|
الانترنت عالم التورخة الانسانية الجديد .. أعرف عدوّك!
حميد الشاكر
في السابق وقبل ثورة الانفتاح في الفضاء الاعلامي والمعلومة الانترنيتية كان من الصعب معرفة شيئ قيّم ما في هذا العالم، من الصعب (مثلا) معرفة شكل العالم او علومه او اخلاق بشريته او فضائات الثقافة فيه، او تقاليد شعوبه، وكذالك عندما تريد معرفة نظرية علمية او فكرة سياسية او اطروحة اقتصادية كان عليك في السابق ان تسافر الاف الكيلومترات وتدرس لسنوات متطاولة لتدرك ماعند الاخر من فكر وثقافة ومعلومات ومن ثم لتعود بها كجديد لعالمك القديم المنعزل عن البشرية، وكذالك اذا اردت ان تعرف شخصا ما تحاول التعرف عليه او على تاريخه او ملابسات حياته المعقدة سواء كان هذا الانساني مفكرا او كاتبا او سياسيا او عالما ... او حتى مجرما سارقا او لصّا متاجرا او غير ذالك فكان عليك ان تبحث في منظومة انسانية كبيرة جدا لتلتقي بها وتسأل عن الشخص المعني والمحيط الاجتماعي الذي كان او لم يزل يعيش معه ...... وهكذا كانت هي معاناة الانسان ماقبل الانفتاح على شبكة الانترنت المعلوماتية الكبيرة وما تسببه هذه الغيبوبة في المعلومة من انقطاع تواصل طبيعي بين الانسان والانسان الاخر والانسان والمكان والانسان والمعلومة ومن ثم حتى الانسان وذاته هو شخصيا !. أما اليوم ومن خلال توفر منظومة الاتصال المعرفية للانترنت فأنت وانا امام منظومة لاتصدق في السرعة للاطلاع على اي معلومة عالمية قد اتصلت بهذه الشبكة العنكبوتية الانسانية، وبكافة انواعها البشرية، وما عليك الا كتابة وذكر الجهة التي تحاول معرفتها او التعرف عليها او اخذ فكرة عنها .... على محركات البحث الانترنيتية، وستجد امامك (( حميد الشاكر )) من يكون ؟. مثلا وماتوجهاته الفكرية والسياسية ؟.ومنذ متى وهو يكتب ويتصل بالانترنت ؟. ومن هم اعدائه في حيز الفكر والتوجهات الايدلوجية ؟. وكيف تطوّر فكره بين مراحل الزمن ؟. ولماذا ارتدّ او تقدم في فكره ؟......الخ، وحتى نصل جميعا الى معرفة وافية شاملة عن هذا الانسان او ذالك، او المكان او ذالك، او الزمان اوغيره في هذه الحياة، لنشعر فيما بعد جميعا اننا اقرب مما نتصور لكل شيئ في هذا الوجود !!!. في التاريخ ورجاله في الدين وعلمائه وفي الاقتصاد ومنظريه وفي السياسة وقادتها وفي الفكر وكتابه ..... كل هذا هو سجل بسيط داخل الشبكة العنكبوتية نطلع عليه عند الحاجة والضرورة، ومن هنا فليس هناك صعوبة بعد اليوم عندما نريد ان نسأل او نتعرف على اي انسان في هذا العالم الجديد المسمى عالم الانترنت !. شخصيا عندما ادخل على هذه الشبكة العنكبوتية للبحث والتنقيب عن تاريخ اي مادة او شخصية انسانية اصاب في بعض الاحيان بالدهشة عندما اكتشف سعة هذا الفضاء العلمي الذي يوفر اي مادة من جهة، ويعطيك ملامح التغّير من خلال الانترنت على هذا الكاتب او ذاك من منطلق اهتمامي بالكتّاب في العصر الحديث، كما ان الانترنت اليوم هو مساعدي الوحيد في رصد اي حالة تطور او نمو او تدهور او ارتداد لهذا القلم الانساني او ذاك، وكم ادركت كتّابا سياسيين وغير سياسيين وكيفية تقلباتهم العجيبة والغريبة بين مقال سياسي كتبه قبل ثمان سنوات ومقال كتبه قبل اسبوع مثلا ليدلل لنا الانترنت وليس اي شيئ اخر على سعة التغيير في عقلية هذا الكاتب اوذاك !!. وحتى أنا شخصيا اتلمس في كتاباتي عند الرجوع لها مع بداية الثورة الانترنيتية في تسعينات القرن المنصرم وحتى اليوم كيفية التغير الواضحة للاحسن او للأسوأ في هذه الكتابات التي تنوعت في مواضيعها كما تنوعت في ردود الافعال عليها وماسببته من تنوع للمشاكل ايضا !. نعم في زوايا بعيدة جدا لم اكد ابصرها في شخصيتي الفكرية والثقافية والنفسية عندما اطلعت عليها بعد سنين من خلال هذه الشبكة المعلوماتية، وبعد ان تغير الزمان من حولنا اكتشفت ابعادا اخرى لم اكن لالتفت اليها في حياتي لولا ان هذه الشبكة قد احتفظت بها من خلال ذاكرتها الحديدية لتعيدها عليّ من جديد بشكا اخر ومختلف ومن ثم لاقرأ شيئا مختلفا جدا عن ما اعرفه اليوم عن شخصيتي الثقافية وتاريخها البسيط ومراحل تغيرها او ثباتها العجيبة الغريبة !. وكذالك عندما اردت ان احصي الاسماء العراقية (مثلا) منذ ما قبل التغيير السياسي في العراق الجديد وما بعده، من كلا الفريقيين الذي ساهموا فكريا واعلاميا وسياسيا بهذا التغيير حتى اسقاط الطاغية الصدامي في العراق في 2003 م، والذين وقفوا بالضد من تحرير الشعب العراقي من كابوس الطاغية، وساندوا الوضع الصدامي الذي كان قائما، .......الخ وجدت الشيئ العجاب في هذه المعادلة الانترنيتية الغريبة الكئيبة التي لم تنسى اي اسم من الاسماء اللامعة والمغمورة مع نتاجاتهم الفكرية والسياسية والادبية !!. وجدت اناسا بالامس القريب لم يكتبوا حرفا واحدا ضد الدكتاتورية في زمن هيلمانه وطاغوته، لكنهم اليوم في ارفع مناصب العراق الجديد مع لسان طويل عن كيفية نضالهم العتيد ضد دكتاتورية صدام الاجرامية قبل السقوط وبعده !!. وجدت اناسا وكتّابا واصحابَ قلم وفكر كانوا من اشد المناهضين لحكم البعثية المقبورة واكبر المناهضين لوجوده العفلقي واكبر المضحين في هذا السبيل، هم اليوم يقبعون في زاوية من زوايا الامكنة البعيدة الباردة بلا حتى الاشارة او ان يقال لهم شكرا على تضحياتكم الكبيرة من اجل صناعة عراق جديد لاطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه !!!. وجدت اناسا وكتّابا واسماءا وو.. واصحاب قلم كانوا من العتاة ضد المعارضة العراقية السابقة التي كانت ضد نظام الحكم الصدامي المباد، ومن اشد المخربين لكل تحرك معارض يريد الاطاحة بصدام وتحرير الشعب العراقي من طغيانه، هم هم اليوم قادة احزاب سياسية في العراق الجديد ولهم الصدارة في ادارة دولة العراق الجديد مابعد صدام حسين !!!. وجدت اناسا ليس لهم لافي العير ولافي النفير لاقبل ولابعد نظام صدام حسين، هم من لهم الشنّة والرنة في عراق اليوم الذي صنعته اقلام وجماجم ودماء وحبر كثير من العراقيين في الداخل والخارج !!!. الحقيقة ان هذا نموذجا سياسيا عراقيا بسيطا للخدمة الانترنيتية العنكبوتية التي من خلالها نحتفظ بذاكرتنا السياسية حيّة بلا نسيان عندما نريد معرفة اختلاف حقبتين وزمنين في كل شيئ في هذا العالم، او نريد معرفة هذا او ذاك من البني آدميين، او نريد ان نقيّم اي شيئ في عالمنا الحديث مابعد الانترنت بل انه النموذج الذي ينعش لاي امة تريد عدم اصابتها بداء ومرض النسيان لتاريخها ونضالها وتضحياته ان ترجع لهذا الارشيف التاريخي لتدرك من كان هو في صفّ تحريرها وعزتها وخروجها من تنّور العبودية لجنة التحرر، ومن هي الجهات التي كانت بالضد منها ومن تطلعاتها، لتساند فيما مضى الطغيان والدكتاتورية، ولتجني ثمار التحرر والعراق الجديد بلا ادنى حياء من تناقض وازدواجية الامس واليوم في مواقفها السياسية !. نعم من خلال الانترنت وشبكة المعلومات العالمية اصبح العالم كله تحت اصبع سبابتك الصغير، ولابعيد فيه ابدا عن المكان الذي تجلس فيه، والمربع الذي تشغل حيزه بدماغك هو اخر نقطة وصلتَ اليها بالفعل في هذا العالم، ولكن ورغم ذالك كله لم يزل هناك اناس لايعرفون الانترنت، وهناك اناس لايستحون اصلا من وجوده اذا حاولوا الكذب والخداع، بل هناك امم من التنابلة لاترغب حتى بوضع اي اسم او معلومة او تاريخ او نظرية ..... على محركات البحث الانترنيتية لتلمسها بهذا الاصبع لتدرك العدو من الصديق او تدرك المثقف من الجاهل او تدرك الجميل من القبيح في هذا الكون، فماذا عسانا بعد الانترنت ان نفعل بالقوم الذين لايعقلون وان هم رغبوا ان يكونوا كالانعام بل اضلّ سبيلا !!!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |