معجزة الحجر الأسود والحفاظ على الأثار الاسلامية

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

للحجر الأسود أهمية غير خافية، في الصلاة والحج، فهو جزء لا يتجزأ من قبلة المسلمين في صلاتهم، وكل طواف في الحج يبدأ وينتهي عنده، واستلامه مستحب، وتقبيله عند الاستطاعة كذلك، وهذا تشريف ما بعده تشريف، وقد احتار البعض في كنه الحجر، فهل هو  من حجارة الجنة، أم نيزك سقط من السماء، أم ماذا؟  وما علة استحقاقه لهذا التكريم؟ نقرأ بأن الخليفة الصحابي عمر بن الخطاب خاطب الحجر الأسود بعد تقبيله قائلاً: إني أقبلك واعلم أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك لم أقبلك.( رواه البخاري والترمذي).

يرى أحد الباحثين في هيئة الأعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة بأن الحجر الأسود إعجاز رباني، ويستدل من أقوال للإمام الشافعي بأنه أشبه بخط هاتفي متطور، يسجل البيانات الشخصية، لكل من استلمه حاجاً أو معتمراً، وقد يكون للحجر الأسود هذه المواصفات، ولكننا عاجزون- في الوقت الحاضر على الأقل- وبمعارفنا العلمية المحدودة من التثبت من ذلك، لذا لا نستطيع ان نحاجج بذلك العلمانيين الماديين، ومن الواضح بأن امكانية خزن بيانات كبيرة على مساحة متناهية في الصغر أمر لم يتوصل إليه العلم إلا مؤخراً، وبالتالي فالمعاصرون من المسلمين وحدهم قد يدركون هذه المعجزة للحجر الأسود، ولكن هل هذه هي المعجزة الحقيقية الدائمية في الحجر الأسود؟

المعجزة في الحجر الأسود متمثله في وجوده ومكانه، وبغض النظر عن خواصه، والدليل على ذلك تاريخ الكعبة، التي تعرضت مراراً لأنواء طبيعية وتخريب متعمد أو غير متعمد، فقد انهدمت في الجاهلية، وأغرقتها السيول، وأحترقت في زمن الأمويين، بفعل منجنيق الحجاج الثقفي كما يؤكد بعض المؤرخين، أو بسبب شرارة من مجمرة كما يدعي آخرون، وحتى الحجر الأسود لم يسلم من عبث العابثين، وأعيد بناؤها أكثر من مرة في الجاهلية والإسلام، فيروى أن عبد الله بن الزبير شيدها من جديد، وبعد مقتله هدمها الحجاج وأعادها إلى ما كانت عليه، والمرجح من ذلك بأن الأثر الظاهر الوحيد من البناء الإبراهيمي الأصلي للكعبة هو الحجر الأسود فقط، ولولاه لقيل بأن البناء الحالي هو من صنع آخر من بناه، وهنا تظهر المعجزة، فالحجر الأسود هو ذاته الذي مسته أيادي الأنبياء منذ الخليل إبراهيم وحتى خاتم الأنبياء ومن بعده آل بيته وأصحابه، وهو همزة الوصل للأمة الإسلامية في كل زمان مع ماضيها وحاضرها وكذلك مستقبلها إلى ما شاء الله، لذا فمجرد احتواء الكعبة عليه حتى يومنا هذا تصديق لرسالة الإسلام، وهو بالتالي من أعظم المعجزات، وإن غابت حقيقة ذلك عن إدراك الكثيرين من القدماء والمعاصرين.

نستدل من معجزة الحجر الأسود على أهمية الحفاظ على الأثار الإسلامية، بل وحتى بعض الأثار غير الإسلامية، كما نجد البرهان على ذلك في الآيات الكريمة التالية:

 ( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) الأنعام : 11

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الروم:9

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فاطر:44

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يوسف:109

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) المؤمن/غافر:21

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المؤمن/غافر:82

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) محمد:10

(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) النحل:36

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) النمل: 69

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) الروم:42

(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) آل عمران: 137

( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر: 74-76

(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الصافات 137-138

     إن كل الأيات المتقدم ذكرها تأمر الناس بالاطلاع على اثار الأمم البائدة، التي عصت الرسالات السماوية، فكان جزاؤها التدمير والخراب، ولو عمد المسلمون الأوائل أو من جاء بعدهم إلى هذه الأثار فأزالوها ومحوها من على وجه الأرض لتعذر تنفيذ الأمر الرباني بالاطلاع على هذه الأثار والاتعاظ من مصير أقوامها، لذا كان لزاماً الحفاظ على أثار تلك الأمم الضالة، فهل من المنطقي بعد ذلك هدم أو طمس الأثار الإسلامية، مثل بيت النبي العظيم ودور أهل بيته وأصحابه وقبورهم ومنع المسلمين من زيارة مشاهد النبوة واثار الصحابة مثل غار حراء وجبل أحد والمساجد السبعة وغيرها تخوفاً من تحولها إلى مزارات تمارس فيها البدع المحرمة كما يدعي فقهاء وأتباع بعض المذاهب؟

نستمد دليلاً قوياً آخر على أهمية الحفاظ على الأثار الإسلامية، بما في ذلك الرسائل المخطوطة والمساكن والأضرحة، ممما حاق بالديانة المسيحية، فمن الملاحظ بأن أبرز الحجج التي يتذرع بها المشككون بوجود النبي عيسى المسيح عليه السلام ورسالته هو عدم توفر أدلة أثرية archeological evidence  تؤكد ذلك، لذا يمكن القول بان محو الأثار الإسلامية أو التسبب بذلك بفعل الإهمال يعرض الإسلام في المستقبل للتشكيك في وجود رموزه وتاريخه، فهل يجوز لمسلم فعل ذلك مهما كانت حججه ومبرراته؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com