الشرق الاوسط بين ديمقراطية أمريكا وأزمة النخب العربية

 

محمود الوندي

 m-w1948@hotmail.de

يعتبر الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم توترا أمنيا ونظاما مستبدا واقل مناطق العالم ديمقراطية، وتعتبر المنطقة من أكثر المناطق صراعا بين الدول.. حيث شهد عبر تأريخ القرن الماضي أكثر الحروب.. منها الحروب العربية - الإسرائيلية وهجوم إسرائيل على لبنان.. والحرب العراقية - الإيرانية وغزو العراق للكويت.. والمشكلة النووية الإيرانية.. إضافة الى القضية الكوردية والاقليات الاخرى.. ولا يستطيع احدا ان يتكهن الى مستقبل المنطقة، لما لها من أهمية افتصادية عميقة بوجود بترول غزير، واهمية إستراتيجية كبيرة، وحلقة وصل بين دول وقارات العالم، إضافة الى مصالح دول كبرى، وصراع الاقليمي والقومي والطائفي في  المنطقة طوال القرون السابقة.

بعد هجمات اا سبتمبر 2001 وجدت الإدراة الامريكية حاجة ملحة في نشاط دبلومسي وعسكري لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط في سياق معركة كسب القلوب والعقول ضمن الحرب على الارهاب. وضمان أمنها وأمن الدول الحليفة لها، واتخذت قضية الديمقراطية ذريعة لتبرير عزل بعض الحكومات الدكتاتورية في الشرق الاوسط، كما حصلت تغيرات سياسية كثيرة في المنطقة كان ابرزها القضاء على الحكم الاسلامي المتشدد (حكم طالبان) والمتطرف في افغانستان وعلى نظام الحكم البعثي الشوفيني في العراق، منذ ذلك اليوم تشهد منطقة حالة تهدئة وترقب بانتظار ما سيسفر عنه الحراك السياسي في المستقبل على المستوى الإقليمي والدولي والمحلي.

 فالسياسة الأمريكية لم تنطلق بعد بشكل عملي لترجمة توجّهات الإدارة الجديدة حول مختلف الملفات الحساسة في المنطقة التي تربط كل احداث الشرق الاوسط بعضها بالعض الاخر، فإنها لا تزال في مرحلة الاختبار وجس النبض لان الخيوط متعددة ولكنها متشابكة، وكذلك بسبب خصوصية الإشكالات الدولية لكل ملف، إضافة إلى أن الأزمة المالية العالمية تركت آثاراً سلبية بشكل عام، واستقطبت اهتماما متزايداً من لدن الإدارة الامريكية، على حساب تلك الملفات.

 فكانت هناك الأضواء الاوروبية مسلطة على هذه القضايا في الشرق الاوسط على اساس انهم أكثر دراية بالشرق الاوسط وشعوبها من الولايات المتحدة نظرا لتأريخهم الاستعماري في المنطقة، وكما للولايات المتحدة حسابات إقليمية ودولية لهذه القضايا في المنطقة، تكاد اهتمامات إدارتها بهذه الملفات ومنها الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تنطلق من كون القضية الفلسطينية هي المصدر الإيديولوجي الذي يتاجر به بعض الدول العربية والاقليمية وتدعم الإرهاب تحت غطائه، في حين تعتبر فيه أفغانستان الساحة الرئيسية لمحاربة الارهاب، إضافة الى الملف العراقي واللبناني والملف القضية الكوردية في تركيا والنووية الإيرانية.

وبالترابط بين هذه الملفات المختلفة تحاول الإدارة الامريكية الجديدة بالبحث على أشكال جديدة للتعامل مع هذه الملفات وإيجاد حل جذريا لهم بطريقة صياغة سياستها الجديدة.

 حسب المنظور الأمريكي، تعتبر إيران الراعية الأولى لمنافستها في منطقة الشرق الاوسط، كونها تقف ازاء هدف استراتيجي للامريكيين في المنطقة، لذلك تتحرك هذه الادارة على مختلف المسارات في مواجهة المد الإيراني المتشعب في المنطقة وبشكل خاص داخل العراق، بحجة محاربة مشروع إيران النووي، من خلال فتح القنوات مع مختلف المكونات لدعم نفوذها لمواجهة التمدد الإيراني في بعض الدول العربية ومنها العراق، ولكي تحقق لها الاستقرار وبقائها في المنطقة.

ولكن نرى من جهة اخرى، فإنها حزمت أمرها بالحوار مع إيران لكن مع تماطل أمد الملفات زمنا أطول لحين توفير الظروف المناسب لكسب الوقت ومن اجل الأستفادة الأكبر، بحيث تفرض شروطها على طرف إيراني وتفعيلها غير قابلة للمساومة او المقايضة، واما الحكومة الإيرانية تنظر الى الحوار مع الولايات المتحدة بقلق من تداعياته السلبية المحتملة على قبضتهم على نفوذ إيران سواء في العراق او في لبنان وغزة.

 واما الحوار الامريكي مع الحكومة السورية فإنه يتريث من الطرفين، بما ان السلطة السورية تشكل الورقة الأساسية في معادلة الشرق الاوسط بسبب أنها تملك بيدها ورقة التنظيمات الفلسطينية واللبنانية الموالية لها، وتعتبر إحدى الساحات الأمامية لهذه المنافسة والصراعات بين المشروعين الأمريكي والإيراني، وتحاول الإدراة الامريكية عزل سوريا عن المجتمع الدولي ودعم حركات المعارضة لها من خارج سوريا، ومن جهة اخرى تدفع امريكا حلفائه في المنطقة وبالاخص الحكومات العربية للضغط على سوريا للعودة الى الصف العربي المعتدل، ومن الضروري رجوعها الى دائرة المفاوضات مع إسرائيل من خلال حكومة تركيا، وتحاول أمريكا ايضا ابعاد سوريا عن حليفتها إيران وتغيير خريطة مساندتها الاستراتيجية الى حزب الله وحماس وعدم دعمها للإرهاب في العراق، لتكون لديها  بعض الحلول والوصول الى النتيجة تقربيا لتلك الملفات بمساندة حلفائها في المنطقة.

 وتجزم سوريا من جانبها على اهمية تحسين العلاقة مع أمريكا وما ترتبط بذلك من تنشيط للعملية التفاوضية مع إسرائيل.

 فإن مشروع أمريكا للشرق الاوسط لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تتطرق الجوانب المتعددة ومنها الاقتصادية والأمنية، وتحاول تعزيز دفاعات حلفائها في المنطقة وبالاخص في الخليج العربي ومنابع نفطها في وجه إيران لطمأنة هذه الدول الحليفة لها وتخفيف من مخاوفها من البرنامج النووي الإيراني. بعبارة اخرى تصنع صورة ايجابية لشرق اوسط مقبل على مرحلة تسوية ونزع الفتيل المشتعل في الشرق الاوسط واخراج المنطقة من صراعاتها أستنادا الى أولويات سياستها الجديدة في المنطقة.

أزمة النخب الحاكمة العربية في الشرق الأوسط من هذه الملفات التي يواجهونها لم تتخذ بعين الاعتبار ولم قدموا حيال هذه الملفات موقفا سياسيا او فكريا شجاعا وجديدا، وعدم بحثهم عن مصالحهم الدولية الحقيقية او باحرى لا يفهمون سياسة ولا يجيدون اللعب فيها، حيث يضيعون على انفسهم فرص مهمة في بدايات قرن جديد بسبب عجزهم المتزايد امام الملفات المذكورة، كما فقدوا زمنا ثمينا على امتداد القرن الماضي ولا يعرفون حجم دولهم بين الأمم الأخرى فلا يعرفون أين هي مصالح بلادهم العليا (انهم لا يعلمون أو يجهلون ولا يريدون ان يظهروا حقيقتهم وعلمهم أزاء هذه الملفات)، واساسها غياب الشجاعة والتطور الفكري لدى حكام العرب في لحظات اتخاذ القرارات السياسية المستقبلية، لانهم يعيشون في الوهم حيث دائما يتراهون على الحصان الخاسر أيمانا متحجرا باليا بالمنطلقات من دون أي تفكير.. على عكس ما نجده في الحكومات الاخرى تعلمت كيفية صناعة مستقبل دولها بعيدا عن إعادة إنتاج ما كان قد مضى زمنه من دون مضغة أبدا، وكيف تخطط لمستقبل قادم وكيف يدافعون عن مصالح بلدهم وحقوقهم وثروتهم.

وسبب اخر حيث القرارات المصيرية في الدول العربية يصنعها الافراد وليس المؤسسات السياسية دون تحليل للمعطيات على توقع مجرى الاحداث.

الحكومات العربية لم يغييروا شيئا جديدا عن المواقف السياسية والفكرية التي اعتادوا ان يقفوا في السابق فمعظم هذه النخب الحاكمة تتخذ القرارات الارتجالية على الاستراتيجيات بدون متابعة التطورات في المنطقة وعدم تحديد الوسائل الملائمة والمستقبلية، وتتخد هذه الحكومات قرارها حسب مصلحتها المطلوبة، وهناك الامثلة كثيرة على موقفهم ومنها : القضية الفلسطينية لم تستغل من قبلهم لحلها حلا صحيحا ومعقولا، واخذت القضية تتآكل بنفسها، وظلت تذوب بين أيديهم كقطعة الجليد، واخذ الديناصور الإسرائلي يبتلعه شيئا فشيئا، وحتى سقطت مقولة "الأرض مقابل السلام" دلالة فالقوي لا يحتاج الى السلام المنقوص كالسلام مع مصر والاردن، وإنما تريد سلاما حقيقيا وواقعيا وان يكون التطبيع شاملا مستفيدا لا يقتصر على فتح سفارة معزولة في عواصم الدول العربية.  

كما الحال مع الملف العراقي، تدفق حكام العرب على العراق واحدا تلو والآخر في الآونة اخيرة، بعد ان ذاق شعبه مرارة الارهاب (وكانوا سببا رئيسيا في معاناتهم ودعمهم للعمليات الإرهابية على مدار السنوات الماضية بحجة محاربة الاحتلال)، وتركوه وحيدا لمواجهة اعدائهم خلال الست سنوات الماضية ويكتوي بنار الارهاب والحرب الطائفي، وعدم دعمهم ومساعدتهم لولادة العراق الجديد.

وهكذا الحال مع الشعب اللبناني الذي ترك وحده لقمة سائغة بيد الميلشيات المختلفة والصراع الطائفي والاجندة الاقليمية والدولية. وما زالت هذه الامة في خضم ماراثون الصراع الدولي والإقليمي.

 تعتقد الانظمة العربية انه لا توجد لحل هذه الملفات إلا بالعنف، وكما تعتقد هذه الانظمة بانها تحمي  أنظمتها بهذه الطريقة. ولكنها لا تدري الأمن في منطقة الشرق الاوسط هو استتباب للأمن العربي وبالاخص الخليجي والسعودي، ويحاولون من خلال الشعارات والخيالات والمهاترات والأكاذيب تحت عناوين مختلفة باسم المبادئ القومية والإنسانية والوطنية والدينية ان يوهمون الملايين وقلب الحقائق والوقائع. هؤلاء الحكام منشغلون بمصالحهم الشخصية والعائلية وقسم منها الحزبية الضيقة، ونراهم دائما يتصارعون في ما بينهم على اهداف طائفية او مناطقية او حزبية وتاركين حل هذه الملفات لغيرهم، برغم للعرب الكبير المترامي الاطراف.

 فأن هناك قصور يثير الاستفزاز في مجرد محاولة حكام العرب فهم ما يدور في المنطقة من تطورات، وليس لديهم المراكز البحثية العربية المتخصصة التي تعني بدراسة الشأن في الشرق الاوسط ويقتصر عملهم على توثيق ما ينشر في الاعلام العالمي والاقليمي.

العالم العربي لا يملك أي متخصص لدراسة شأن المنطقة بشكل جدي، على عكس دول غير عربية ومنها " اسرائيل وايران " تمتلك كثير من ابحاث متخصصة في شؤون العالم العربي ومنها منطقة الشرق الاوسط، وهذه دلالة بعدم وجود قيادات سياسية عربية محنكة وداركة لمتابعة ودراسات تطورات في الشرق الاوسط ومواجهة هذه الملفات.

وبسبب أزمة غياب الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وعلى الأصح في المنطقة العربية، ظهرت الاصوات على الساحة السياسية العربية بشكل جلي نتيجة التغييرات الجذرية التي طرأت على معالم السياسة الدولية والتغيير الجذري في النظام السياسي العالمي، وذلك عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وما كان يدور في فلكه الفكري من أنظمة وتربع الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي.

وشهد المنطقة على ساحتها السياسية بعد هذه التغيرات مناقشات وسجالات ازمة الديمقراطية وغيابها على المنطقة. كل هذه التغيرات واحداث 11 سبتمبر أدى الى ظهور اصوات التغيير والإصلاح على الصعدين الخارجي والداخلي في منطقة الشرق الاوسط.

 وتصاعد صيحات التغيير من خلال المجتمعات المدنية وأحزاب المعارضة في الدول العربية وغير العربية التي تطالب تبني القيم الديمقراطية والعادلة الاجتماعية، وتظافر العامل الخارجي نتيجة التغييرات والتطورات السياسية في العالم ضغوطا وبشكل صريح وعلني بضرورة تحقيق الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط وباحرى في العالم العربي والاسلامي، واصبحت الديمقراطية على الصعيد الداخلي مطلبا جماهيريا لان المنطقة اقل مناطق العالم ديمقراطيا، فلا توجد الديمقراطية الحقيقية في أي بلد منها..

ان النخبة الحاكمة في الدول العربية ومنها دول الشرق الاوسط ترفض الديمقراطية كون العالم العربي ( حسب رأيهم ) غير مهيأ لتطبيق الديمقراطية وتحقيقها ولا يمكنها القضاء على المشاكل الموجدة لديها. والسبب الحقيقي هناك خوف دائمة لدى هذه النخبة الحاكمة على مناصبها ومصالحها لذلك تعتمد على الحكم المركزي في سياستها واستخدام السلطة لمصلحتها، حيث تهيمن على السلطتين التشريعية والقضائية، وافتقادها لأهم مقومات الديمقراطية وآلياتها وأبسط مبادئها إلا وهو الفصل والتوافق بين السلطات الثلاث، وهذا أدى بدورها الى انكماش وأبتعاد عن الملفات منطقة الشرق الاوسط وأغفالها وتهميشها تحت حفاظ على الامن القومي الذي تعتبره هذه النخب الحاكمة أهم من الديمقراطية وحرية المواطن في بلدهم. وهذه المبررات دافعا قويا لخنق الاصوات وغياب الديمقراطية وقمع دعاتها، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في دولهم. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com