هذه وصيتي

 

عامر رمزي

amir.ramzi1@yahoo.com

عن مجزرة أربعاء بغداد الدامي

تفرّجوا! لا تتركوا العرض يتجاوز حضوركم، شاهدي واشهدي يا بشرية على الإرتقاء الحضاري في سرعة تشييد قبور الصدى في بلادي، حيث تتردد دوماً صيحات الإستنكار والشجب في حالات تتكرر حيث الموتى معروفون لكن القتلة مجهولون.

 يصيح الملاك: هذا ليس عدلاً فالوافدون من العراق أكثر من بقية الأقوام ويسخر: إخلعي معطفكِ يا حضارة وعلقيه على مشجب مؤخرتكِ النتنة.

فيجيبه عزرائيل: رائحة الموت المنبعثة من هناك عنيفة ملحة! وغريزة القتل لن تنام! حتى إني بت أشعر بالغثيان.

توالت الأضواء وهي تبهر أبصارنا كأضواء حلقة مرقص المراهقين المتواترة، ومنذ عقود طويلة ونحن نرقص على أنغام أحزاب تحررية وقومية ودينية ثم ديمقراطية وفيدرالية وتكفيرية ومنها أو منهم مَن امتشق حسام الناسك الزاهد وفي النهاية لا يرتوي إلا من دماء الفقراء والمساكين والآمنين، ومع تزايد أعدادها ارتفع مستوى الفساد.

الفساد ولأجل السرقة فهمناه وفسرناه بجياع يبحثون عن طعام!، لكن أن يشرق فساد متوحش في عتمة الليل وتغيب في وضح النهار شمس الوجدان عن أجهزة الأمن ومفاصل الدولة الوقائية فهذا هو الجو المناسب جداً لمنفاخ الحداد كي يهيء حسام سفاح العراق المجهول!

لا يحتاج أن تفتشوا وتحشروا أنوفكم بين طيات القتلى الأبرياء باحثين عن بصمة السفاح - الذي تلتمع عيناه ببريق النصر- فرجاله ماضون مع من يسير خلف الجنازة وقد يكون بعضهم أحد حاملي تابوت المرحوم!

إمبراطوريات مجهولة تحاربنا، يا للهول، كيف سنحارب هولاكو الذي لم ولن نراه ونحن لا زلنا ندعي نسبنا إلى الله دوناً عن الآخرين ولنا وحدنا حق تحطيم الأوثان؟ كيف سنحارب وحارس الموقع المستهدف نائم أو مغفل أو متواطئ أو فاسد وفي جميع الأحوال يقف على خط واحد من التقصير؟

باتت بغداد بين البكاء الذي هو مؤنس الحزانى الوحيد ودوي المحركات وصافرات تحذير المواكب الأمنية والشرطة الذي يؤنس الضجيج، ونحن ننظر إلى اللانهاية ساهمين تائهين نتبادل التهم حتى ولو بتنا في سيارة إسعاف واحدة أو ضمنا قبر جماعي واحد!

نحن شعب لا كرامة للأفراد فيه إلا بعد أن يتحولوا إلى قضية رأي عام ويلفهم الموت ويخلدوا للصمت وحينها فقط نحول أجسادهم إلى رفات قديسين!

أتحرق من الفضول وفي نيتي سؤال أحد الشهداء وهو ميت مسجى: من كنت ستنتخب قبل أن تطالك يد الإرهاب؟

سيجيبني نادماً بعد أن يبصق على كفه: كنت سأنتخب من سيوفر لي حياة حرة كريمة، لكنني لم أحظ سوى بميتة مهينة! وصيتي : اخبرهم أن لا يصنعوا صناديق اقتراعهم من خشب تابوتي! 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com