رسالة مفتوحة إلى من يهمه الأمر في قوى التيار الديمقراطي العراقي!

 

أ. د. كاظم حبيب

akhbaarorg@googlemail.com

علمتنا عقود النضال الصعبة وتاريخ نضال الشعوب دروساً ثمينة منها على سبيل المثال لا الحصر: إن من يأتي متأخراً تعاقبه الحياة, وكان فهد يؤكد دوماً ينبغي أن لا نضيع الفرص بانتظار الفرص. وكثيراً ما عوقبت القوى الديمقراطية العراقية, ومنها الحزب الشيوعي العراقي, خلال الفترات المنصرمة لأنها أدركت متأخرة ما كان عليها أن تدركه قبل ذاك وتعالجه بجرأة مسؤولية.

ومنذ سقوط الدكتاتورية تحرك الجميع ولكن بتعجيل متباين. وكانت حركة القوى الديمقراطية العراقية, وخاصة العربية منها, بطيئة جداً إلى حد اللعنة, كما أن تحركها كان باتجاهات مختلفة ومتصارعة ومتنافسة ومتخندقة أيضاً بدلاً من أن تسير باتجاه متقارب أو متماثل وتتعاون في ما بينها وفق أسس جديدة وعلى  قواسم مشتركة. في حين سارت القوى الإسلامية السياسية باتجاه طائفي, رغم الاختلاف في ما بين طائفية شيعية وسنية, ورغم التباين في مستوى سلفيتها وتطرفها ومدى ممارستها للسياسة الطائفية والتمييز إزاء الديانات والمذاهب الدينية العديدة الأخرى.

تشكلت تحالفات عديدة في ما بين تلك القوى وحققت نتائج مهمة, في حين عجزت القوى الديمقراطية والعلمانية, وخاصة العربية, في الوصول إلى تحالف متين ومتماسك يخوض الانتخابات العديدة بقائمة واحدة على صعيد البلاد كلها. ما السر في ذلك؟ ليس هناك من سر غير معروف, بل أصبح الأمر معروفاً للجميع. فالكل يريد أن يترأس, أن يقود, أن يكون في المقدمة, أن يكون ممثلاً في المجلس, وليس هناك من يقبل أن يكون الثاني, فكل واحد منهم يريد أن يكون الأول حتى لو جاء ذلك على حساب خسارة الجميع. إنها الكرامة التي يحس أنها تجرح حين يكون الثاني, إنها الهيبة الزائفة (البرستيج) التي يفتش عنها  البعض, وهي التي لن تقود إلا إلى نتائج سلبية وتداعيات في الموقف ومزيد من التفكك.

لو توفر التواضع والوقوف على أرض الواقع وعدم التحليق في السموات العليا لدى أطراف وقيادات القوى الديمقراطية, لو أدرك كل واحد منهم, إنه وبهذا التفكير يعد ضمن الخاسرين, ويساهم في خسارة الجميع, لتغير ربما الموقف وتحقق ما يفترض أن يحصل منذ عدة سنوات.

الأيام تمر متسارعة, ولا نزال نفكر بعقلية متأخرة جداً عن الزمن الجاري بسرعة والفرص تمر من بين أيدينا كما يمر الماء دون أن نحس بتغيره وتغير  تدفقات جريانه. لا أتحدث هنا عن هوى وبدون حقائق, بل هي الحقيقة بعينها رغم نسبيتها.

بالأمس صرح سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الأستاذ حميد مجيد موسى داعياً إلى إعادة تشكيل التحالف الذي نشأ قبل سقوط النظام, رغم أن الحزب الشيوعي وحزب الدعوة لم يكونا ضمن التحالف الذي ارتضى إسقاط النظام عبر الحرب ورفضا الحرب , وبالتالي أبعدا عن المشاركة في التحالفات التي كانت قائمة في أعقاب سقوط النظام لولا إصرار البعض (القوى الكردستانية), إذ عندها أمكن دخولهم في مجلس الحكم الانتقالي والعملية السياسية.

من المحزن حقاً أن الأستاذ حميد مجيد موسى لم يلاحظ كم هو متأخر في طرح هذا المقترح غير الواقعي الداعي إلى العودة وإقامة التحالف القديم من قوى ساهمت بالأساس بتكريس الطائفية وتعميق الاصطفاف الطائفي السياسي في العراق, كما أنها قامت الآن بمبادرة بائسة بتشكيل تحالفها الجديد على وفق الأسس الطائفية نفسها التي تشكل في ضوئها البيت الشيعي قبل انتخابات العام 2005 وبمبادرة من الدكتور أحمد الجلي, وكانت إيران هي العرابة الفعلية لذلك التحالف الشيعي., وهي اليوم عرابة التحالف الطائفي الشيعي الجديد, الذي يمكن ان يدفع غلى تحالف طائفي سني بالمقابل,

وبدلاً من أن يوجه الأستاذ حميد مجيد موسى همه وكل طاقة حزبه صوب العمل من أجل قيام تحالف بين قوى التيار الديمقراطي, وبدلاً من أن يوقف التداعي الجاري في قوى التيار الديمقراطي والتحاق البعض منها بقوى طائفية مقيتة, يدعو إلى العودة لما يمكن العودة إليه, إذ فات أوانه منذ سنوات ونشأت ظروف جديدة وكرست مواقع ومصالح جديدة غير تلك التي سادت في أعوام 2002 و2003. وعلى الماشي يطرح موضوع الاهتمام ومتابعة ائتلاف القوى الديمقراطية!

كم كان الأجدر بالأخ جاسم الحلفي (حشع) والأخ د. صباح عقراوي (حدك) وهما يجتمعان مع بقية أعضاء لجنة التنسيق أن يفكرا في أسباب تفتت القوى  الديمقراطية والتحاق البعض بالائتلاف الوطني العراقي بدلاً من توجيه الدكتور صباح عقراوي اللوم والتوبيخ للحزب الشيوعي العراقي, الذي بلغ عمره 70 عاماً ولم يستطع ان يكتشف أن شخصاً من أعضاء التنسيق يغادر الموقع ليحط في الائتلاف الوطني العراقي, وكأن حزبه غير مسؤول عن هذه الظاهرة وعن عدم نهوض تحالف ديمقراطي واسع في العراق والاقتصار على تحالف القوى الكردستانية, التحالف الذي تفتت في الآونة الأخيرة أيضاً.

كم كان حرياً بممثلي الحزبين العمل الجاد ضمن لجنة التنسيق وخارجها لتجميع كل القوى الديمقراطية وبكل تواضع ومسؤولية من أجل البحث في سبل توحيد القوى قبل أن يتواصل ويستفحل التسرب والتداعي, خاصة وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو لا يزال حليف المجلس الإسلامي الأعلى الذي يشكل العمود الفقري في الائتلاف الوطني العراقي وباسمه الجديد.

إن الحضور الشكلي لممثلي الأحزاب السياسية في لجنة التنسيق لم ولن ينجز شيئاً وعلى  القوى المنظمة, وهي القوى الكردستانية, أن تبذل جهداً أكبر لتحقيق تحالف ديمقراطي عراقي واسع سيحقق الكثير من النتائج الطيبة في الانتخابات القادمة بدلاً من الركض وراء التحالف مع القوائم الطائفية السياسية أو الانتظار لفرج لن يأتي.

كم أتمنى على  اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أن تبادر إلى طرح أفكار جديدة للتحالف, بعد أن انتهت عطلة البرلمان وعاد القادة إلى عملهم, في ما بين القوى الديمقراطية بدلاً من الانتظار الذي لن يجلب لهم ولبقية القوى غير المزيد من خسارة الوقت والتعبئة للانتخابات بالتعاون مع بقية القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية.

ليست الغاية الدخول في البرلمان فحسب, بل الغاية أيضاً تحريك وتعبئة الفئات الاجتماعية للدفاع عن مصالحها, لتنظيم الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات ضد الأوضاع السيئة التي تعاني منها الفئات الكادحة وفئات البرجوازية الصغيرة والكثير من المثقفين وغيرهم, من أجل كسبها إلى جانب برنامج وطني وديمقراطي يعالج مشكلاتها اليومية ويحقق لها مصالحها أولاً وقبل كل شيء. من أجل التصدي للإرهاب وتخليص أجهزة الدولة من القوى المندسة ومن الفساد المالي والوظيفي ومن البطالة والفاقة المتفشية في الأوساط الشعبية, من أجل العناية بالعلاقات العربية والإقليمية والدولية والاستناد إلى أسس سليمة ومعلومات دقيقة عند طرح الاتهامات ومعالجتها الجادة مع المؤسسات الدولية ومنها مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com