|
العلاقات العراقية السورية مسار متعثر
ناجي الغزي تاريخ العلاقات على الرغم من أهمية الدولتين العراقية والسورية في منطقة الشرق الاوسط وثقلهما السياسي والاقتصادي وتقاربهم الجغرافي والتاريخي والاجتماعي والثقافي. الا أن العلاقات العراقية- السورية مرت بمسارت متعثرة منذ تأسيس الدولة العراقية والدولة السورية. وعلى الرغم من أن أحد أهداف ثورة 1958 في العراق أقامة الوحدة بين العراق وسوريا, إلا أن ذلك لم يتحقق بل أخذت العلاقات حالة من العداء السياسي والتصعيد الاعلامي وأستمر هذا العداء حتى عام 1961. وبعد وصول حزب البعث في العراق الى السلطة عام1963- 1968 وفي سوريا عام 1966 أزداد العداء بين الجناحين بسبب الاحقية في التمثيل الاساسي للحزب. وهذا العداء على الرغم من أنه أيديولوجيا الا أنه أخذ شكلا سياسياً. ورغم بعض الفرص التي لاحت في تحسين مناخ العلاقات بين البلدين في عام 1963 بعد نجاح انقلاب البعث وفي 1978 بعد أن قامت مصر اتفاقية كامب ديفد. كمحاولة بين البلدين العراق و سوريا وعقد اتفاقية للعمل المشترك بين البلدين, ولكن سرعان ما أنفرط عقد الاتفاقية بسبب تشكيك قيادة حزب العراق بنوايا سوريا واعلان وجود مؤامرة ضد نظام الحكم في العراق. وقاد هذا التشكيك صدام المقبورعندما كان نائباً للبكر وقد تم اعدم الكثير من رفقاء الدرب من أعضاء القيادة العراقية آنذاك بوصفهم خونة وعملاء. وعند اندلاع الحرب العراقية- الايرانية وغزو نظام صدام للكويت أتخذت سوريا مواقف واضحة وسلبي من النظام البعثي العراقي. وبعد سقوط النظام البعثي الصدامي بالارادة الشعبية وبمساعدة الآلة الامريكية. دخلت العلاقات العراقية- السورية مرة أخرى في مسار جديد ولكنه يبدو متعثر على الرغم من ندرة العلاقات السياسية والاجتماعية بين قوى المعارضة السياسية العراقية والسلطات السورية, عندما كانت تمارس عملها التنظيمي على الاراضي السورية ووصولها الى سلطة الحكم في العراق وأنفراج نسبي في العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين ونزوح الكثير من العوائل العراقية الى سوريا. الا أن العلاقات السياسية تسير بخطى حرجة بسبب دعم وأيواء البعثيين من أعوان النظام المقبور من قبل الحكومة السورية وتقديم المساعدة الى الفصائل المسلحة في العراق التي ترهب المواطن وذلك عن طريق زحزحة الامن والنظام من خلال تفخيخ السيارات ووضع العبوات اللاصقة والمزروعة في الطرقات وتلك الممارسات الغرض منها تعطيل العملية السياسية, والدعم السوري لهؤلاء المجاميع تعتبره سوريا واجب قومي. وهذا الدعم يتجلى فيه مخاوف القيادة السورية من التواجد الامريكي في العراق ولكن الدستورالعراقي واضح البنود " بأن العراق لايمكن أن يكون ممر أو معبر لاي قوة ". وقد أصبح التواجد الامريكي في العراق ضمن اتفاقية مجدولة بتواريخ معلومة بين الحكومة العراقية والامريكية. وقد طرحت علناً وصادقت عليها السلطات الثلاثة في العراق وسوف يصبح التواجد الامريكي في ذاكرة التاريخ لان الأحتلال يزول ويتنهي والشعب يتحرر من قيود المحتل هذا ما قاله لنا التاريخ في تجارب الشعوب.
توتـــر العلاقات لقد عاش الشارع العراقي منذ سقوط النظام المقبور سلسلة من الاعمال الارهابية التي نالت الشعب العراقي ومزقت أجسادهم بوحشية كاسرة وبشتى فنون الارهاب, فلم يسلم مكون من مكونات المجتمع العراقي من تلك الاعمال الوحشية فقد ضربت الاسواق الفقيرة المكتضة بالمتسوقين وأماكن كراجات تجمع مواقف السيارات المكتضة بالمسافرين والمساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة المختلفة المكتضة بالعابدين والمصلين والمدارس وللجامعات بالطلبة ودوائر ومؤسسات الدولة العراقية وكل من يرتادها . فقد أصبح الشعب وممتلكاته هدف كبير للارهاب دون رحمة ودون تمييز. وكل الدماء التي سالت في شوارع بغداد لم تهز مشاعر العالم الانساني ولا المحيط الاقليمي العربي والاسلامي, والأغرب في المشهد الدموي هو الصمت الذي تبديه الحكومة العراقية وردود الافعال الرسمية لها بتعليق تلك الاعمال الوحشية الى صفات عابرة ومستهلكة مثل " الجماعات الأرهابية والتكفيرية والصدامية" حتى سأم الشارع العراقي تلك الشماعة ولاسطوانة المشروخة. أضافة الى لغة الايحاء والايماء التي تستخدمها الحكومة العراقية في اتهامها الى دول الجوار دون تسمية الاخير بالاسم. على الرغم من وجود تدخل واضح من الجانب الايراني وتصدير رسائل تهديد ووعيد, وزج السموم في الاسواق العراقية من خلال البضائع المتنوعة الفاسدة والتصفيات الجسدية التي نالت الضباط والاساتذة وتصفيات الحساب مع من شاركوا في حرب القادسية. وكذلك الفتاوى التكفيرية العلنية وعلى شاشات التلفيزيونات العالمية من قبل وعاض السلاطين وعلماء السلطة السعودية والتي قادت مئات الانتحاريين من الجحوش البشرية الى الاراضي العراقية وتسميمهم بأفكار شيطانية . وللاسف تم تسليمهم الى دولهم دون قيد أو شرط, الا أن الحكومة العراقية لم تجرئ ان تقدم هؤلاء التكفيرية الى محاكم دولية. بل ذهبت تغازل السعودية بتسفيرالارهابيين بيد مسؤول الامن القومي موفق الربيعي, بل ذهبت الى ابعد من ذلك بأسال سفير عراقي الى السعودية دون أي تمثيل سعودي على الاراضي العراقية, وتعرض لرجال الاعمال السعوديين فرص استثمارية يسال لها اللعاب, ورغم هذا وذاك ظل زعماء ال سعود من خلال قنواتهم الدبلوماسية والاعلامية يعبرون عن عدم ارتياحهم لشخص المالكي والى السياسيين العراقيين لسببين الاول الحقد الطائفي والاخرعدم أشراك البعثيين في الحكم من خلال المصالحة الوطنية. وكذلك التدخل السوري العلني والرسمي من خلال تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد عام 2007 في 5 فبراير حيث قال " لسنا اللاعب الوحيد لكننا اللاعب الأساسي" وهذا دليل آخر على تدخل الحكومة السورية في الشأن العراقي ولكن الحكومة العراقية ذهبت مهرولتاً الى السلطات السورية تعرض وتبرم الاتفاقيات والصفقات التجارية بين البلدين. وبعد زيارة المالكي الى دمشق في 18 أغسطس/ آب والتي توجت باتفاقه مع القيادة السورية على تأسيس مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى بين العراق وسوريا، حدثت كارثة يوم الاربعاء الاسود الدامي 19 أغسطس/ آب الذي ذهب ضحيته 1000 جريج و200 شهيد بستة أنفجارات مدوية مستهدفة أهم الوزارات السيادية والمعالم السياسية في البلد. هذه الكارثة هزت الحكومة العراقية التي حققت بعض الانجازات في الملف الامني والتي تعيش العد التنازلي من عمرها, وأيقضت شعورها أتجاه الضحايا ومسؤلياتها الوطنية, وتقديم تبريرات واضحة للشعب وتكشف ماهو مستور تحت الايحاءات والايماءات وما يدور في غرف التحقيقات الجنائية دون تصريح واضح, دون أدنى أجراء المعاقبة والردع لمنفذي تلك الاعمال الإرهابية والكوارث المرعبة التي مزقت أجساد العراقيين وزرعت الفرقة والفتنة بين مكونات المجتمع. أصبحت اللغة والعبارات في تلك الاحداث واضحة هذه المرة عندما سميت الحكومة العراقية "سوريا كدولة داعمة للارهاب داخل العراق ومساندنة للبعثيين على اراضيها" هذه الخطوة الجريئة من الحكومة العراقية تجعل الشعب العراقي يعيد ثقته بها, ويجد حلا للغز الذي يعيشه الشارع العراقي كل يوم تحت يافطة الارهابيين والتكفيريين. وان سحب السفير العراقي من الجمهورية السورية لها مؤشرات على صحة التحقيقات البدائية التي أدلى بها الارهابي البعثي وسام علي كاظم إبراهيم، الذي أدلى بمعلومات حول نشاط مسلح يدار من الاراضي السورية ويشرف عليه أعضاء من مجلس قيادة الثورة المنحل وهما محمد يونس الاحمد وسطام فرحان . يبدو أن سياسة الحكومة العراقية تعتمد على حسن النوايا في تعاملها مع دول الاقليم العراقي وليس على اساس العلاقات الدبلوماسية والمصالح المشتركة. فهي تحاول تسويق مشروعها الدبلوماسي والسياسي في أطار حسن النوايا لترميم الصدع الحاصل في صورة العراق الدبلوماسية مع المحيط الاقليمي والمجتمع العالمي, فتقدم عروض كبيرة وسخية لدول الجوار من أجل تعزيز روابط العلاقات الثنائية بين البلدين على المستويات الاقتصادية والسياسية , ولكن ترجمت تلك النوايا من قبل المحيط الاقليمي حالة من الضعف والتخاذل. وزيارة الوفد العراقي الى الشقيقة سوريا في 18 أغسطس/آب برئاسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومجموعة من الوزراء المهمين تمخض عنه أبرام اتفاق مشترك بين البلدين وقد جاء نصه " تأسيس مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى بين العراق وسوريا، على أن يرأس المجلس رئيس الوزراء في كل من سوريا والعراق، على أن يجتمع المجلس مرتين سنوياً بالتناوب بين البلدين، وسيكون كل من وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والنفط والكهرباء والصناعة والمالية والاقتصاد والنقل أعضاء في المجلس، ويمكن توسيع عضوية المجلس ليشمل بقية الوزراء المعنيين بالمسائل ذات الاهتمام المشترك". كما اتفق الطرفان على التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية، وإبرام اتفاقات تساهم في إقامة روابط أقوى بين البلدين، وتكثيف التشاور والتعاون حول المسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك لكلا البلدين. وكذلك اتفق الجانبان على التعاون في تأمين نقل النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية عبر سوريا، تعزيز التعاون لزيادة العلاقات التجارية لما فيه المصلحة المشتركة للبلدين، وتشجيع شركات القطاع العام والخاص لزيادة التعاون في مجالات الاستثمار في كلا البلدين ودفع العلاقات التجارية بينهما، ودعم التعاون في المجال المصرفي وتشجيع المشاريع المشتركة للقطاعات الخاصة، ودعم التعاون في مجال طرق النقل البري من خلال إزالة الرسوم المفروضة على النقل الثنائي وإقامة محطات مشتركة لتحقيق هذا الهدف، تعزيز النقل بالسكك الحديدية وتحديث الخطوط الحديدية وتحسينها، وتحسين التعاون في مجالات الطيران المدني والحركة الجوية، وتشجيع التعاون لزيادة السياحة وتسهيل إجراءات السفر بين البلدين. وهناك اتفاقات شتى في ميادين مختلفة تلعب دورا في حياة البلدين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية . وهذا الاتفاق يحمل تباشر جيدة للطرفين فهل من مصلحة سوريا نسف تلك العلاقة المهمة وتدمر بنود الاتفاق, مقابل أيواء حفنة من البعثيين الفارين الذين ذبحوا الشعب العراقي طيلة حكم البعث الصدامي. في الوقت الذي تحتاج له سوريا أكثر من غيرها لتحسين صورتها وأثبات حسن النوايا أمام المجتمع الدولي. وتبدد أتهامات محكمة العدل الدولية بقضايا الارهاب المختلفة كقضية الحريري وتهريب الاسلحة الى حزب الله. وتحسين علاقاتها مع الجانب الامريكي وبعض دول أوربا. أن تلك الاتهامات والادلة التي تنوي الحكومة العراقية تقديمها الى المحاكم الدولية والى مجلس الامن ضد سوريا, تزيد من عزلة الجمهورية السورية وتساهم في أفشال المساعي الرامية لتطوير العلاقة مع واشنطن وقتل عملية السلام في الشرق الاوسط. لان تلك الاتهامات تظهر للعالم بأن السلطات السوريا تمارس الارهاب والقتل ضد الشعوب الجارة كما تشكل حاضنة وداعمة للارهاب والارهابيين وتتدخل بالشأن الداخلي للدول الساخنة. وليس من مصلحة سوريا تصعيد حالة التوتر بينها وبين العراق وأن سحب السفيرين هو جرس انذار لنسف العلاقة الجديدة بين البلدين وخسارة بنود الاتفاق , في الوقت الذي يعانيه الاقتصاد السوري من ركود وارتفاع بالمستوى المعاشي وانخاض دخل الفرد. والعراق اليوم من الاسواق التجارة المهمة في مجال الاعمار والخدمات والمواد الغذائية. واذا كانت دمشق تنوي توجيه رسالة الى الجانب الامريكي مفادها أن الدورالسوري مهم في استقرار العراق وأمنه, ولكن ليس على حساب دماء العراقيين الابرياء والشعب العراقي ليس طرفاً في اللعبة السياسية والغزل الدبلوماسي بين سوريا ودول العالم الاخر. هذا السلوك السياسي الخاطئ يدفع ربما الطرف العراقي الى استخدام اساليب وحشية تربك الوضع السياسي الداخلي السوري, وهذا يجعل المنطقة تحترق بأيدي أبناءها. وعلى الحكومة السورية ان لاتجنح الى مخططات المنظمات الارهابية التي تريد تعطيل العملية السياسية ودورها في مرحلة البناء السياسي والديمقراطي للمجتمع. فلا خيار أمام سوريا لاثبات نواياها الطيبة والحسنة مع شقيقتها جمهورية العراق الا بتسليم هؤلاء العابثين بدماء العراق الى السلطات العراقية وتجفيف منابع التمويل وقطع المعابر الحدودية أمام القادمين من أراضيها لضرب العراق وشعبه. واليوم نرى أجماع سياسي وشعبي مع مطلب الحكومة العراقية بتسليم قتلة الشعب العراقي الى القضاء العراقي وفق الاحكام القانونية وأمام سلطة القانون والعدالة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |