كما أن السياسة فسدت هي الأخرى بفعل اختلاطها بالمقدس وبالتالي خلق هالة من التقديس حول الحكومة وأرباب السلطة وما إلى ذلك، من هنا فإن الشأن السياسي وهوذلك المنطق المتعلق بمتغيرات الواقع والمصالح جعلت من الدين وهوذوالارتباط بالمطلق الذي لا يمكن نيله إلا عبر التجربة الفردية، إذا به شأنا نسبيا ومحدودا وناقصا، لكن حينما يتم فصل الدين عن المحدود فإن الواقع يتغير لصالح التجربة الدينية الناجحة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |