خــــــلافـة والولاية الفقهية .. نقاط مهمة (ح 2)


سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

هذا البحث هوجزء من سلسلة بحوث متصلة فيرجى الانتباه.

طوال التاريخ الإسلامي كان السنة على الدوام يقفون مع الحكومة والسلطة بينما كان الشيعة الجعفرية الإمامية والإسماعيلية ـ باستثناء قيام الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ـ في صف المعارضة، بالتالي لم يحصل إجماع المذاهب على الخلافة كما أن أرباب الفقه السني إنما أعطوا الشرعية للحاكم مجاملة ولأهداف مصلحية، يقول الشيخ على عبد الرزاق:

"زعموا وقد فاتهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم "أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على امتناع خلوالوقت من إمام، حتى قال أبوبكر رضي الله عنه في خطبته المشهورة، حين وفاته عليه السلام، ألا إن محمدا قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يزل الناس على ذلك، في كل عصر إلى زماننا هذا، من نصب إمام متبع في كل عصر" (الإسلام وأصول الحكم ص 126 نقلا عن المواقف وشرحه).

فهذا الموقف الذي ينطلق من عمق المذهب السني يوضح بما لا لبس فيه أن الحكم شأن علماني لا علاقة له بالفرائض والأصول الدينية، فالسنة هنا أمام خيارين، إما أن خلافة أبى بكر كانت فلتة ـ وهوما قاله عمر ـ وبالتالي لا يوجد نص شرعي يوجب تنصيب الخليفة وأننا نعود إلى نظرية النص (الشيعية) وهوما يرفضه السنة بالتأكيد، من هنا كان من الممكن عزل الدين عن الاستغلال السياسي شيعيا وسنيا، ولكن بسبب التراث المتراكم من التدين السياسي وتحول الدين إلى وسيلة لقمع الآخرين، نجد أن الحكومات الدكتاتورية تنفخ وتذكي نار التطرف الديني لكي يسهل عليها أن تقوم بإنشاء قوائم طويلة للممنوعات والمحظورات وبالتالي قمع المجتمع عبر خلط الديني بالسياسي وهوما نشاهده بوضوح في النموذجين السعودي والإيراني الذي يقوم بقمع الشعب تارة بدعوى الدين وتارة بحجة الإخلال بالنظام السياسي، وهنا من المهم مرة أخرى أن نلاحظ أن العلوم السياسية لم يكن لها حظ كبير في العالم الإسلامي وبالتالي بقيت السياسة ونظم الحكم مدار احتكار فئة من الناس، يقول الشيخ علي عبد الرزاق:

من الملاحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين أن حظ العلوم السياسية فيهم كان بالنسبة لغيرها من العلوم الأخرى أسوأ حظ، وأن وجودها كان أضعف وجود، فلسنا نعرف لهم مؤلفا في السياسة ولا مترجما، ولا نعرف لهم بحثا في شيء من أنظمة الحكم ولا أصول السياسة، اللهم إلا قليلا لا يقام له وزن أزاء حركتهم العلمية في غير السياسة من الفنون." (المصدر السابق: ص 127 ).

والجدير بالملاحظة وهوما لم يطرحه الشيخ هوأن المسلمين رغم اهتمامهم بالعلوم اليونانية من فلسفة ومنطق غير أننا لا نستبعد أن الحكومة والسلطة هي التي أوعزت إلى العلماء والمترجمين، هؤلاء غالبا ما كانوا موظفين لدى الحكومة، بأن يتجاهلوا البحث في الشأن السياسي، كما أن الاهتمام بعلوم اليونان ضعف مع هيمنة العقل السلفي وبداية قيام الهجمة السلفية على المنطقة في عهد صلاح الدين الأيوبي الكردي ـ ذبّـاح الشيعة ـ وأصبحت الفلسفة ما بعد الغزالي "عدوالعقل" زندقة وكفرا يجب اجتنابه والقضاء عليه، فالمسألة هنا ليست ضعفا للمسلمين في جانب من جوانب العلوم بقدر ما هوضعف عام يتجاوز موضوعة السياسة وأنظمة الحكم، وكلما ضعفت الفلسفة في أي أمة اضمحلت سائر العلوم العقلية وهيمن منطق "الغيب"لتفسير كل الحقائق تفسيرا سمجا سطحيا لا يحتاج كبير عناء.

إن كتاب الإسلام وأصول الحكم الذي يبدوبوضوح كتابا سنيا بحتا ـ فهوينعت الشيعة بالروافض وينعت الفرق الأخرى بالضلال ـ إلا أنه هز العالم السني لرفضه ارتباط الدين بالسياسة وبالتالي كان من الممكن أن يتجاوز الجميع في المنطقة، الشيعة والسنة والأديان والمذاهب الأخرى، مشاكلهم وخلافاتهم عبر إقامة نظام علماني يعطي لكل مواطن حقوقه، وهوما تحقق بالفعل على الأرض التركية، ولكن أنظمة الحكم الفاسدة في المنطقة أرادت الاستفادة من المشكلة الطائفية وبالتالي خلقوا صراعا داخليا أوقف مسيرة التطور وأصبحت هنالك مشكلة طائفية في كل بلد إسلامي وشرقي مسلم بالتعبير الأوضح، فالعلمانية غالبا ما تصور من قبل الإسلاميين على أنها عدوة للدين وأنها ستعني منع الناس من التدين، وهذه كذبة أثبت الواقع بطلانها فالمسلمون في كل بلدان العالم العلمانية يملكون حرية التعبد وممارسة الطقوس الدينية بينما في بلداننا يعتبر كل خارج من المذهب والدين مواطنا من الدرجات الدنيا وعليه أيضا أداء واجبات أكثر من غيره.

إن الخلافة لم تقدم للعالم الإسلامي شيئا مفيدا وإبداعا حقيقيا تستفيد منه البشرية ولم ير المسلمون من الخلافة إلا أوامر توجب الطاعة وضرائب واجبة الجباية وتبعية حتى في الفكر والإيمان والعقيدة، يقول الشيخ علي عبد الرزاق:

لا نشك مطلقا في أن الغلبة كانت دائما عماد الخلافة، ولا يذكر لنا التاريخ خليفة إلا اقترن في أذهاننا بتلك الرهبة المسلحة التي تحوطه، والقوة القاهرة التي تظله، والسيوف المسلطة التي تذود عنه" المصدر نفسه ص 129

الصراع كان صفة ملازمة للخلافة وكان يؤدي إلى صراعات داخلية أيضا، كما في صراع الأمين والمأمون وسلاطين آل عثمان الذين كانوا يقتلون إخوتهم بحجة الحفاظ على وحدة الكلمة، وكان من جملة ذلك أن قتل السلطـان محمد الثاني الفاتح 19 من إخوته في يوم واحد، ففي ظل هذه الجرائم المشينة أصبح واضحا للمسلمين حتى في تلك العصور أن نظام الخلافة نظام فاسد ولا شرعية له.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com