مهنة السياسة في الوعي العراقي القديم والجديد .. رؤية نقدية ؟!

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

منذ زمن وملاحظتي لاتنقطع في رصد ظواهر مجتمعنا العراقي، ولسبب وآخر لا اعلم ماهو ابتلاني الله سبحانه وتعالى بحب رصد هذه الظواهر الاجتماعية والكتابة حولها !.

والحقيقة ان ظاهرة ترك العراقيون لمهنهم الاصلية في الحياة وميلهم الشديد للعمل في الحقل السياسي من الظواهر الملفتة للنظر والبارزة في مجتمعنا العراقي بصورة خاصة، حتى ان اي فرد بامكانه ملاحظة هذه الظاهرة في التاريخ وحتى اليوم مما يدفعني وغيري للتساؤل حول هذه الظاهرة، ولماذا العراقيون بالذات يعشقون العمل في السياسة بشكل هستيري غريب وعجيب، وحتى وصول احدهم للتنازل عن جميع شهادات العالم لديه في سبيل ان يصبح سفيرا للدولة في هذا البلد او ذاك من بلدان العالم القريب والبعيد !!!.

طبعا هو ليس هناك مايمنع لاعرفيا ولاقانونيا ولا اخلاقيا ايضا ان يعمل الانسان في ملعب السياسة مع انه هناك مانع تنظيمي في الحياة، ولكن ان يترك الانسان مثلا مهنة الطب التي هي ارقى مهنة انسانية ولاسيما منها طبّ الاطفال او النساء او اي تخصص في مجال الطبّ هذا ليتحول وبين عشية وضحاها لنجده مستشارا في الامن الوطني او زعيم حزب سياسي او سفيرا للدولة في احد سفارات العالم البعيدة ..... مثل هذه الظواهر لاسيما ان كانت متكررة بكثرة وغيرها تدفعنا دفعا للغرابة والسؤال حول : اذا كان الدكتور الذي درس الطبّ وقضى الليالي الطوال في المشقة والتفوق وصرفت عليه الدولة قوت الشعب وامواله لتصنع منه جراحا عظيما ثم بعد ذالك يهجر وظيفة الطبّ بسهولة وبلمح البصر ليصبح مخادعا سياسيا في الصباح وفي المساء، الا يستدعي ذالك حقا السؤال والغرابة ؟.

بمعنى آخر اليس غريبا ان يكون توجه الانسان العراقي كل حياته في طريق تحصيل العلم والتفاخر بانه من حملة الشهادات ثم وفي نهاية الطريق نجده سياسيا في البرلمان العراقي او رئيسا للوزراء او وزيرا للخارجية يعقد الصفقات ويذلل العقبات ويكتب التقارير لوزارته والتعليمات؟.

واذا كان الاطباء يهجرون مراكزهم الطبية ليصبحوا في العراق الجديد سفراء، وكذا المهندسون بدلا من بناء المدن في العراق والتخطيط لها يصبحون رؤساء للوزراء، وهكذا المحامون يتركون قضايا الخلق ومشاكلهم ليرفعوا عقائرهم دفاعا في البرلمان عن احزابهم ومشاكلها السياسية التي لاتنتهي، ثم بعد ذالك خبراء الطاقة الذرية ويليهم خبراء الميكانيك، وهكذا الصيادلة ولاننسى مهندسي الوراثة الزراعية .....الخ، اذا كان كل هؤلاء يرغبون في العمل بالحقل السياسي فمن للمرضى يشفيهم وللبلد يعمرها وللقضاء يحقق العدالة فيه وللطرادات ان يشغلها لتخصيب اليورانيوم وللكيميائيات ان يصنع منها الادوية والترياقات، وللارض يستصلحها بدلا من استيراد المواد الغذائية من اسرائيل ؟.

أعني اذا كان كل الاختصاصات العلمية اصبحت سياسية، ولايقبل السياسي في العراق الجديد اذا لم يكن من حملة الشهادات وخصوصا منها العليا حتى تكمل الدائرة فهل يبقى معنى لان نتسائل عن : لماذا بلدنا خربة مهملة واطفالنا يقتلها السلّ وتموت ومصانعنا لاتعمل وارضنا لاتنبت ومياهنا لاتجري بصورة طبيعية ..... الخ ؟.

ومادام كل العراقيين توجهوا بقرار لااعلم اسبابه في الحقيقة ليكونوا سياسيون لاغير، فهل نعجب بعد ذالك اذا اصبحنا اعظم دولة بتصدير الشقاق السياسي والنفاق الحزبي للعالم باسره، واكبر قطر فيه احزاب وماسي، واعقد امة بعدم اتفاقها على منهج سياسة في الحياة موحد ؟.

ماهذا الهوس السياسي في دماغ الانسان العراقي حتى يدفعه لترك ارضه بلا فلاحة ليصبح عضوا في الحزب الشيوعي مثلا ؟.

وماهذه اللوثة التي تدفع مرضعة اطفال لهجران معملها الفسلجي لتتحول الى كادر في الحزب الوطني الديمقراطي ؟.

وماهذا العقل الذي يحبذ ان يترك الدكتور عيادته ليتحول الى منافق في احد وزارات الداخلية لكتابة التقارير على البشر كيف تنام في اسرتها اليومية ؟.

ياجماعة اليست ظاهرة ملفتة للنظر ان يترك كل صاحب مهنة في هذه الحياة مهنته في العراق القديم والجديد ليتدافع الكلّ العراقي على العمل السياسي لاغير ومن ثم بدلا من انتعاش البلد بكوادره وتخصصاته العلمية لتتحقق نبوءة علي بن ابي طالب في (قدر كل امرء مايحسنه ) نتحول وتحت ضغط هذه الظاهرة الغريبة العجيبة الى مجرد مصنع كبير ينتج بضاعة واحدة لاغير هي السياسيون المؤدلجون بكافة تلاوينهم القوسقزحية المتعددة الالوان الثلاثمائة فحسب ؟!.

هل في السياسة شيئ لايوجد في مهنة الهندسة بكافة فروعها المعمارية والميكانيكية وغير ذالك يدفع المهندس لأن يتبرأ من الهندسة وعملها الطبيعي في بناء البلدان ليفتخر انه عضو في الحزب الجمهوري مثلا ؟.

أم ان في السياسة ماهو ارقى موقعا واكثر قيمة انسانية من مهنة الطبّ مايدفع حملة شهادة الدكتوراه لئن يلعن الطبّ وايامه ويلتحق بالسياسة ودرجاتها الحزبية ؟.

ثم كيف لي ان افهم ان شيخ العشيرة لايستقر له قرار حتى يصبح عضوَ برلمان في عالم السياسة والادارة ؟.
ومن للعشيرة وادارتها ان هجرها ولي النعمة ليلعب باصواتها لاغير في محافل الانتخابات واوراق الصناديق وكوتة شيوخ العشائر في برلمان العراق الجديد !.

لااشك انني قبل ان اجيب على هذه الاسألة سوف اجد نفسي من كبار الخونة والمنغلقين ودعاة الاقصاء السياسي، او ربما الداعين لعدم مشاركة تلاوين الشعب المتعددة وكفائاته التكنوقراطية الاكاديمية في العمل السياسي العام من وجهة نظر جميع حملة الشهادات داخل اروقة العمل السياسي العراقي الحديث، ولكن بربكم أليس غريبة هي هذه الظاهرة حتى اصبح الدين بلا علماء له لانشغالهم بالسياسة والتنظير والكتابة حولها، واصبح المرضى بلا اطباء لسفرهم خارج العراق كسفراء في الحقل الدبلماسي، واضحى العراق بلا بنائين بسبب ان جميع المهندسين يتطلعون لان يكونوا برئاسة الوزراء، وحتى الميكانيكيين ومغادرتهم المصانع، وكذا الصيادلة والمحامين وعمال النظافة في البلديات وتجار المخدرات ......... والشحاتين فقدناهم ايضا من شوارعنا بسبب انتمائاتهم الطبقية السياسية التي تناضل من اجل التغيير السياسي في العراق الجديد وترك مهنة الشحاتة وتوزيع الحسنات وغرف الجنة على المحسنين !!.

الان ربما الشحاتين هم الاحق بالتطلع للعمل السياسي لرفع مستواهم الطبقي والمعيشي، لكن ما الذي يشكوه التاجر من عمل التجارة ليهجر التجارة وارباحها ومنافعها ويحاضر بخلية سرية لمؤامرة انقلاب على الدولة ؟.

يبدو ان الحالة الطبيعية ان يترك جميع الناس مهنهم ليعملوا فقط بالسياسة وان الغريب في الامر هو الدعوة لأن يلتفت كل صاحب مهنة في هذه الحياة لمهنته ليتقنها لتسير الحياة كرقاص الساعة في النظام والتناسق والانسجام في العمل، ولذالك اصبح الطبيعي هو عدم وجود اي شيئ في العراق ماعدى السياسي وحزبه، والغير طبيعي هو ان تقسّم وظائف الحياة لتعمر الاوطان بحب البلدان وطلب رضى الرحمن !!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com