|
نحن ووطننا الجريح والحلول ـ 2/1ـ
قرطبة الظاهر نحن، شعب الدولة ومآسينا والحلول في تاريخ 9/ابريل/2003 اعتقدنا عندما كنا نرحب بالمحرر والمحتل الامريكي باننا سوف نقلب صفحة جديدة من تأريخنا المعاصر وسنعيد قوانا وسوف ننهض من حقبة التعسف والطغيان ونعمل سوية على لملمة جراحنا وآهاتنا ونصلي جميعا صفا إلى صف على ارواح شهدائنا الذين ذاقوا عذابات الدكتاتورية وهمجية الحروب وضحوا بارواحهم فداءً لنا ولترابنا ولاجيالنا. وظننا بأنَّ كل ماضينا المحزن والمؤسف قد ولى إلى الابد وان ارضنا سوف تعود لنا بعد ان صودرت منا منذ 1921. نحن شعب دولة العراق القديم والحديث, نحن احفاد ممالك اشور واكد وبابل وسومر، نحن الذين لم نستقر يوما واحدا في ووطننا ولم نتمتع بخيراته وبموارده الطبيعية والتي هي ملك لنا, ولم نذق طعم الحرية والسعادة والرفاهية والامان يوما واحدا، نحن ورغم كل ما يعصف بنا قوامون على الالام وعلى المحن صابرون على الحر والعطش والتغيرات المناخية وعلى الحرمان بكل انواعه. بالرغم من كل ذلك نصنع وننتج ونربي الابناء ونفكر ونبدع وننتصر. نحن، شعب دولة العراق ورثنا الارض من الاجداد وبذلك نملك حق الارض ius solis. آباؤنا واجدادنا عراقيون من ارض الرافدين بما يعني اننا نملك حق الدم ius sanguinis. جنسيتنا عراقية واوراقنا الرسمية عراقية بما يعني اننا نملك حق المواطنة، نحن مواطنو دولة العراق. كل هذه الحقوق التي نملكها ولم نتمكن لحد الان من تحقيق الرفاهية لانفسنا ولم نستطعْ النهوض وبناء وطننا المنكوب ولم نتمكن من العيش في حياة كريمة, حرة آمنة, ولم تتحقق لنا العدالة الاجتماعية التي تعطي لكل ذي حق حقه وتنصف المظلوم وتساند المرأة المعذبة وتعيدُ البهجةَ والابتسامةَ للطفل اليتيم. كيف يمكننا أنْ نصلَ إلى اهدافنا المنشودة وان نحقق طموحاتنا سلميا دون انتفاضة او ثورة عارمة قد تحرق الاخضر واليابسَ وتنهي كل حياة على وجه ارضنا المنكوبة؟
تجسيد وترسيخ حقوقنا الاساسية دستوريا بعد كل ما حل بنا منذ 2003 وما ذقناه من إرهاب وتهجير وتعسف واستعلاء القوي على الضعيف وعدم انصاف المظلومين والمحرومين والمشردين والايتام والارامل والمرضى والمتقاعدين والفقراء والشباب والنساء علينا الان ان ننهض ونطالب بقوة الدستور الذي يضمن لنا، نحن شعب الدولة بمواطنيه وافراده، حق التعايش وحق المساواة والعدالة... أنْ نطالبَ بحقوقنا الاساسية من خلال تعديل المواد الدستورية التي تضمن لنا الحفاظ على حرياتنا وعلى كرامتنا و امننا وسلامتنا وعلى حياتنا العامة. على ان تندرج حقوقنا الفردية وحقوق المواطنة من ضمن الحقوق الاساسية في اول صفحات الدستور وعلى حدة من المواد الاخرى كي تصبح واضحة للعيان تحت بند "الحقوق الاساسية". رُسِّختْ في دستور الولايات المتحدة الامريكية لعام 1776 وفي مذكرة حقوق الانسان والمواطنة الفرنسية لعام 1789.. رُسِّخت للمرة الاولى الحقوق الاساسية للمواطن والفرد بعد صراع طويل لرد الاعتبار للانسان الذي عانى العبودية والاضطهاد والتعسف من قبل أسياده والانظمة الملكية الاستبدادية كجزء مهم وفعال من العقد الاجتماعي بين الفرد والسلطة/السلطات العليا. كل الحقوق الاساسية يجب ان تكون ملزمة للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ويثبت ذلك في الدستور لان هذه الحقوق هي جزء من حقوق الانسان و المرسخة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتتكون من ثلاثة حقول رئيسة هي: 1. الحقوق الاساسية للحريات: أحد اهم هذه الحقوق هو عدم تدخل الدولة او اي سلطة عليا في شان المواطن او الفرد او المساس بحريته الشخصية (الدستور العراقي لعام 2005 ، المادتان 15 و 17 من الباب الثاني, الفصل الاول). في هذه الحقوق تترسخ العلاقة بين الدولة والفرد وضمانها حق كل انسان بالتمتع بحياة سليمة خالية من اي تعرض للاذى الجسدي, اي على الدولة الحفاظ على كرامة الانسان (المادة 35). حيث لا يحق لاي سلطة كانت المساس بكرامتنا بغية الاستبداد او الاستعباد او التمييز العنصري والطائفي والعرقي والاثني والديني. ولا يحق لاي سلطة كانت ان تعتقل اي فرد بطريقة عشوائية دون امر قضائي (المادة 10 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان). كما تلتزم الدولة بالحفاظ على قيمة الانسان وشرفه من الابتزاز والاستفزاز والتسقيط والتجريح والتشهير والعوز المادي. إذ ان الاخير قد يمس كرامة الانسان لذا من حق كل فرد ان يطلب من الدولة المساعدة المادية الاجتماعية لانقاذه من حالته والحفاظ على كرامته لانه عضو وفرد من افراد المجتمع (المواد 29, ثانيا و 30, ثانيا من الدستور العراقي لسنة 2005). حماية كرامة الانسان في دستورنا الحالي ناقصة وبحاجة إلى تغيير في المادة 35 اولا، أ والتي تنص على ان "حرية وكرامة الانسان مصونة".. مصونة من ماذا ومن يصونها؟ واي حرية مصونه؟ من واجب الدولة ان تحافظَ على خصوصية كل انسان وان تحميها من المصادرة حتى لو كانت هذه المصادرة من قبل جهات اجنبية. لا يجوز اعطاء او التداول بالمعلومات الشخصية لاي فرد دون إبلاغه واخذ موافقته بذلك. خلاف هذا الاجراء يُعدُّ تعدياً واضحاً على حقوق الانسان. في بريطانيا كُتبتْ ثلاث مذكرات تاريخية للحفاظ على حريات الانسان الاساسية مثل منع الاعتقال العشوائي والمساواة امام القانون والحق للمثول أمام قاضي عدل وهذه المذكرات هي Petitions of Rights (1628)وBill of Rights (1689) و Habeas-Corpus-Act (1679). وفي المانيا كشفت مجلة دير شبيكل المحلية بان جهاز المخابرات الالماني BND قام بالتجسس على احدى صحفياتها مما ادى إلى تقديم الاخيرة شكوى ضد هذا الجهاز إلى المحكمة التي وجهت حكما بتعويض الصحفية عن كل ما جرى لها من إساءة لحريتها الشخصية وحرية الصحافة! من الحريات الاساسية ايضا حق كل انسان او فرد بالتحرك والتنقل والسفر بحرية تامة دون تعرض لمضايقات السلطات العليا في الدولة (المادة 42 اولا من الدستور العراقي لسنة 2005). هذه الحريات تسمى ايضا في الدستور الالماني "الحريات الخارجية" . وفي الدستور العراقي هناك حقل لنوع خاص من الحريات يُدعى "الحرية الذاتية" وهي حرية المعتقد والضمير والدين (المادة 39 و المادة 40 و 41 من الدستور العراقي لسنة 2005 والمادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان). تعود جذور هذه المادة إلى النزاعات الدينية في اوروبا القديمة بين البروتستانت والكاثوليك والتي ابتدأت بمطالبة الامراء في المانيا بدور اكبر في حرية ادراة شؤون اماراتهم إلا ان هذا الخلاف تحول إلى حرب اهلية طائفية دامت ثلاثين عاما و توسعت في كل انحاء اوربا. انتهت هذه الحرب بوعي وعودة الامراء والدوقات الاوربييين إلى رشدهم فقرروا ان ينهوا هذا الدمار الشامل في مذكرة وستفاليا الشهيرة لعام 1848. ففيها وضعت حرية الاديان والمعتقدات والطوائف فوق كل الاعتبارات من اجل ارساء السلام الديني واحترام مبدا "الحرية الدينية" في اوربا. وما زالت هذه المذكرة سارية المفعول ليومنا هذا. من الحريات الاساسية ايضا حرية رفض الخدمة العسكرية لاسباب تعود لضمير واحساس كل انسان. هذه الحرية ناقصة في دستورنا الحالي ويجب اعادة النظر فيها. تعد حرية التعبير و الحصول على المعلومات والاعلام والنشر بالوسائل المرئية والمسموعة (المادة 36) من اهم اسس الديمقراطية والتي تضمن حق كل المواطنين في التعبير عن اراداتهم السياسية بكل حرية. تعتبر المساواة جزء من الحقوق الاساسية للفرد فدستورنا الحالي ضم هذا المبدا لحقوق المواطنة او الحقوق السياسية (المادة 14) والتي تنص على ان "العراقيين متساوون امام القانون..[...]" وهذا مُنافٍ تماما لمبادئ حقوق الانسان. فكل الناس متساوون امام القانون وليس المواطنون فقط . سؤال للمُشرِّع: هل من يحمل جنسية اجنبية غير متساو مع عراقي الجنسية امام القانون العراقي؟ وهل يعتبر هذا الاجنبي الجنسية هو خارج على القانون؟ إذاً لا من حمايةٍ لحقوقه وكرامته في العراق ! وهل تنطبق هذه المادة على المسؤولين في الدولة من ذوي الجنسيتين (العراقية والاجنبية) والمتورطين بالفساد المالي والاداري في تبرئتهم من ذمة القانون والمساءلة لان المساواة لا تشملهم في القانون العراقي؟ تشمل المساواة ايضا كل المؤسسات الحكومية في ادراة الشؤون العامة للدولة. ففي كل المؤسسات ينطبق عليها نفس القانون تجاه الافراد او المواطنين ولا يجوز استثناء اي شخص او تفضيله على آخر. حتى في اصدار الاحكام ، أي في السلطة القضائية ، ينطبق قانون المساواة وهو ملزم للقضاة في تعاملهم مع كل القضايا والشؤون القانونية. المساواة بين الرجل والمرأة من اهم الحقوق الاساسية التي تستبعد التمييز في جنس البشر وتعطي للمرأة حقها الطبيعي في مزاولة حياتها حالها حال الرجل. تكتمل مساواة المرأة مع الرجل في المجتمع وفي الحياة العملية والعلمية متخذة دورا رائدا في المشاركة السياسية واتخاذ القرارات المصيرية. الدستور الحالي خال من حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. فيا نساء العراق مارسن حقوقكن وطالبن بكل قوة بالعدالة والمساواة. المساواة تشملُ ايضا الاحوال المدنية فيما يخص الزواج والميراث والطلاق. وعلى ان تنظم هذه المساواة في قانون الاحوال المدنية ويضمن الحق للمراة والام والزوجة والمطلقة والارملة في كامل حقوقها بدون نقصان أو استبداد متعمد من قبل الدولة. الحفاظ على حقوق المرأة وكرامتها واجب ملزم لكل السلطات فبدون دور المراة في المجتمع لن يكون هناك مجتمع. على جمهورية العراق بمؤسساتها ومنظماتها غير الحكومية الداعمة والمساندة لحقوق المرأة وايضا القطاع الخاص ووسائط الاعلام ان تشارك بشكل فعال في حملة الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون لانهاء العنف ضد المرأة والتي بدأت في 2008 وتستمر حتى 2015. المساواة تشملُ ايضا الحياة العملية وتكافؤ الفرص. فالمنافسة الصحية بين افراد المجتمع على الوظائف امر مهم في بناء الدولة وتطويرها. وكل من يجد في نفسه الكفاءة والقدرة ولديه المؤهل من حقه ان يقدم على الوظيفة المناسبة حاله حال اي فرد اخر. فما يحصل في دولتنا حاليا هو امر مناف وخارج على القانون والدستور الذي كفل وضمن تكافؤ الفرص في المجتمع لكنه للأسف لا يؤخذ اليوم بالحسبان في التعيينات المجحفة بحق الكفاءات واصحاب الخبرة. وما حصل مؤخرا في البرلمان العراقي فيما يخص الموافقة على تعيين السفراء عبر التحاصص يُعدُّ فساداً وأمراً خارجاً على القانون (المادة 16) والتي تنص: "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك". إعادة النظر في المواد الدستورية التي تخص الحقوق الاساسية والتمسك بالقانون هو حجر الاساس في تكوين الدولة التي تضمن لكل الافراد العدالة والتعايش السلمي. خلاف ذلك سوف يؤدي إلى نزاعات وحالة فوضى قد تبلغ الذروة والوصول إلى حرب الكل ضد الكل . الامر الذي قد يُفضي في نهاية المطاف إلى تمزيق العقد الاجتماعي واعادة تقرير المصير من السلطة العليا إلى الافراد وهذا ما لا نتمناه في وطننا المنكوب...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |