هل من صعوبات أمام تحقيق التعاون والتنسيق أو التحالف بين القوى الديمقراطية العراقية؟ .. الحلقة الأولى

 

أ. د. كاظم حبيب

akhbaarorg@googlemail.com

لن أكون مغالياً ولا مبالغاً حين أدعي بأن الخلافات الراهنة بين فصائل التيار الديمقراطي  العراقي لا تمت إلى المبادئ بصلة ولا إلى الأهداف الأساسية التي تمس مصالح الشعب في هذه المرحلة من مراحل تطور العراق التي تتميز بالتعقيد والصعوبة والتي يفترض أن تناضل وتشارك القوى الديمقراطية العراقية في تحقيقها. فهي مشاكل من نوع آخر, مشاكل ترتبط بخمس جوانب جوهرية من وجهة نظري, لا بد من طرحها بصراحة ووضوح بأمل العمل على تجاوزها. وقد تيقنت لدي هذه الرؤية بعد اللقاء الممتع والمهم الذي حظيت به مع جمهرة كبيرة ومهمة من الأحبة من ممثلي الكثير من قوى هذا التيار. ويمكن تلخيص تلك النقاط فيما يلي:

أولاً: بروز النزعة الذاتية الحادة في التعامل المتبادل ورغبة كل طرف في هذا التيار الحصول على موقع أفضل تحت الشمس في تحالفاته وعلى حساب الآخرين. 

ثانياً: غياب واضح للثقة المتبادلة والود المتبادل ووجود احترام شكلي متبادل بين أطراف الحركة الديمقراطية العراقية.

ثالثاً: ضعف الممارسة الديمقراطية في العلاقة بين قوى التيار اتي تتفاعل مع غياب الرؤية الموضوعية لواقع كل منها وقدراته وعلاقته بفئات المجتمع, إذ أن دلائل كثيرة تشير إلى وجود عزلة فعلية للكثير منها, إن لم نقل كلها وبمستويات مختلفة عن الشعب وعن العلاقة المطلوبة مع فئات المجتمع ذات المصالح المتنوعة والمختلفة.

رابعاًً: ضعف الوعي بالمخاطر التي تحيط بالعراق وبالشعب وبها في آن واحد, وكأن الأمور ستسير في المحصلة النهائية لصالحها.

خامساً: الاستهانة بقوى الأطراف الأخرى, وخاصة قوى الإسلام السياسية, والاعتقاد بأنها فقدت أرضيتها الاجتماعية الدينية, وأن الانتخابات القادمة ستبعدها عن الهيمنة على نسبة عالية من اصوات الناخبين الذين يتأثرون بعاملين هما: عامل العشائرية وعامل المؤسسة الدينية والطائفية السياسية والتلاحم بين هذين العاملين, سواء أكان بالنسبة لقوى الإسلام السياسية الشيعية أم السنية. كما يعتقد البعض بأن المرجعيات سوف تقف على الحياد في الانتخابات القادمة , وهو خطأ قاتل أن استمرت قناعتهم بذلك, فللمرجعية أساليبها وأدواتها في الدعم المباشر أو غير المباشر.

وحين تلتقي بهذا الحزب أو الكتلة على انفراد ستجد الشكوى مرة من الأطراف الأخرى, وهو تأكيد لضعف الصراحة والشفافية في ما بينها, وضعف السعي لمعالجة ضعف الثقة المتبادلة, رغم وجود أهداف مشتركة مرحلية وبعيدة المدى أيضاً, إضافة إلى وجود رؤية مضخمة للذات, للـ"أنا" والـ "نحن" في مقابل الـ "آخر" و"هم"!     

ومن هنا أقول بأن الخلاف لا يرتبط بالمبادئ والأهداف الأساسية التي تمس مصالح الشعب, بل بالقضايا الذاتية التي ترتبط بموقع كل منها في التحالف المنشود, وهو الذي يفرقها, وحين تتحالف يفرقها الموقع أو التسلسل الذي تحظى به في قوائم المرشحين للانتخابات. وحين دب الخلاف في تحالف "مدنيون" مثلاً واقترحت عليهم حلاً, رضي به البعض ورفضه البعض الآخر بذريعة أنه الأفضل من الآخرين ويمتلك قوة صوتية أعلى تؤهله للفوز بمقاعد في مجالس المحافظات, ولكن الجميع خسر حتى المواقع التي كان قد حصل عليها في الدورة السابقة بحكم وجوده في إطار التحالف مع القائمة العراقية.

علينا أن نتيقن بأننا لا نملك غير هذه القوى التي يفترض فيها أن تتعاون, لا يمكننا استبدالها بقوى أخرى, كما لا يمكن استبدال شعبنا بشعب آخر, وعلينا بذل الجهد لتذليل الصعاب في إطار القوى المتوفرة لدينا. وهي كثيرة ومهمة وقابلة للتكاثر. كما كان ساخراً برتولد بريشت حين قال ما معناه: بما إننا لا يمكننا تغيير الحكومة, فلا بد إذن من استبدال الشعب!

ولكن ما هي أسباب ضعف القوى الديمقراطية العراقية حالياً؟

لا ابالغ أيضاً حين اقول أن الضعف الحقيقي يكمن في العزلة الشديدة التي تعاني منها قوى التيار الديمقراطي عن فئات الشعب الأساسية وخاصة الفئات الكادحة والمهمشة في المدينة والريف, ومعزولة عن القوى المثقفة والواعية والقادرة على تعبئة الناس حول شعارات ملموسة وعملية ومثمرة, ومعزولة عن أولئك الذين تتحدث عن رغبتها في تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم, في حين علاقتها بهم على اضعف ما يكون. فقوى التيار لا تمتلك علاقات نضالية جادة مع فئات الشعب رغم أنها تحمل شعارات مطلبية صائبة عموماً, لكن لا تناضل فعلياً وجماهيرياً من أجلها أو تعبئ الشعب حولها وتدفع بهم للمطالبة بها عبر احتجاجات جماهيرية أو إضرابات أو مظاهرات لتضع السلطة أمام مسؤولياتها الفعلية.

لقد تشظت قوى التيار اليمقراطي, ولكنها تبذل بعض الجهود لتلتقي في ما بينها وتتحاور, ولكن البعض منها غير مستعجل للوصول إلى اتفاق مناسب لخوض الانتخابات, بل يفكر بوضع استراتيجية بعيدة المدى, وهو أمر يحمل خللاً فكرياً, إذ من غير المعقول أن نفرط بفرصة بانتظار فرص محتملة لاحقاً. إن من المفيد أن نبدأ بالتحالف لخوض الانتخابات ووفق شعارات محدودة ومرحلية, ثم نواصل الحوار لإنجاز اتفاقات استراتيجية بعيدة المدى. يبدو أن البعض لديه نفس طويل ومرتاح للوضع الهادئ نسبياً في الوقت الحاضر, وكفى الله المؤمنين شر القتال!

البعض الآخر لا يريد الدخول بصراع مع رئيس الحكومة, وكأن الرجل هو الأمثل للمرحلة الراهنة, وبالتالي تراجع النقد الذي يفترض أن يوجه له بأمل التحالف معه بصيغة ما. إن الخشية من النقد للحكم بسبب مساهمة هزيلة في الحكم تقود إلى عواقب وخيمة عاشها الحزب الشيوعي الكردستاني/ العراق في علاقته مع الحزبين الحاكمين, إذ تشكل تحالف الحرية والعدالة بسبب رفض الحزبين التحالف مع قوى أخرى ومنها الحزب الشيوعي الكردستاني, مما اجبر الحزب على  بناء تلك الجبهة الهزيلة, وكانت النتيجة محزنة لتاريخ هذا الحزب وتراثه ونضاله الطويل. إن النقد والمعارضة لا تعنيان مناهضة وعداء موجه ضد الحكومة في ظل أجواء ديمقراطية, بل تعني رفع مستوى المسؤولية والوعي بالواقع وعواقبه المحتملة. وما يجري على مستوى البلاد مماثل نسبياً مع ما جرى ويجري على مستوى كردستان العراق.

أعتقد بأن عوامل ذاتية ورؤية قاصرة عن فهم الواقع الجديد ومستجداته ومشكلاته هي التي تعيق الوصول إلى اتفاق بين قوى التيار الديمقراطي. ويمكن تذليل هذه العقبة لو أمكن تحقيق بعض التغييرات في جميع قوى التيار الديمقراطي, وخاصة التي ترى في نفسها أنها الأكبر أن تتقدم بتواضع وبعيداً عن المماحكات بمشروع لعقد مؤتمرات في النواحي والأقضية والمحافظات وصولاً إلى بغداد لتأمين علاقات أفضل بين قواعد قوى التيار الديمقراطي من العرب والكرد وبقية القوميات التي تواجه مصاعب جدية في التعامل مع الأحزاب الإسلامية السياسية أو المغرقة في السياسات القومية الشوفينية.

نحن بحاجة إلى رؤية جديدة ولا بد من أخذ المبادرة, لا بد من البدء واستثمار الفرصة بدلاً من الدخول باستراحة صيفية طويلة الأمد يستفيد منها الآخرون على حساب التيار الديمقراطي الذي بدأ البعض من قواه يمنح نفسه فرصة الاستراحة الصيفية الطويلة.

      ----------------------------------

هل من إمكانية لتحقيق التعاون والتنسيق بين أطراف القوى الديمقراطية العراقية؟ .. الحلقة الثانية

إن متابعتي لأوضاع القوى الديمقراطية تؤكد لي بأن ثلاثة عوامل تؤثر سلباً على تأمين التعاون بين قوى التيار الديمقراطي العراقي, والتي أشرت إليها في الحلقة الأولى والتي يمكن تلخيصها بنقاط ثلاث, وهي:

1 . ضعفها بشكل عام ونشوء تنظيمات جديدة خارجة من تنظيمات سابقة نشأت بسببها علاقات متوترة تستوجب التنقية.

2 . تركة غير ديمقراطية في مجمل العلاقات في ما بين القوى الديمقراطية وضعف الثقة, يضاف إلى ذلك شعور عام لدى كل طرف بقدرته وقوته ورغبته في البروز تحت تأثير ذاتية شديدة تؤثر سلباً على علاقات بعضها بالبعض الآخر.

3 . عزلتها عن الشعب وعن النشاط الجماهيري والتي نشأت تحت وطأة عوامل عدة منها الإرهاب والتهديد بالموت للكوادر السياسية وسقوط الكثير من الديمقراطيين والمثقفين شهداء على طريق النضال.

ولكن هناك الكثير من المسائل التي يفترض أن يجري التفكير بها من جانب القوى الديمقراطية العراقية والتي تستوجب تلاقيها والبحث في أوضاعها وتحويل المسار 180 درجة صوب التعاون والتحالف لخوض الانتخابات القادمة وتأمين استراتيجية تحالف لاحقة في ما بينها. وسأتطرق في هذه المقالة غلى بعض القضايا التي ربما تثير النقاش حولها لتقريب وجهات النظر. ومن باب تحيل حاصل أن نشير إلى أن القوى الديمقراطية تمتلك تجارب غنية في التحالفات السياسية, بينها ما هو ناجح وأخرى فاشلة, وبينها ما هو غث وبعضها كان سميناً. ومثل هذه التجارب يفترض أن تكون عوناً لنا جميعاً في التحري عن إمكانية لتحقيق الوحدة الوطن

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com