محنة الحرية في العراق

محسن الجيلاوي

Mohsen_khashan@hotmail.com

الحرية عنوان عريض لجوهر نضال الناس، لطموحاتهم، لعشقهم للحياة، للتقدم، للحب، للخير، لصناعة الأفكار، للقبول ببهجة الدنيا، للحفاظ على التفاصيل الصغيرة للجمال وللثراء الإنساني...، فهي خيار بين الأنانية والوعي، من يختار الحرية يختار الوعي على حد تعبير فيكتور هوغو، ولنا في قول الإمام علي (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا)  تلك مقولة تدعو بعمق على التمرد ضد الطغيان، وفي قول عمر ابن الخطاب ما يماثل ذلك (متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)...نعم الحرية زهرة برية رقيقة كانت دوما محط انتهاك من قبل بساطيل القمع والطغيان ....!

 في العراق اليوم مشروع  جنيني نحو الحرية، لكن أخذت قوى صاعدة في غفلة من خراب صنعته دكتاتوريات متعاقبة، ومن حسابات المحتل، وواقع اجتماعي هش وشكل طبقة سياسية رديئة إلى محاولة جدية وشرسة  لخنق هذا الأفق، تحطيمه ومحاولة العودة به ثانية إلى المربع الأول،  حيث القمع والاستبداد وتكميم الأفواه، وخنق كل فسح حرية التعبير من صحافة، وثقافة، ومشروعية التظاهر، وكذلك حرية اختيار شكل الحياة الاجتماعية المنسجمة مع هذا العالم والعصر...!

فتقسيم الوطن إلى ولاءات حزبية ضيقة (كل محافظة سلطة خاصة) مدججة بعقلية الحزب الحاكم وشخص الرئيس الجهبذ، وغياب المؤسسية والقانون في التعامل مع ملفات وطنية شاملة هو اعتداء وانتهاك صارخ على الحرية الوليدة ... فقرار محافظة البصرة بمنع بيع الخمور، ومعه مطالبات برلمانية في توسيع دائرة هذا المنع، والتدخل بشكل مباشر وفج في شكل ملبس الناس وشكل حياتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وكذلك محنة الصحافة التي طغت على كل شيء في هذا الزحف اللامقدس ضد ارادة الناس وخياراتهم  كلها انحرافات كبيرة وممارسات خطرة في حال عدم مواجهتها يعني ان حرية الناس وشكل عيشهم وكرامتهم في خطر حقيقي..!

 إن حرية العقل العراقي، حرية الإنسان العراقي محط صراع حقيقي اليوم بين قوى تريد للتغير أن يستمر وان يتعمق وبين قوى تريد سلطة موشومة بلغة القوة والعنف والنهب وتحطيم الآخر ..إن الكفة في وضع سياسي عراقي راهن تميل للأسف لقوى الظلام والتخلف، حيث المحاصصة والطائفية والهوس القومي، ومعها تداخل الديني ضد مفهوم الدولة الحديثة كل ذلك يجعل من إشكاليات قضية الحرية عميقة وصعبة ويدور حولها صراع حقيقي يحتاج من الجميع من أولئك الذين ينتمون إلى القها وبهائها التقدم بجدية وبعناد وبصبر إلى الأمام وخلق فرص ومبادرات لزيادة وعي الناس في أهمية الحفاظ على مشروع الحرية وقيام رؤيا معرفية قوية مدعومة مجتمعيا من خلال منظمات ونخب ومؤسسات وأحزاب تقوم في آلياتها وشكل بنائها التنظيمي والفكري على نفس مفهومها العميق لكي تكون محط إشعاع فكري يغمر المجتمع برمته ..العملية ليست سهلة أطلاقا لكن التكاتف والوحدة والشروع بالتنظيم والتنسيق ودراسة ونشر تجارب الغير، وإشاعة مفاهيم الحداثة قد تجد وتبرز آليات تغنيها الحياة والتجربة والممارسة العراقية الخصبة والفعالة في الحفاظ على مكتسبات الناس من فورة الظلم الزاحفة رويدا رويدا...!

ان المظاهرة الحاشدة في شارع المتنبي الذي كان دوما رغم كل السنين العجاف رمزا لحراك حرية الفكر والثقافة ذات مدلولات عميقة، فعلى جنبات هذا الشارع خطت الثقافة العراقية بعمق وحفرت اسمها بقوة  في سماء الثقافة العربية والعالمية، أقول ان هذه المظاهرة جاءت لتكمل هذا النسيج الأخاذ لحب وعشق الحرية من خلال ثقافة وصحافة منفتحة وبديلة تقاوم العسف والفساد والطغيان والإذلال ...جاءت لتقول كلا لتكميم الأفواه وخنق حرية التعبير ...  شخصيا كمواطن عراقي وجدت روحي وعقلي مع هؤلاء الاخوة الذين يسعون في ظروف صعبة وقاسية لإيصال الحقيقة كاملة لنا جميعا ..لهذا انحني أجلالا لجهدهم النبيل ولتضحياتهم الكبيرة ولإصرارهم وعنادهم الباهر الأخاذ...!

 ان التكاتف بين نخب الداخل والخارج وإيجاد آليات تدعم ذلك كفيل بخلق مشروع وطني فعال يدعم نزوع الناس نحو الحرية والعدالة والوقوف بقوة بوجه من يريد أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء...!

 لقد أثبتت الأيام ان شكل وأفكار سلطة المنطقة الخضراء رغم تنوعها الظاهري لكنها في انسجام من حيث الجوهر ومتشابه في شكل بنيتها التنظيمية سواء كانت أحزاب دينية أو قومية أو أيدلوجية كونها سلطات إذا ما اقتدرت واشتد ساعدها ستدوس بعنف على وردة الحرية البريئة ...لهذا واجب فضحها والوقوف أمام هجمتها الماثلة، ومحاولة تجريدها من أفق الاستمرار كونها حركات غير مستقبلية  سيعطي للفكر العراقي مادة لخلق البديل الجديد المطلوب الذي ينتمي لمفاهيم قامت عليها سائر شعوب الأرض التي دخلت بقوة عناوين التقدم والرفاهية والديمقراطية ..!

 تحية لمهرجان الصحافة والثقافة الشجاع وإلى مزيد من العمل المثابر لوقف مشاريع القمع والاستبداد وإلى ضرورة عمل المستحيل لوقف خطر سحق الحريات ...!

تحية خاصة لشبيبة الصحافة فقد تميزوا في كل مقابلاتهم الإعلامية على وعي عميق وفكر رصين ومنطق بهي تجاوز كل خزعبلات العمائم ومشايخ القوميات والطوائف (وحريم) زعماء الكتل وحماياتهم المثيرة للشفقة والبغض القائم على معرفة الناس الأكيدة لمشاريع السحت الحرام في شؤم المنطقة اللاخضراء، فالعراق يزدهر بالكلمة الحرة الشجاعة المنتمية للناس الذين بعرقهم وكدحهم وصبرهم يلونون خلود وعظمة ووجه هذه الأرض التي كانت دوما عصية على الطغاة ومنبتا خصبا لتلك الكلمة الحلوة "الحرية"  ..! 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com