|
نحن ووطننا الجريح والحلول .. الفصل الثاني
قرطبة الظاهر حقوقنا الاساسية غير قابلة للحذف او الالغاء او التغيير: تعتبر الحقوق الاساسية وهي حقوق الانسان او الحقوق الطبيعية والحقوق السياسية او حقوق المواطنة والحقوق الاجتماعية من اهم المواد القانونية التي يجب أنْ تُرسَّخَ في دستورنا وان تكون مُعتمدةً في كل مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية. ويعد التعامل بها في حياتنا العامة امراً ذا اهمية عليا في تحقيق العدالة الاجتماعية ورد الاعتبار للمظلومين ومقاضاة المتجاوزين والخارجين على سيادة القانون. في الفصل الاول ذكرتُ بعضاً من الحقوق الاساسية والتي تجسد حقوق الانسان وهي الحريات الاساسية فإنها جزءٌ من الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها كل الافراد وكل انسان مثل حرية الفكر والتعبير والكتابة وجمع المعلومات والصحافة. ففي كل الدول التي خرجت من قمقم الدكتاتورية وقمع الرأي والكتابة إرتأت أن تُرسِّخ في أولى صفحات دساتيرها كل ما صودر منها من حريات وحقوق ومبادئ انسانية وفكرية وابداع. هذه الحقوق غير قابلة للمصادرة او الالغاء او التغيير ويجب علينا تثبيت هذا الامر في مادة من موادنا الدستورية كما هو مثبت في المادة 79 من الدستور الالماني الحالي والذي أُصدِرَ في 23 مايو عام 1949 أي بعدَ خمس سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية التي جاء فيها: "(1) لا يجوز تغيير الدستور إلا بدستور[…] " و "(3) لا يجوز تغيير هذا الدستور الذي يمس تجزئة الاتحاد إلى اقاليم والدور الفعلي للاقاليم في السلطة التشريعية و المواد 1 إلى 20 ". المواد 1 إلى 20 تتضمن الحقوق الاساسية في الدستور الالماني. تسمى المادة 79 في القانون الالماني ب"المادة الازلية" (Ewigkeitsklausel) إذ انها تعبر عن تمسك شعب المانيا بالحقوق والمبادئ والاسس التي اقيمت عليها جمهورية المانيا الاتحادية وهذه الحقوق غير قابلة للتحريف او التغيير او الحذف من الدستور فهي ثابتة إلى الابد. ونحن اليومَ علينا أنْ نقارنَ أنفسَنا بالدول التي تجاوزت الدكتاتورية واعادت لنفسها وبارادتها الجماهيرية النظام الديمقراطي. فبعد الحرب العالمية الثانية وأستسلام المانيا الكامل وبدون شروط للحلفاء ابتدات ساعة الصفر وحقبة جديدة للمطالبة برد الاعتبار للحريات والحقوق الاساسية للشعب الالماني التي صودرت منه عام 1933. يكتب اول مستشار لالمانيا السيد كونراد ادناور Konrad Adenauer في مذكراته بين الاعوام 1945ـ1953 :"خلال فترة حكم النظام الوطني الاشتراكي النازي كنت اشعر بالحياء من كوني المانياً [..] والان وبعد الانهيار عندما ادركت بكل ما عصف بشعب المانيا من جوع وبرد ومعاناة وموت وحياة بلا امل لمستقبل افضل وبلا سلطة سياسية... ووجدت شعبا منبوذا من كل شعوب العالم اصبحت اسال نفسي : كيف تحمل هذا الشعب هذا المصير الذي حل به برباطة جاش وصبر وبكل هذه القوة التي يبدو كانها اكبر من كل حرمان وضيق؟ عندما ادركت كل ذلك، استطيع الان القول وبكل فخر باني الماني". ويضيف: "استحضرتُ التاريخ الالماني للمائة سنة الماضية وسالت نفسي, كيف أخذ التاريخ مجراه هذا؟ سؤال يستحق الطرح إذا كنا نريد ان نقضي على كل هذا البؤس وان ننقذ انفسنا من هذا السقوط. وإذا اردنا ان نسلك الطريق الصحيح إلى الاعلى علينا ان نستفسر اولا عن سبب هذا السقوط [...]. شعب المانيا اصيب بمرض عضّال جسيم منذ عقود طويلة واستفحل المرض في كل طبقاته الاجتماعية بسبب ادراكه الخاطئ لمفهوم الدولة والسلطة والعلاقة بين الفرد والدولة. لقد جعل شعب المانيا من الدولة إلها منصوبا فوق المحراب! وكل فرد ضحى بكرامته وقيمته الانسانية لهذا الاله [...]. النظرة المادية لشعب المانيا خلال الحقبة الصناعية ادت إلى إتساع نفوذ السلطة وبذلك إلى تقوية نفوذ الدولة، عندما تتركّزُ كل السلطات في سلطة واحدة وتؤدي إلى تقليص القيمة الانسانية وكرامة الفرد [...]. يجب ان يكون الهدف من تكوين الدولة هو النهوض بكل القوى المبدعة والبناءة من الشعب وحمايتها والحفاظ عليها. عندما نقوم باعادة بناء المانيا مستقبلا علينا ان نتطلع إلى تنمية شعور المسؤولية وبناء فكر سياسي مستقل للفرد الالماني. يجب ان يكون تكوين الدولة عبارة عن مجتمع ذي مصير واحد تجتمع فيه مختلف التطلعات والافكار والمصالح وان يكون مبنيا على القانون والحرية لكل فرد فيه [...]. إذا تكفلنا بهذا العمل بقناعة وبخبرة وعمل دؤوب فاني متأكد بان الشعب سوف يتقدم شيئا فشيئا إلى الامام بقوة شخصيته وقدرته بالحكم على المعطيات والواقع نحو قيادة سياسية قيمية وفكرية وبارادة تامة [...]. الديمقراطية لا تنبثق من نظام حكم برلماني وانما يستوجب عليها ان تكون اولا مرسخة في وعي الانسان. وقد ادركنا ذلك وبكل وضوح كيف تحولت الديمقراطية إلى دكتاتورية في الاشهر الاولى لعام 1933 بسبب عدم وجود حس ووعي ديمقراطي لدى الناس. الديمقراطية هي اكثر بكثير من نظام حكم برلماني فهي عقيدة (Weltanschauung)، تتجذر من فلسفة الحفاظ على الكرامة والقيم والحقوق الاساسية (Imprescriptible Rights) لكل انسان. يجب على الديمقراطية الفعلية ان تحترم وتقدر قيمة كل فرد في الدولة و على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. من يفكر ديمقراطيا عليه أنْ يكنَّ الاحترام للمقابل وخاصة احترام ارادته الصريحة وطموحاته ". نحن شعب العراق علينا ايضا ان نبني في انفسنا هذا الوعي ونتعلم من تجربة المانيا ونهوضها بعد كل الانهيار التام الذي عصف بها خلال ونتيجة الحرب العالمية الثانية كي ندرك بان كل ما حل في دولتنا منذ 2003 هو في الحقيقة عبارة عن امراض موروثة تراكمت مع الزمن وتفاعلت مع افكارنا وتطلعاتنا وتوجهاتنا العقائدية والايديولوجية الحالية. ففي غياب الادراك والشعور بالمسؤولية تجاه بعضنا البعض وفقدان الاحترام المتبادل في الفكر والمبادئ القيمية اضعنا الفرصة في تكوين دولة صحية مبنية على احترام كرامة كل فرد منا والحفاظ على حقوقه الاساسية. لكن الحل لازال بين ايدينا وعلينا ان ننقذ انفسنا قبل فوات الاوان ونتطلع إلى الشعوب المتحضرة والمتقدمة لا إلى الماضي السيء وإلى تجاربنا المؤلمة وان نعمل مع هذه الدول على تطوير مؤسستنا او مدرستنا الديمقراطية التي تبدأ في بناء جديد قوي ومتين لذاتنا.
2. الحقوق السياسية او حقوق المواطنة: تتمثل الحقوق السياسية بعبارة "كل المواطنين" او "كل العراقيين" في الدستور العراقي وهي تضمن لكل مواطن للدولة حقه في المشاركة في ادراة الشؤون العامة والتعبير عن ارادته العامة. ومن اهم الحقوق السياسية هي حق المواطنة (المادة 18، ثانيا من الدستور العراقي لسنة 2005) والمشاركة في الانتخابات والاستفتاء الشعبي والحق في الدخول إلى كل المؤسسات العامة وحق الترحال والسفر والتنقل وحق العمل وحق التجمع والتظاهر وتكوين منظمات ونقابات. والحقوق السياسية متعلقة بنوع نظام الحكم الذي يختاره الشعب. ولان نظام حكم دولتنا ديمقراطيٌّ فهناك اصناف من هذا النظام: الديمقراطية المباشرة والنيابية والتوافقية والتنافسية والتحاصصية. مهما كان شكل الديمقراطية لابد من احترام حقوق الفرد وارادته الوطنية لان الشعب هو المصدر والحامل الاساس لكل السلطات (المادة 5 من الدستور العراقي لسنة 2005). ولان دولتنا الان هي جمهورية يعني ذلك بان الارادة العامة (الجمهورـ ية) وكما اسماها الفيلسوف في الفكر السياسي السيد جان جاك روسو بال „volonté générale” ..بان هذه الارادة هي عبارة عن اتحاد الارادات الفردية، اي أن كل ارادات الافراد في المجتمع تتحد عبر العقد الاجتماعي في الارادة العامة. عندما تتلاشى الارادة العامة تتحول هذه إلى الارادة الشمولية "volonté de tous" وهي ارادة الشخص الواحد او مجموعة صغيرة من الافراد تجمعهم مصالح مشتركة تحتكر من خلالها كل الارادات الفردية في المجتمع وتصادرها بقوة السلاح والنفوذ والسلطة. مثال على ذلك هو تحول الارادة العامة إلى إرادة القائد الاوحد في العراق من 1958 إلى 2003. لذلك لا نستطيع القول بأننا أسسنا الجمهورية في عام 1958 لان عملية تحول النظام الملكي إلى نظام رئاسي لم تنبثق من إرادة شعبية عامة بل إنبثقت من إرادة مجموعة من الضباط الاحرار قاموا باسقاط نظام الحكم وأعلموا الشعب عبر المذياع (راديو بغداد) بنبأ التحوّل. علينا قبل ان نطالب ونرسخ ونجسد حقوقنا السياسية بادراك العلة والاخطاء التي حلت بدولتنا وتصحيحها قبل المباشرة بكتابة او نقل حقوق من دساتيرنا الماضية ومن دساتير اجنبية إلى دستورنا الحالي. علينا ان نتساءل ونفهم معنى الدولة والجمهورية ومفهوم العلاقة بينها وبيننا كافراد اولا وكمواطنين ثانيا. نحن بحاجة إلى المادة الازلية كي نحافظ على نظامنا الجمهوري ومبادئنا الانسانية والقيمية بعد كل ما حل بنا من مصادرة تامة لكل حرياتنا وحقوقنا منذ تكوين الدولة العراقية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |