|
انتخابات كوردستان العراق .. انتصار للجميع
فوزي الاتروشي/ وكيل وزارة الثقافة المسافة بين الحلم والحقيقة تقلصت ومثلما اصبح ممكنا ان نرى ان انقاض وخرائب كوردستان العراق اختفت واصبح البناء والعمران والتوجه السريع نحو المستقبل هو العنوان العريض للمشهد الاقتصادي في الاقليم فأن التطور السياسي حقق طفرة نوعية اخرى من خلال الانتخابات الاخيرة التي شكلت بحق انتصارا وفوزا للجميع دون ان يكون ثمة خاسر. المواطن في الاقليم شارك في القرار وتحول الى قوة ضاغطة على الاحزاب المتنافسة وابدى وعيا انتخابيا رفيع المستوى من خلال المفاضلة بين البرامج الانتخابية فكان صوته البارومتر الحقيقي لمكانة ومصداقية التحالفات الانتخابية، فصوته كان قويا ومؤثرا وحاسما في توزيع مقاعد البرلمان ونسبة المشاركة في الانتخابات كانت باعثة على الانشراح الكبير، وهذا يعني ان سكان الاقليم يعولون كثيرا على اللعبة الديمقراطية ويعتبرونها ممارسة جدية وليست شكلية وهذا ما حدث. القائمة الكوردستانية ربحت على عدة اصعدة فهي قائمة الحزبين الكبيرين العريقين في النضال السياسي والعسكري والفكري ضمن تاريخ النضال التحرري الوطني الكوردستاني ومع ذلك فأجمل مافي قيادة هذه القائمة انها ارتضت بنسبة (59%) واحترمت ارادة المواطن وذلك اعتراف جميل على ان مسيرة التجربة الكوردية منذ انتفاضة ربيع عام (1991) ولغاية الان اذا كانت حافلة بالانجازات فأنها بالمقابل مقرونة ببعض السلبيات التي رأها المواطن بعين ثاقبة وعبر بصوته عن طموحه لمنع تراكم التشوهات على التقاسيم الجميلة لهذة التجربة التي ولدت بفعل ارادة سكان الاقليم وبتضامن دولي اممي رائع في نيسان عام ( 1991) اثر صدور القرار الدولي الانساني المرقم (688)، والقائمة الكوردستانية حققت فوزا معنويا كبيرا في قلوب السكان لآنها لم تلجأ الى العنف او الاكره والاجبار او التضييق على القوائم الاخرى رغم كل ماتملكه من مصادر القوة والسلطة والثروة وبذلك بعثت برسالة قوية جدا وبراقة الى الغالبية العظمى من دول العالم العربي التي تعتبر الانتخابات مجرد حفلة بيعة للرئيس ونتائجها معروفة سلفا وهي دائما 99% لذلك فان الانتخابات الاقليم دشنت واقعا جديدا يعني ان الانتخابات كما في اوربا اختبار وامتحان وليست اعادة البيعة والفوز بعد الغش والتزوير في الاوراق والاصوات. نجح الاقليم بكل القياسات في فرز حكومة قوية فيها شخصيات ذات ماضي عريق وقادرة على كسب ثقة المواطن بأنتظار الدورة الانتخابية القادمة ، وايضا فرز معارضة قوية مؤثرة ونشطة لمراجعة اداء الحكومة بعيون ناقدة بناءة تلتقي مع الحكومة في الثوابت الوطنية وتختلف معها في أليات التطبيق وفي النظرة الى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وهذا هو صلب الديمقراطية . وضمن المنتصرين كانت هناك المكونات القومية والدينية في الاقليم لأن صوتها ممثل ومضمون في البرلمان وهي تملك فضاءا واسعا لحرية التعبير عن نفسها سياسيا وثقافيأ وهذا يعني ان التعددية على ارض كوردستان العراق ستكون سمة بارزة وان العودة الى الثقافة والسياسة والفكر الاحادي غدت مستحيلة لأن تلك مقبرة الديمقراطية التي هي بالاساس ممارسة وسلوك وثقافة وقوانين تطبيقية وليست مجرد شعار مناسباتي وخطب رنانة ايديولوجية وخداع للمواطن كما في غالبية الدول العربية مما ادى الى تراجع التنمية الاقتصادية والبشرية الى مستويات مخيفة كما تؤكد التقارير السنوية للامم المتحدة ناهيك عن مستوى حقوق الانسان التي جعلت المواطن في العالم العربي أسير القمع بعيدا عن هواء العصر ونسائمه التحررية . وفي انتخابات الاقليم انتصرت المرأة الكوردستانية وهي تستحق ذلك بجدارة فقد اصبحت جزءا َاساسياَ في برامج القوائم الانتخابية ولم يعد بمقدور احد ان يتجاهل الامها وامالها حيث لا ديمقراطية في ظل تغييب المرأة وهي نصف المجتمع بل واكثر، لقد قالت المرأة في الاقليم الكلمة الفصل على انها قادرة ومهيأة وجديرة بتغيير دورها وصورتها في المجتمع الكوردستاني وان مجتمع الذكورة وهيمنة الرجل ظاهرة غير حضارية وبدائية وينبغي ان تختفي مثلما ان ما يسمى القتل (غسلا للعار) هو العار الحقيقي الذي يلحق الرجل وهو يقدم على جريمة قتل عمدي مع سبق الاصرار والترصد فكم كان الاديب الفرنسي (لامارتين) صادقا حين قال ان (درجة تقدم المجتمع تقاس بمدى تطور وضع المرأة فيه). في الانتخابات فاز العراق ايضا لان في بقعة منه وهي كوردستان ثمة امن وسلام وتنمية وغياب للارهاب وثمة ممارسة ديمقراطية مضت دون اختلالات ومشاحنات وصراعات ودون قتلى وجرحى.ما يعني ان الانتخابات النيابية القادمة في العراق لديها الان نموذج ناجح نقتدي به. اما العالم المتحضر والمجتمع الدولي فكان فائزا كبيرا في هذه الانتخابات لذلك عبر الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والمنظمات الحقوقية في العالم عن ارتياحها لهذا العرس الانتخابي وهذه الجهات لها كل الحق في التضامن مع انتخابات كوردستان لانها هي التي اسست للحالة الكوردية بعد انتفاضة عام 1991 حين انشأت لاول مرة في التاريخ (المنطقة الامنة) في كوردستان العراق لمنع النظام السابق من مواصلة قمع سكان الاقليم وطبعا نجاح تجربة انشاء المنطقة الامنة يعني ان المجتمع الدولي يستطيع تطبيقها في مناطق اخرى تعاني من الدكتاتورية . واخيرا نقول ان السيد (مسعود البارزاني) بهذه الانتخابات اغنى واضاف الى رصيده الاعتباري والمعنوي الكثير وراكم مصداقيته الكبيرة اصلا في المجتمع الكوردستاني ، فالرجل بكل تاريخه النضالي لم يرضى ان يكون المرشح الوحيد ونزل الى ميدان المنافسة مع كل المرشحين الاخرين لرئاسة الاقليم ولم يلجأ الى أي اسلوب غير حضاري يؤثر على اجواء الانتخابات التي ظلت نقية وصحية. ونسبة (69%) من الاصوات التي حصل عليها الرئيس (مسعود البارزاني) هي اصوات حقيقية تعبر عن الثقل الجماهيري الذي مازال يتمتع به، وهذه النسبة اهم بكثير من نسبة (99%) التي دأبت الانظمة العربية على اهدائها للرؤساء وهي تعلن علم اليقين ان ديمقراطيتها زائفة وان خطاباتها سراب وان الرؤساء الى الابد موديل قديم ومتهرأ لفظته الحضارة، فتحية للرئيس (مسعود البارزاني) وللرئيس (الطالباني) وللقائمة الكوردستانية التي كتبت بالدم والدموع فصول الثورة في كوردستان وها هي تأبى الانفراد بالسلطة وتبني الديمقراطية في منطقة تستحق ان تظل عالقة في الضمير العالمي كصرح ديمقراطي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |