|
التقدم نحو .. مواجهة مصادر التهديد
عباس عبود سالم قبل اسابيع توفي وزير الدفاع الامريكي الاسبق روبرت ماكنمار عن عمر يناهز 93 عاما ويعد ماكنمار من اشهر المفكرين الاستراتيجيين خلال القرن العشرين، وواحد من اهم الذين اسهموا في اثراء مفهوم الامن القومي على مستوى القارات الخمس. ولماكنمار مقولة تحولت الى مصدر اساسي لتعريف الامن القومي لدى الباحثين، وتنص على ان ( الامن الحقيقي للدولة... ينبع من معرفتها للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها...ومواجهتها) اي مواجهة مصادر التهديد. واهمية الامن القومي تكمن في كونه يمثل المصالح العليا للدولة، وسيطرتها على كامل ترابها، وعلى مواطنيها وممارستها السيادة، وهذه المباديء تكاد تكون مقدسة غير قابلة للاختلاف عليها من قبل الطبقات السياسية، لانها تمس هيبة الدولة، وبدونها تتحول الدول الى اشبه (بالفنادق) لايواء السكان لاغير. وقد تذكرت مقولة ماكنمار وانا اتلقى الانباء التي وصفتها اغلب وسائل الاعلام بانها تطور مفاجيء وهي قيام الحكومة العراقية بعدة اجراءات، بشان تسليم المطلوبين العراقيين المقيمين في سوريا، لاسيما من تورط في تفجيرات الاربعاء الدامي، (محمد يونس الاحمد) و (سطام فرحان). وهذه الاجراءات تعد سابقة من حيث تحديد واعلان مصادر التهديد من قبل الحكومة، على اعتبار ان العراق منذ 2003 يتعرض لحرب مخابراتية شرسة، لكن الخطاب الرسمي العراقي لم يكن صريح بما فيه الكفاية، ليكشف الجزء الغاطس من الحقيقة المرة، وفضل الحديث عن الجزء المعلن من علاقات وتعاون مع دول الجوار، رغم حدوث المجازر اليومية في بغداد ومدن العراق لكن بقي الامر من الالغاز المحيرة. وبالاضافة الى ذلك فان نظرية الامن القومي العراقي، لم تكن واضحة الملامح، نتيجة عدم تحديد مصادر التهديد بصورة واضحة ومباشرة، رغم اصدار وثيقة علنية تضمنت بعض الافكار العامة من قبل مستشارية الامن القومي، لكن هذه الوثيقة لم تكن استراتيجية امنية ناجعة، كونها رغم مابذل في انجازها من جهد، كانت اقرب الى الخطاب التعبوي السياسي، اكثر من كونها تستند الى حقائق علمية موضوعية، تتماشى والتحولات التي شهدها العراق بعد نهاية عهد البعث في نيسان 2003م. اي انها لم تحدد بدقة مصادر الخطر والتحديات الداخلية وخطط معالجتها، ولم تتطرق الى ملابسات العلاقة مع واشنطن التي يستغلها الاخرون، واهمية توقيع اتفاقية سحب القوات، وضرورة توقيع اتفاقيات تعاون امني ودفاع مشترك تعوض عن الوهن العسكري العراقي، او بناء قدرات تسليحية وبشرية تتماشى وخصوصية وضع العراق جغرافيا وسياسيا وتاريخيا، ثم لم تتعامل بصراحة مع التحولات المجتمعية والعلاقة بين المكونات واستغلال التنوع العراقي من قبل دول اخرى. ولو كنا اكثر صراحة، لاكتشفنا ان عقيدتنا الامنية الراهنة تتجاذبها في الواقع اتجاهان هما الامن القومي وفق العقيدة الصدامية البعثية، والامن القومي وفق العقيدة الامريكية، بغياب استراتيجية عراقية. ويحصل ذلك نتيجة تكوين الاجهزة الامنية والاستخبارية والعسكرية من بقايا المنظومة السابقة مع ادخال عناصر جديدة، وتم التوليف بتدريب واشراف امريكي تعامل مع الامر من مدخل المصالح الامريكية العليا، لا بل يقال والعهدة على القائل، ان جهاز المخابرات الوطني العراقي حاول التوسط بين الاطروحتين الصدامية والامريكية. ولاشك ان تجربة العراق في بناء ديموقراطية حديثة، تم بالاستناد على مؤسسات متهالكة من بقايا اشهر نظام ديكتاتوري سلطوي شمولي تميز بالانانية والوحشية، ودمجها بمؤسسات حزبية تثقفت بثقافة المعارضة والعمل السري والتصارعي لعقود طويلة، بالاضافة الى من اندس من بقايا البعثيين الى البرلمان واجهزة الدولة الادارية والعسكرية والامنية، يجعل من الصعب الحصول على نتائج مثالية لبناء تجربة ديموقراطية ناجحة، على الاقل ينذر بكبوات وثغرات، تثار ثم تستغل من جهات خارجية. لكن من بين كل ذلك نجح الجهد الوطني العراقي بشكل فاق التصورات وتمكن من ارساء بذرة الديموقراطية، وسط نظام اقليمي لايؤمن بحكم الشعب، ويتضايق من نسيم الحرية المنبعث من سهول العراق وروابيه وجباله. ومن المحتمل ان يكون نجاح التجربة العراقية واستقرارها على المدى المنظور، عاملا في اسقاط النظم الشمولية والديكتاتوريات التقليدية في المنطقة، اذا لم يكن سبب مباشر في تعريتها واضعافها سياسيا ومعنويا، وهذا الامر يضيف تحد جدي للامن القومي العراقي، الذي يخضع لهجمة اقليمية شرسة استخدمت ورقة الارهاب الدولي بشكل مدروس، تحت غطاء اعلامي هائل، لتخلط الاوراق على الجميع. وفي تقديري ان الحكومة العراقية اتخذت خطوة شجاعة عندما حددت الفاعل الحقيقي لتفجيرات الاربعاء الدامي، وطالبت سوريا بتسليم من ثبت تورطه بأرتكاب هذه الجرائم، كونها بدات فعليا في تحديد مصادر التهديد واتخاذ المعالجات العملية لها، وهي الاساس الاهم لرسم استراتيجية امنية ناجحة، نتامل ان تتوج بتفعيل وتطوير جهاز المخابرات الوطني العراقي، ليتمكن من ان يمارس دوره داخليا واقليميا، وسط اقوى اجهزة المخابرات المجاورة، ولكن وفق عقيدة امنية عراقية خالصة، تقوم على تقديس المصلحة العليا للعراق، وعلى التحديد الدقيق لمصادر التهديد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |