ماذا ينبغي على المرشح العراقي في المجلس النيابي القادم أن يضع في حسبانه
 

موسى غافل الشطري
moosashatri@yahoo.com

في إحدى جلسات مجلس النواب وقف أحد الأعضاء، أمام أحد مراسلي إحدى الفضائيات العراقية، وكان منفعلاً جدا فعبّر النائب عن امتعاضه قائلاً : لقد أرسلت رئاسة الجمهورية لنا طلباً بزيادة مخصصاتها . وواصل باستياء عن لا شرعية ما يجري هنا وهناك . مضيفاً : إن الوزراء يستلمون زيادة على رواتبنا : ثلاثة ملايين ونصف . وزاد انفعاله ليعرب عن مظلوميته مستنجداً بالشعب العراقي ملك الحلول، وصاحب الذخيرة من مليارات الدولارات قائلاً: ــ أنا أضع الأمر أمام ضمير الشعب العراقي ليحكم بنفسه . ؟؟؟

وعندها .. أنا المواطن أ حسست بالحزن والاشمئزاز والغيظ لاستنجاد هذا النائب وسوء ما وصلت إليه ضحالة الشعور بالشعب المظلوم المقهور، وكأن هذا النائب الذي الذي دفعته نخوته الوطنية وجاء يمثله كان في المريخ ولم يعلم بحظوة هذا الشعب لدى ممثليه : متى يهملون الشعب العراقي ومتى يتذكرونه؟ الذي يعاني كارثة الجوع والبطالة والإهمال، ويحصل أغلب ذوي الرواتب المتدنية ــ كحد فوق الأدنى ــ 150000 دينا ر . وأفضلهم من السعداء على 350000 دينار . ولنقل 450000 دينار إرضاءً لخواطر أصحاب رواتب عشرات الملايين. ويستنجد معالي النائب بالشعب.. هه.

ماذا يريد أن يصنع له الشعب وهم يستلمون ثلاثمئة ضعف للراتب الذي يستلمه الموظف الصغير . الذي يستلم 150000 دينار؟ لا أدري،إنما هوأدرى بما يمتلك من معلومات عما يرفل فيهالشعب العراقي.

ما هي المقارنة العادله والمنصفة بين هذا النائب الذي يقبض ما لا يقل عن 48 000 000 مليون دينار، وكذلك الوزراء والرئاسة الذين لا علم لنا بما يستلمون . وشعب وسوء ما وصلت إليه ضحالة الشعور ( كالعيس في البيداء يقتلها الضمى والماء فوق ظهظرها محمول) .
وستأتي الانتخابات النيابية القادمة ويتم الترشيح لها ـ ربما في شباط ـ وما دام المرشح يفتقر لأفكار ورؤية سياسية منورة تحسسه بتطلعات شعبه وفداحة همومه، وما دام المرشح لم يجرب سابقاً ولا حقاً أية مشاركة بعملية المعارك النضالية من اجل حقوق الشعب، والنضال من أجل قضايا العراق الوطنية، ولا يعرف المعاناة التي عانى منها شعبه ومنضليه ومجاهديه الذين ما وهن إخلاصهم . فبالتأكيد سيكون طموحه وأمانيه، ليس هوتحقيق أهداف ومطالب الشعب، بل الحصول على راتب 48 000 000دينار، قابلاً للإضافات ــ مادامت العقليات النفعية هي التي ترسم
المقررات والطموحات ـ .

وهذه خطة وضعت على يد الأمريكان : أن ترسم خطاً بيانياً بين أبناء الشعب ومن يفترض أن يمثلهم ..

بين طبقة مسحوقة إلى حد العظم وتتضوّر جوعاً، وتعاني من البطالة والأمراض الخطيرة نتيجة التلوث . ونقص المياه والتصحر . والسرقات والاختلاسات والفساد وقضايا أُخرى ما أنزل الله فيها من سلطان .

وبين طبقة صنعت منها أمريكا ارستقراطية من القطط السمان والديناصورات متخمة بالثراء على حساب تحسين نوعية قوت الشعب . وأنشأت طبقة شمعية عازلة لكي تنهي أي توصيل لهموم الجماهير إلى المجلس النيابي والوزراء من الحاليين والقادمين. عدا النقاش الذي يتردد باستمرار عن القضايا الضيقة التي لا تقدم شيئاً.

وهكذا رسمت لنا أمريكا خطا بيانياً طبقياً لم يسبق أن وجد في العراق على شكل ظاهرة اجتماعية حادة الملامح . مع خراب عام شمل كل شيء، وهيبة متدنية للوطن وقضاياه الملحة والحساسة جداً .

وأنا أُتابع باهتمام حالي حال جميع العراقيين المنكودين: ما تدور من تفاهات، ونقاشات بيزنطية وقومجية وطائفية وسباب وتهم واضحة المعالم وخفية بين سائر الكتل .

حتى اليوم، ومنذ 2003 لم نشهد ذلك العمل الجدي المناسب الذي ينتقل بالعراق، نحوتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وتحسس بعظم الخطر المحدق فيه . بل ما زال يراوح في مكانه . بل تراجع كثيراً إلى الخلف وما زال النقاش يحتدم : عن أيهما سبقت البيضة أم الدجاحة ؟
سبع سنوات وما زال الجدل بين فئات لا يجمعها أي جامع إلاّ المصالح الشخصية ونصب شباك العراقيل والمنطلقات العشائرية والطائفية والقومية الضيقة...الخ

أمّا أن يطرح طرحاً جادّاً ونافذاً، دون أخذ ورد، ولصالح الشعب العراقي المبتلى . فهذا ما يؤسف لنتائجه المزرية . كل ما يحدث هوعرقلة متعمدة وزحف بطريقة السلحفاة.

إن الطبقة الأرستقراطية ومحتكرة السوق،على نحوسلع رديئة النوعية هذه المكونات من موقع أعلى إلى مستوى المجلس النيابي . على ذوي الدرجات المرموقة من المحظوظين ممن لم تتعبهم الظروف الصعبة، فقُدِّمت لهم هذه المواقع على طبق من ذهب، ونحن أدرى بهم وبخلفياتهم، هؤلاء لم يعد لديهم ما يهمهم من أمور الشعب العراقي غير أن يتدنسوا بالسرقات والفساد، ولم يحترفوا الكفاح والتضحية من أجله . بل جرى استثناء المتضررين الحقيقيين . ومن اكتووا بنار الاضطهاد .

إن الإمام على بن أبي طالب( ع) عندما جيء له بغذاء، يتكون من الخبز والملح والماء، نظر لذلك وتأمل ثم قال : ــ ارفعوا واحداً من ثلاث، فلا يحق لعلي بن أبي طالب أن يأكل تلاث نعم .

وحسب ما أتصوّر : إن الإمام على (ع) لم يكن يطرح ذلك ليخص نفسه بإظهار تقشفه . فهذا ما شاع عنه وذاع ..بل كان يرسل رسالتة عبر الأجيال. وهذا لم يكن لطائفة ما فحسب بل لجميع المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة والزرادشتيين والملحدين . فمن الذي حرّكت في ضميره ساكناً ؟، بما فيه جيل متنفذينا ومشرعينا والمرموقين الآخرين: أن لا تغرهم النعم ويترفعوا فيها ويستحوذوا عليها لأنفسهم. وضحايا المآسي تطل علينا من شاشات الفضائيات من نسوة تذرف الدموع وتبكي فقيداً لها ممزق الأوصال بالمتفجرات . ومهجرين، والبلاوى كثيرة.
ألآن .. لتعلم الأغلبية المطلقة من السادة النواب بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم وبدون مجاملة : إنهم إنهم لويأتوا لنا بشيء جديد . تخلوا عن الشعب العراقي، رغم هذا الضجيج . ولم يعد في قلوبهم مشاعر نابضة بحبه، إذا أبقوا على هذا الفار ق الهائل في مستوى معيشتهم ومستوى معيشة الملايين، فمن أين لهم أن يتحسسوا آلامه ومعضلاته ؟

فالإمام علي (ع) عندما قدّم مُثاله أراد منهم أن يأكلوا ما يأكل الشعب العراقي، حتى يكونوا ملزمين على متابعة النضال الدائب بكل صدق لرفع مستوى معيشتهم جنباً لجنب مع معيشة الشعب العراقي . لا ليتنعموا وتضيع عليهم فرصة المشاركة مع شعبهم برغيف واحد . ولكي ترتقي الحياة على مستوى من البحبوحة والنعم والرفاه المشترك والحياة المزدهرة لكل عائلة، لكل طفل، من أطفالهم وأطفال الفقراء، كما هوالحال في البلدان التي قدم البعض منها . ولكل فرد عراقي، من أعلى إلى أدنى .ولكل بقاع العراق . ولكنهم نكثوا العهد وتخلوا عن مثل الإمام ومرشد الجميع، وعادوا كما عاد قوم موسى إلى عبادة العجل الذهبي .

أمّا إذا بقيت الفروقات الهائلة واللامعقولة وألهتهم الملايين والمكتسبات العديدة، فمن أين لهم التحسس بما يعانيه الشعب العراقي ؟؟

إن اميركا عندما حملت أجندتها وتباشيرها اللعينة، ودئبت لسبع سنوات تصنع هذه الفوارق وتبنيها لبنة لبنة، أرادت أن تسقط وطنيتهم ومثلهم وتضعهم أمام تجربة وفي موقف لا يحسدون عليه وتضعهم أمام حرصهم على صيانة معتقداتهم وصدقية الناس فيها، ومن ثم عزل مثلهم وعزلهم عن مصداقيتها وإلى الأبد،من شريحة خيرة تسعى لصالح الشعب العراقي، إلى شريحة تتناقض مصالحها وتطلعاتها : مع مصالح وتطلعات الشعب العراقي، من الشعور : بأن أي مكسب لرفاه الشعب، إنما يقلل من فرص ومن مستوى رفاه الطبقة الأرستقراطية الجديدة ــ هي هم ـ .المتكونون من كل أولئك الذي كفروا بالشعب وتضحياته وشهدائه ..وهذه إدانة لكل من فضل ملايينه على معتقداته. فكيف بأولئك النهازين القافزين في اللحظات المناسبة في المكان . المناسب لم نسمع ولولمرة واحدة من أولئك الذين يدّعون أنهم وضعوا الله بين عينيهم . ووضعوا قيمهم في ضمائرهم. ومن يقول: ـ إننا يخجلنا هذا البون الشاسع في الفارق بين ما نستلم من ملايين، وبين ما يعاني شعبنا من فاقة .
إن الانتخابات القادمة من المؤكد ستخلومن المشاعر الوطنية، إذا نهجت هذا المنهج، إذا بقي هذا التباين في مستوى المعيشة والرواتب التي هي أقرب انتساباً للاختلاس من الرواتب المتواضعة والمتآخية مع حال مستوى معيشة الشعب .فهواختلاس ولكن مهذب . ومن أجل تلافي هذا المرض الفاسد ينبغي أن يهبط العدّاد بدرجات الرواتب الأرستقراطية إلى مستوى متواضع، لا يبعد إحساس المسؤولين الكبار عن هموم شعبهم . وبالتأكيد سيتوقف أُولئك المتكالبون على محاولة سرقة قيادة الدولة، ويتم الانصراف إلى المعالجة الوطنية الحقيقية لقضايا الشعب .

ومنذ الآن : يتوجب على المرشحين ممن يدعون كونهم ممثلين حقيقيين للشعب العراقي في الانتخابات القادمة ـ أليس هذا دافعهم؟ ـ أن يمتلكوا برنامجا واضحاً بكل آمال الشعب، وأن يبرزوا وثائق تثبت جذرية نضالهم السياسي الجماهيري : وما كابدوا على يد النظام السابق وما قدّموا في نضالهم وحتى تحصيلهم الدراسي والاعتماد ليس على الانتماء العشائري،والمنسوبيات والمحسوبيات، بل الانتماء لقضية الوطن المقدسة التي سفكت من أجلها الدماء والتضحيات الجسيمة.

لا نريد هؤلاء المتسكعين في أنحاء العالم وكراسيهم فارغة . ولا نريد أولئك الذين يتفرجون بشماتة على أوجاع الشعب العراقي من حصص المتفجرات والمفخخات والذبح . وجفاف النهرين .

لا نريد المتزلفين الذين يبنون الفِرْقَةَ بين محافظات العراق . لا نريد أولئك الذين ينتهزون الأزمات لتمرير قضاياهم القومية الضيقة والطائفية ساعة ما تجد الأمر في طريقها للانفراج والضيق . لا نريد أزلام صدام . ومتألمون من أولئك الذين لم يعتذروا للشعب ممن صافحوا صدام ودماء العراقيين لما تجف بعد . . أيام مذابح البعثيين في انقلا شباط الأسود . وانتفاضة 1991 المجيدة وما تلاها وسبقه.

نريد عراقياً غيوراً، يفكر بمستقبل الشعب العراقي من كل القوميات والمعتقدات بما فيها القومية الكردية التي ينبغي لها أن تؤجل خلافاتها إلى حين أن ترسوسفينة الوطن العراق الكبير. ويساهموا دون كلل وبهمة الكردي المكلوم الجرح جنباً إلى جنب مع إخوتهم الشرفاء لوصول الوطن الكبير إلى شاطئ السلامة لأن المحنة واحدة . وآنذاك سيكون من حقهم المشروع أن يجلسوا كإخوة على طاولة المفاوضات ويتناقشوا بهدوء ومحبة الإخوة وبأعلى صوت ويأخذوا حقهم ضمن عراق ديمقراطي مرفه. متخلص وإلى الأبد من المجرمين والقتلة والثأريين ومنتهزي الفرص للانقضاض على العهد الجديد، الذي يتربص فيه أعداءه في الداخل والخارج وإننا لمنتظرون ناشري يافطات وعودهم الواعده بالخير والإزدهار . لعراق الحب والجمال والكرم والأرض الخضراء، أرض السلام . فهل يفضلوا وليمة الإمام على بن أبي طالب(ع) أم وليمة (بوكاسا)؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com