|
صيد السمك واصطياد اصوات الناخبين العراقيين د. حامد العطية نحن جيران النهر أدرى بأطواره، وأعلم بمواسمه، وأعرف باسماكه، وأبرع بصيده، ولصيد السمك أساليب متنوعه، يختص ببعضها أهلنا الريفيون، وأخرى يمارسها أهل المدن، أصعبها الصيد باليدين، تسمع به ولا تراه، لا يقدر عليه إلا الصبور، القوي، النشيط، ثاقب البصر، سريع المبادرة، مرن الحركة. يليه في الصعوبة الصيد بالفالة، وحذار من إغاظة صياد سمك يحمل فالته، فقد رأيت يوماً ريفي اخترقت عظام رجله فالة، تحت الركبة بقليل، كان يجأر بالشكوى، ويتلوى متألماً، وضعوه على عربة يجرها حمار، ونقلوه إلى المستوصف، والصيد بالفالة ليس كالأكل بالشوكة، وان تشابهت الوسيلتان، ويتطلب قوة بدنية، وقدرات خاصة، ومهارات عالية،، لا تكتسب بالهين، بل بالممارسة الطويلة، والتصميم والعزم والأناة، وتحمل خيبات الأمل، فقد تخيب المحاولة، مرات بعد مرات، ثم تصيب مرة، ثم لا تصيب، ولكن الصياد يعود غداً، أو بعد غد، حاملاً فالته، ليحاول من جديد. الصيد بالشص للهواة والصبيان، مجرد خدعة بسيطة، نصل مموه بطعم، يغرون به السمك البليد، فما أن يتغدى بالطعم، حتى يصير عشاءاً للصياد. الصيد بالشباك نوعان: شباك صغير وآخر كبير، يقذف الصياد الشباك الدائري من جرف النهر، فيهبط في الماء، ليصطاد ما يقع عليه من أسماك، ويتطلب قذف الشباك مهارة خاصة، وقوة بدنية كبيرة، لضمان رمي الشبكة بعيداً عن الشاطيء، ولكي تسقط على أوسع مساحة ممكنة من سطح الماء. أما الصيد بالشباك الكبير فهي الطريقة التجارية، الأوفر محصولاً، وفيها يتعاون عدد من الصيادين على مد شباكهم داخل النهر مستعينين بقوارب، ليحاصروا جانباً من النهر، وما فيه من الأسماك، ومن ثم يجمعون الشباك وما بداخلها من الصيد، ولا تتطلب هذه الطريقة مهارات عالية أو قدرات بدنية. كلما اقتربنا من المدن انتشر استخدام السموم والمتفجرات، في صيد الأسماك،وهما طريقتان مذمومتان، ومحرمتان، بل هما قتل جماعي وعشوائي، أشبه بالعمليات الإرهابية، يطال كل الأحياء المائية، بما فيها الأسماك الكبيرة والصغيرة، المحللة والمحرمة، المستساغة وغير المستساغة، فيجمع الصياد، إن صحت تسميته بذلك، القليل منها على عجل قبل افتضاح أمره. هنالك أوجه تشابه بين صيد السمك واصطياد اصوات الناخبين العراقيين، فكما تتنوع طرق صيد السمك وتتفاوت في صعوبتها، تتباين طرق ووسائل الساسة في اصطياد اصوات الناخبين، وفي المقارنة بين العمليتين مدخل لتقييم خطط الساسة للفوز في الانتخابات القادمة. لو كانت الأصوات اسماكاً فأي الطرق يستخدمها الساسة لجمع أكبر عدد منها؟ باليدين مستحيل، بالفالة أبداً، ولا حتى بالشص أو الشباك الفردي الصغير، لآنها كلها تتطلب مجهوداً كبيراً وتركيزاً فائقاً على كل سمكة، عفواً صوت انتخابي، بما في ذلك مخاطبة أفراد أو مجموعات صغيرة منهم يصورة مباشرة، والتواصل معهم ، بطريقة أو أخرى، والاستماع لمطالبهم، واستطلاع أرائهم، واستقصاء همومهم، وتحري مشاكلهم، ومحاولة اقناعهم بأن برنامج المرشح الانتخابي يلبي احتياجاتهم ومطالبهم الفردية والجماعية، كما يستجيب للمتطلبات الوطنية، وهذه أمور يستنكف منها الساسة العراقيون، لأنهم أساساً مبتدئون، بمستوى صف الحضانة في السياسة، وهم خاملون، لا يريدون ارهاق أنفسهم، كما أن الكثيرين منهم استعلائيون، نخبيون، يتكلمون ولا ينصتون، يوجهون ولا يستجيبون، يسألون ولا يسائلون. بالله عليكم تصوروا معي سياسياً عراقياً يركض لاهثاً وراء أصوات الناخبين ليقتنصها، بجدارة واستحقاق، حتى الخيال لايجمح بنا لهذه الدرجة، وإذا كان صياد السمك الذي تزدريه أعين الساسة يمتلك معلومات مفيدة عن النهر وأحياءه ومهارات كبيرة في استخدام يديه والفالة والشباك فليس للسياسي العراقي من مهارات سوى استعراض قدراته اللغوية والخطابية، وهو سخي جداً، لا بوقته وجهده، بل بالتصريحات الفارغة والاستنكارات الزائفة، وهو الأبرع في التلاعب بعواطف الناخبين، فلا يكل ولا يمل من استدرار تعاطفهم من خلال الإشادة بسجله النضالي المزعوم، وإن لم يجد ما يستثير حماسهم به لجأ لتهييج نزعاتهم وأهوائهم، من خلال استثارة نعراتهم العنصرية أو الطائفية أو القبلية المقيتة، وإن وعدهم ومناهم، فما يعدهم ويمنيهم إلا بهتاناً وغرورا. أصل المشكلة في طبيعة التنظيمات السياسية العراقية، الجديدة والمخضرمة والبائدة، العلنية والسرية، الدينية والعلمانية، كلها وان اختلفت كيانات مصطنعة، وليدة الأمس، تحكمها الشعارات الرنانة والعموميات الجوفاء والأفكار السطحية، برامج عملها انشائية، يؤلفها كتاب محترفون مرتزقة، من النوع الذي يستعين به طلاب الجامعات في اعداد تقاريرهم واطروحاتهم، مقابل مبالغ يسيرة من المال. قادة وأعضاء الكيانات السياسية فاقدون للمهارات السياسية والإدارية، لذا تراهم يتخبطون في اقوالهم وأفعالهم، وهم يقولون ما لا يفعلون، والمثال على ذلك معارضتهم الظاهرية للإحتلال الأمريكي، لكنهم باستثناء قلة قليلة سارعوا للتمديد لبقاءه، واقروا اتفاقية أمنية استرانيجية مع المحتلين، وبالأمس اعتمدوا اجتثاث البعث المقيت، ثم عادوا واستبدلوه بقانون العدالة والمسائلة، وعندما تسمع تصريحاتهم عن محاربة الإرهاب التكفيري والبعثي تعجب بها وتثني عليهم، ثم تقرأ عن تسليمهم الإرهابيين للسعودية وسعيهم للتصالح مع البعثيين فتتعجب منها وتسخط عليهم، وقد برهنوا بالشواهد والأرقام عجزهم عن الإمساك بدفة الحكم والإدارة، فلا أمن استتب، ولا خدمات تحسنت، ولا تنمية نشطت، لكنهم أثبتوا براعتهم في استقطاب المرتزقة، وفي تعيين الأقارب والمحاسيب، وفي التستر على الفاسدين والمختلسين. من الواضح بأن معظم الكيانات الحزبية المشاركة في العملية السياسية قد افلست، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وجماهيرياً، وقد باءت بغضب الجماهير الواسعة، التي صبرت عليها طويلاً حتى فاض بها، وصدقت وعودها حتى تبين لها زيفها، وصوتت لها حتى تيقنت بأنها لا تستحق اصواتها، وقد تنبهت هذه الكيانات السياسية المتهالكة لاحتمال فشلها في الانتخابات النيابية القادمة، أو على الأقل عدم حصولها على عدد كاف من المقاعد النيابية، وقد أرعبتها نتائج الانتخابات المحلية لأقليم كردستان التي أنهت احتكار الحزبين الرئيسين المتحالفين، لذا سارعت إلى وضع وتنفيذ خطة للإلتفاف على اصوات الناخبين، من خلال تكوين أوسع التحالفات والائتلافات، متناسين خلافاتها الاستراتيجية وحملاتها التخوينية المتبادلة وصراعاتها الجانبية الدموية. التحالفات والائتلافات الإنتخابية المعلنة أو قيد التكوين أخطبوطية، تضم كل واحدة منها اعداداً كبيرة من التنظيمات والشخصيات والتجمعات الطائفية والاثنية والعشائرية، متعددة التوجهات والألوان والشعارات، أو هكذا يدعون، وسعتهم جميعاً من غير اعتبار لخلافات أو تناحرات أو تنافسات مسبقة، هي كالمسخ أو الوحوش الاسطورية من كثرة الأضداد فيها، والدافع لتشكيلها واحد، وهو ضمان استمرار مواقع أصحابها السياسية، فهم استشعروا بالخطر الداهم على مصالحهم، وأحسوا باهتزاز كراسيهم الوزارية والبرلمانية من تحتهم، فهلعوا وهرعوا للانضمام لهذا التحالف أو ذاك، لأنهم بدون مناصب لا وزن ولا قيمة لهم. هذه التحالفات والتجمعات الانتخابية ما هي في الواقع سوى شبكات واسعة لاصطياد أكبر عدد من أصوات الناخبين، تنوعها مقصود، تخاطب الناخب بأن "كل طلباتك لدينا جاهزة"، وهي تحركات تكتيكية لسد الثغرات بوجه المستقلين أو غيرهم من الطامحين لاستخلافهم، والقرار في آخر المطاف للناخبين العراقيين، وهم وحدهم قادرون على تقديم البرهان للساسة من مصاصي الدماء الجاثمين على صدورهم بأنهم ليسوا اسماكاً يصطادونها بشباك تحالفاتهم، وما أن تغلق صناديق الاقتراع حتى يعودوا لسيرتهم الأولى، وليتبروا ما بقي واقفاً من هذا الوطن المنكوب بهم وبالاحتلال والارهاب وحثالات البعثيين. التغيير قادم حتماً، لأنه سنة من سنن الحياة، وبالتداول السلمي للسلطة أو غيره، وقد تكون الانتخابات القادمة الفرصة الأخيرة أمام العراقيين لتغيير أوضاعهم المأساوية الحاضرة سلمياً، وذلك من خلال المجاهرة بمعارضتهم واستياءهم من الوجوه السياسية القديمة التي ثبت فشلها وتقصيرها، والافصاح عن تصميمهم على عدم التصويت لهم، وهذه نصف المهمة، ولاتمامها عليهم أيضاً حث وتشجيع من يرونه أجدر بتمثيلهم على الترشح، ومطالبته ببيان برنامجه الانتخابي، والتعهد بالوفاء بوعوده، مقابل اسناده بالقول والفعل، والتصويت له في الانتخابات، آنذاك فقط يتحقق خلاص العراقيين، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستقلال الفعلي والديمقراطية الحقة والاستقرار والتنمية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |