|
طوق النجاة للمجلس الإسلامي الشيعي
فرات المحسن المتتبع لمجريات العمليات الانتخابية المتكررة في العراق ومنذ سقوط نظام حزب البعث عام 2003 يسجل في ذاكرته طبيعة الإجراءات المشوهة التي رافقت جميع مراحلها، وما رافقها من إصرار وعناد من قبل بعض القوى السياسية على رفض سلوك الطريق الصحيح لبناء نموذج ديمقراطي يعتد به. فقد دافعت تلك القوى دائما عن نموذجها المفضل في العملية الانتخابية، والذي يؤكد بشكل لا يقبل الجدل تفضيلها نظام القائمة المغلقة وعدم إقرارها لقانون الانتخابات أو تشريع قانون لتنظيم عمل الأحزاب أو استقلالية المفوضية المشرفة على الانتخابات. وشهدت جلسات مجلس النواب عنادا وجهدا كبيرا لأعضاء القوائم الكبيرة لمنع تمرير تلك القوانين. انتخابات مجالس المحافظات كانت تركيبة جديدة، أريد منها تجربة نموذج يزاوج بين القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة وقد واجهت تلك التجربة الكثير من العسر والاعتراضات وشابها إجحاف بحق الناخبين لا يمكن إنكاره. ورافقها تقديم ملاحظات مختلفة حول نظام الكوتا للمرأة والأقليات. ولكن ما أسفرت عنه الانتخابات ورغم الكثير من الإخفاقات والتزوير، قد بين نجاح نموذج القائمة المفتوحة، وأفصح عن مشهد جديد في الساحة السياسية العراقية. فتوزيع الأصوات أظهر نجاحا كبيرا لقائمة السيد نوري المالكي وائتلافه الذي سمي بائتلاف دولة القانون، وتقدمت في سلم الأصوات قوائم أخرى مثل قائمة الأحرار الصدريين وقائمة السيد أياد علاوي وأيضا صالح المطلق. وكانت أكثر القوائم خسارة في معادل الحسابات قائمة الائتلاف الشيعي التي ترأسها المجلس الإسلامي الشيعي بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم. تلك الخسارة كانت هزة عنيفة بين أوساط ائتلاف المجلس الإسلامي الأعلى، لم يستطع ولحد الآن الخروج من تأثيرها. لا بل ومع مرور الوقت وتدهور صحة رئيس القائمة، بات من المؤكد خسارة مرشحيها في أية انتخابات قادمة أن أبقت على ذات انغلاقها الطائفي وبنفس مستويات فعلها وأداؤها اليومي. وهناك الكثير مما يشير لنفرة الناس من حول المجلس الإسلامي الشيعي بقيادته الرباعية المؤلفة من السادة عمار الحكيم وهمام حمودي وعادل عبد المهدي وجلال الدين الصغير حيث يعتقد الناس أن المجلس أرتبط مصيريا بمشروعه الطائفي مهما حاول التستر على هذا الأمر وهو ليس بقادر على استيعاب الدرس والخروج الى فضاء المشروع الوطني بالهوية العراقية، وهذا ما أكده أحد أقطاب المجلس السيد وزير المالية باقر جبر في مقابله له مع قناة الشرقية. وربما جاءت جريمة بنك الزوية لتضيف الكثير من الاختلال والإحراج في أوساط المجلس، وتشكل ضربة موجعة بعد نتائج فشله في انتخابات مجلس المحافظات. وأصبحت جريمة بنك الزوية عند الشارع العراقي علامة فارقة في تأريخه ككيان سياسي يسعى لقيادة السلطة في العراق. أذن من ينقذ المجلس الإسلامي الشيعي من محنته. وهل يستطيع قادته إعادة عجلاته للسير في الطريق السالك وإبعاد إمكانية اختفائه من الوجود السياسي ككتلة موحدة. مثل هذا السؤال الكبير ما برح يشكل مصدرا لقلق أغلب أعضاء وقادة المجلس الإسلامي الشيعي، مع تسارع الوقت وعناد السيد المالكي وائتلافه المسمى بائتلاف دولة القانون، الذي يصر على أن تكون رؤيته لمجريات العملية السياسية تتقدم فوق باقي الرؤى أن أريد منه الدخول في مظلة ائتلاف جديد. أن كانت قوانين هيكلة الانتخابات أو تنظيم عمل الأحزاب شكلت دائما الهم الكبير الذي يؤرق الائتلاف الإسلامي بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم، وحاول ويحاول جاهدا أن يقف بالضد من تشريع مثل تلك القوانين، فان مسألة تشكيل ائتلاف جديد والعلاقة مع حزب الدعوة والسيد المالكي وائتلافه، غدت هاجسا مقلقا ومتعبا لقيادات المجلس. فالجميع في داخل المجلس يعرف جيدا أن قبول السيد المالكي لتشكيل ائتلاف جديد معهم يعني طوق النجاة للخروج بنتائج تضمن أعادة ماء الوجه الذي سكب في انتخابات مجالس المحافظات التي أظهرت نتائجها الرفض الواسع للمجلس من قبل الجماهير. تشكيل ائتلاف بمسمى وطني مع السيد المالكي وقائمته راوح في الفترة الأخيرة بين المد والجزر، ونحت تصريحات أغلب أعضاء قائمة دولة القانون على رفض إعادة تشكيل ائتلاف جديد إذا لم يكن متوافقا مع استراتيجية حزب الدعوة وبالذات رئيسه السيد المالكي، وأصبح الأمر وكأنه صراع سياسي شرس وعلى المكشوف. وفي هذا الشأن ترد من عدة جهات تلميحات عن تدخل إيراني قوي للملمة شعث الائتلاف الشيعي، أشيع بعدها عن إرسال السيد المالكي وفدا من حزبه الى طهران للتشاور حول هذا الأمر ورصد رؤية الجانب الإيراني لطرق التحرك السياسي في الساحة العراقية. والسيد المالكي يواجه أيضا الكثير من الضغوط داخل حزبه لجسر الخلافات وتليين مواقفه في تجاه بناء تكتل شيعي جديد يضمن التفوق العددي في مجلس النواب القادم. ولكن ولحد الآن فأن حسابات السيد المالكي لم تحسم الأمر وتستقر على رأي ثابت، فهو أن كان يفضل تشكيل تكتل شيعي قوي، ففي ذات الوقت يرى أن ضعف المجلس الإسلامي الشيعي فرصة نادرة أكسبته أصوات ومقاعد كثيرة أستحوذ عليها جراء خسارة المجلس الإسلامي الشيعي، وأن بعضا من سياساته أكسبته الكثير من التأييد في الشارع العراقي، وبات يشعر بعدم وجود حاجة ملحة للتقرب من حلفائه في المجلس. ولكن هاجس العلاقة مع إيران والاستجابة لضغوطها والخصومة بين التكتلات الشيعية التي ربما تصبح خصومة مستعصية، يجعله في دوامة أرباك وقلق، لذا نراه يفضل خيار عدم قطع حبال الود مع المجلس على هشاشتها. ومع هذا فأنه وبعض أنصاره لا يفوتون الفرصة دون توجيه طعون في الصميم الى المجلس الإسلامي، وقد ظهر ذلك جليا في مأزق جريمة بنك الزوية وكيف استغلت لتوجيه الشارع نحو اتهام صريح للمجلس بعلاقته المباشرة بالحادث ومن قبل أعلى قيادة فيه. مسألتان كبيرتان يعيل عليهما المجلس الإسلامي الشيعي اليوم بقيادة الرباعي أنف الذكر للخروج من المأزق وإنقاذه من خسائر جديدة لا تطاق وسوف تكون نتائجها أن حصلت كارثية عليه. وهما أولا دخول ائتلاف دولة القانون بقيادة السيد المالكي في قائمة واحدة مع المجلس والتيارات الأخرى وفق شرط تقاسم رباعي للمقاعد، وصياغات تضمن إنصاف المجلس الإسلامي ووضعه في ذات الحجم الذي حصل عليه في انتخابات مجلس النواب الأول. والثانية إجراء الانتخابات على وفق القائمة المغلقة، ومثل هذا الإجراء يضمن للمجلس وجود أعضاءه داخل القائمة مهما تمخض عن نتائج الانتخابات، وكفالة العودة بقوة للمشاركة بالفعل المؤثر في سلطة البلاد. بات واضحا مما يجري في الساحة السياسية أن مثل تلك المسألتين ولا سواهما، المنقذ الفعلي وطوق النجاة للمجلس الإسلامي الشيعي وبغيرهما ستكون حظوظه معلقة بكف عفريت. فهل تستطيع إيران أن تلعب مع السيد المالكي ذات الدور الذي تلعبه مع التيار الصدري وباقي التشكيلات الشيعية، مما يجعل السيد المالكي في النهاية يرمي طوق النجاة للمجلس الإسلامي الشيعي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |