من مالك الحزين إلى المالكي السعيد

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

أكتب لك هذه الرسالة، لا من فوق الماء، ولا من تحته، بل على الطين، وعلى عجل، قبل حلول الجفاف التام.

بالأمس وصلتنا آخر شحناتكم من الرؤوس المقطوعة، والأجساد المشوهة، فكثرت الغربان، وقد عشعشت فوق أبراجكم العالية، التي انطفأت فيها الحياة، ولم تعد تصدر الشرر، فهل اظلمت دياركم من جديد؟ وتؤكد العصافير بأن الأسلاك لا يسمع لها طنين، أترى شلت ألسنتكم عن الكلام؟ لعل حكم الطاغية عاد من جديد.

اسمع وانصت، فليس الهدهد بأعلم مني، ولست أنت بأحكم من النبي سليمان عليه السلام، وقد خاطب الأول الثاني: (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍيَقِينٍ)، وياليت لك من الأعوان بمنزلة الهدهد في المعرفة والاخلاص في العمل.

أنا مثلك مهاجر عائد، ولكني وعلى النقيض منك، لم أعد للماء وحده، ولا لطمأنينة أعشاش البردي ولا للحم سمك مما أشتهي، بل شدني الحنين للأهل، العائدين للأرض والماء بعد فراق طويل، فلا جنة من دون سكانها.

لقد جئتك من أمريكا بنبأ يقين، فهل تعلم بأن لديهم قانون فدرالي، يحرم العبث بأعشاش الطيور، وبالتحديد الطيور المستوطنة لا المهاجرة، بل لو أن قطة أمريكي هجمت على عش لمالك حزين في أمريكا لتعرض صاحبها للمسائلة القضائية، اما أنتم فقد تركتم الغزاة، الآتين من وراء البحار، يعبثون بأعشاشكم، فهل غيرة الطيور على أعشاشها اقوى من وطنيتكم؟ 

لا يجرؤ أحد على غزو أعشاش مالك الحزين وهم حاضرون، بل أنا أهجم على الأمريكان في عقر منازلهم، لاختطف أسماكهم من برك حدائقهم.  

بالأمس وبعد شح الماء باغتتنا الأفاعي والثعابين من الصحراء في الشرق والجنوب، تبتغي قتلنا نحن معشر مالك الحزين، والتهام فراخنا، فلم أفزع ولم أستسلم أو أفر، بل هجمت عليها، ومزقتها إرباً إرباً، وأطعمتها لفراخي، فهل فعلتم بالأفاعي والثعابين البشرية التي أتتكم من وراء الصحراء مثلنا؟

اليهود أيضاً يهابوني، وقد صنفوني مع النسور والصقور، وغيرها من الطيور والوحوش الكاسرة، التي تأكل الميتة، وهم كاذبون، فأنا استنكف من تناول الجيف، ولعلك لا تدري ماهو اسمي في لغتهم العبرية، إنه "الأنفة"، واقرأ ما يكتبون عني:

Heron ranked among the unclean birds. (Lev. 11:19; Deut. 14:18)The

Hebrew name is _'anaphah_, and indicates that the bird so named

is remarkable for its angry disposition...

والأنفة مصطلح مشترك بين اللغتين العربية والعبرية، واطلقوا علي هذا الاسم لأني صاحب حمية وأنفة وسريع الغضب، فهل مالك الحزين اكثر أنفة منكم؟ ومن منكم لا يريد أن يكون قومه هم المعنيون بشعر الحطيئة:

         قوم هم الأنف والأذناب غيرهم            ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا  

 وبعد فهل أنا الحزين وأنتم السعداء؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com