|
العلاقة العراقية الايرانية علاقة تأريخ ومصير مشترك! حميد الشاكر
في علاقةٍ جغرافية وأنسانية وسياسية وأجتماعية وأقتصادية وثقافية .. كالتي بالفعل هي موجودة بين العراق وايران ولالاف السنين من الزمن لايمكن لدولة حديثة او لهيئة ناشئة او لفرد معقد هنا وهناك ان يستطيع النيل من متانة وقوّة ورسوخ هذه العلاقة الازلية بين الجغرافيتين والحضارتين والشعبين والثقافتين العراقية والايرانية، وحتى عندما تنشب في التاريخ هنا وهناك ازمات وحروب وصراعات وجدل مؤقت بين العراق وايران فسرعان مانجد ان كل شيئ يصل الى نهاية وحافة جبل جليدي قائم الزاوية إلاّ استمرار العلاقة بين هذين البلدين فانها تبقى هي الطريق المستمرة الى مالانهاية !!. نعم هناك مَن يتصور ان بامكانه ان يلغي التاريخ ويرفع خرائط الجغرافية، وينشئ السدود والجدران، ويطيح بالثقافات ويزيل العلاقات ويحطم العلائق والروابط، ويقطع الروافد، ويمنع التداخل الانساني والتفاعل الاقتصادي والجدل الثقافي بين شعبي ايران والعراق لمجرد ان هناك اسبابا استعمارية غربية ترى ذالك ممكنا، او لمجرد وجود حالة رعب طائفية، او مصالح صهيونية تحث باتجاه هذا الطريق في العصر الحديث، لكنّ ماخُفي على مثل هذه الاوهام السياسية الحديثة الهادفة الى بناء اسفين مفتعل في العلاقة العراقية الايرانية الحديثة إن مثل هذه العلاقات التي تتداخل فيها عدة عوامل تاريخية وانسانية وثقافية واقتصادية وروحية واجتماعية وفنية ودينية وجغرافية،وغير ذالك فانها من المستحيل بغض النظر عن انه من الصعب أمكانية فصم عراها لمجرد مصالح سياسية طارئة، او نعرات تعنصر طائفية، او املاءات خارجية لاتمت بصلة لالصالح العراق ولا لصالح ايران ولالصالح المنطقة ككل على الحقيقة !!. إن تاريخ هذه العلاقة الايرانية العراقية او العراقية الايرانية يحدثنا على ان هناك نوعا من الرابطة المصيرية التي ربطت بين هاتين الجغرافيتين، بل ان هذا التاريخ نفسه ولاسيما منه التاريخ الاسلامي بالخصوص فيه من ثراء صور العلاقة تلك مايدهش الباحث ويستقطب المتأمل في تاريخ البلدين وكيف ان هذه العلاقة تشكلت وعلى مرور الزمن لتصنع بناءا فريدا من نوعه في منطقتنا الاسلامية الى الحدّ الذي تداخل فيها البلدان والشعبان والثقافتان والحضارتان العراقية والايرانية لتبلور بناء حضارة اسلامية يتغنّى بها العالم الاسلامي على اختلاف قومياته ولغاته واعراقة حتى هذه اللحظة من خلال صهر الثقافتين وصناعة ثقافة وحضارة اسلامية فريدة من نوعها، ومنتجة في وجودها على الحقيقة الانسانية !!. ولعلّ هذا الصهر الحضاري العراقي والايراني التاريخي ماقبل الدخول الطوراني على خارطة العالم الاسلامي لانغالي ان قلنا انه الثمرة الحقيقية اليوم لما يسمى الحضارة الاسلامية وبكل مافيها من انتاج علمي وفني وفكري ولغوي وطبي وفلسفي وفلكي وكيميائي ..... وغير ذالك مهد للاسلام بالولادة الطبيعية بحيث ان الاتصال الايراني العراقي كان هو بالفعل بواكير النهضة الاسلامية فيما بعد والذي صنعت من العراق مركزا وقطبا لهذا التشييد الحضاري الاسلامي يردفه ويدفعه ويرتفع به الوجود الايراني الذي اثبت وجوده القيمي والمعرفي والخدمي للاسلام بشكل رائع ومذهل ومتطوّر، وهذا بعكس مالو قارنا مثلا القرن الاول من الوجود الاسلامي الاموي في الشام ماقبل الانتخاب العباسي للعراق كحاضرة اسلامية لدولتهم وبعد الانقلاب الاموي على النظام الاسلامي الراشد، فاننا سنجد وجودا بدويا ساذجا وحملات فقط من الغزو والتوسع الحربي القتالي الذي لم يخلف لنا كمسلمين اي حضارة حقيقية منفتحة على الاخر الاسلامي، ومنتجة للادوات الحضارية البنائية اكثر منها التدميرية، ولهذا عُرف عن الحقبة الشامية تلك انها لم تنتج للاسلام سوى فتاوي وعاظ السلاطين الحاثّة على التوسع والاعتداء والقتل والنهب لاغير والتي لم نزل نحن المسلمون حتى هذه اللحظة نعاني من تداعياتها وأشكالياتها ...... السلبية على حياتنا الفكرية والاخلاقية والحضارية ايضا، بينما وعند انتقالنا للنموذج العراقي الايراني الذي خلق من رحم الاسلام تزاوجا حضاريا فريدا من نوعه على اساس التوافق بين الحضارتين الايرانية والعراقية وليس كما كان على اساس التعنصر الاموي والتنافر بين هاتين الحضارتين، كان البناء في العصر العباسي انتاجا مختلفا انتج فيما بعد كل مافي الاسلام من حضارة حتى هذه اللحظة !. وعلى هذا وتأريخيا كانت ولم تزل العلاقة العراقية الايرانية علاقة مميزة وجديرة بالدرس والتأمل لاسيما تلك العلاقة التي قامت بين مركز عراقي اسلامي، وبين رديف ايراني لم يألو جهدا في الصعود في الاسلام الى اعلى ذروة الجبل الحضارية الانسانية، وحتى اليوم بامكاننا ان نتلمس جذور واسس هذه العلاقة العراقية والايرانية الاسلامية، وامكانية اعادة البناء من جديد على تلك الاسس وبنفس المعطيات الحضارية التاريخية الاسلامية نفسها، لنصنع نحن في العراق العربي والاسلامي المتنوع الثقافات اليوم منها علاقة وبوابةٍ شرقية تهب الشمس والنور فقط،وليس بوابة شرقية للحروب مع الجار الايراني ونشر فساد في الارض وتدمير للاسلام واهله كما ارادها مَن اراد بالعراق وايران السوء والدمار، ولكن بوابة من خلالها يكون الجار الايراني رديفا للعراق ليقود العالم العربي والاسلامي من جديد بفكر عراقي عربي اسلامي وبأكتاف ايرانية تدرك جيدا انها لاتستطيع ان تكون رقما قياديا للعالم العربي والاسلامي بلا الرأس العراقي الذي يهيئ للجانبين مصالح مشتركة في بناء الحضارة الاسلامية الجديدة والمبتغاة الوصول لها اليوم وفي المستقبل !. تمام بامكان العراق وقادته اليوم وإن استطاعوا بناء رؤية مستقبلة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية، ومن خلال استثمار العلاقة مع الجار الايراني القوي والصاعد والمتوثب بجدارة نحو الامام، ان يجعلوا او يصنعوا من هذه العلاقة شيئا مختلفا للعراق اولا وقبل كل شيئ، لأن التاريخ يقول لنا في درسه الكبير ان العراق وحده لايستطيع ادراك شيئ، كما ان ايران وحدها من الصعب ان تكون رقما اسلاميا فاعلا وقويا بدون العراق، ولهذا كانت ولم تزل العلاقة العراقية الايرانية هي علاقة تلاقح وولادة لعالم جديد وبناء حضاري لايستطيع الحركة بلا هاتين الذراعين العراقية والايرانية مما يدفعنا للجزم والقطع ان العراقيين امامهم فرصة ذهبية لاعادة تاريخهم الحضاري الاسلامي الكبير اذا استطاعوا فهم معادلة العلاقة مع الجار الايراني، وادركوا بنفس الوقت ان هذه العلاقة مثلما سوف تكون في الصالح الايراني في كل المجالات الانسانية، هي اكثر من ذالك بالنسبة للعراق والذي هو اليوم اضعف سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا ان يقوم باعباء كبيرة بلا وجود رديف له يدفعه نحو الامام ليتحرك خطوة نحو اعادة شيئ من وجوده المؤثر على محيطه العربي والاسلامي الواسع مثل ايران !. الخلاصة: إن على العراقيين ان يدركوا قبل الايرانيين في هذا العالم البشري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المعقد، انه ليس لهم قائمة واقعية بدون الرديف الايراني التاريخي والمعاصر، كما عليهم ادراك معادلة المصالح المشتركة في العلاقة العراقية الايرانية وانها معادلة قائمة على حسابات حاجات ايران لفضاء عربي وحاجات العراق لرديف قوي يهيئ له الذراع المبسوطة على هذا العالم ليتمكن العراقيون من اعادة قوتهم من خلال الاذرع الايرانية وليس العكس، لتكون القائمة متوكئة على مصالح البلدين التي ترابطت حتى اصبحت كجسد واحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى !!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |