|
مدى جدية مالكي وحكومته من إنشاء محكمة دولية خاصة
سعيد بير مراد/باحث متخصص في القانون الجنائي الدولي والمحاكم الجنائية الدولية/ المحكمة الجنائية العراقية العليا بعد تفجيرات يوم الأربعاء الدامي في بغداد تعالت الأصوات في الحكومة العراقية بضرورة إنشاء محكمة دولية خاصة للنظر في التفجيرات الأخيرة. وفي 25 أغسطس الماضي أفد بيان للحكومة العراقية أن مجلس الوزراء العراقي أوعز إلى وزارة الخارجية العراقية بمطالبة مجلس الأمن الدولي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين العراقيين على غرار المحاكم الجنائية الدولية الأخرى. من الجدير بالذكر هنا أن بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق في عام 2003 والى ألان ارتكبت العشرات من جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في العراق. هذه الجرائم وقعت من عدة أطراف منها دولية وأخرى داخلية. حيث لم يتم إلى الآن أي تحقيق لا دولي ولا داخلي في هذه الجرائم. طلب الحكومة العراقية بتشكيل محكمة دولية خاصة بأحداث أربعاء الدامي خطوة في الاتجاه الصحيح ولكنها ناقصة ويثير الكثير من الشكوك والإشكالات القانونية والسياسية. 1. أن تحديد أطار زمني أو تحديد اختصاص المحكمة بواقعة معينة بعينها يثير تساؤلات عن عدالة المحكمة وذلك لان المحكمة سوف تنظر في جرائم معينة وتترك أخرى لأسباب سياسية. هذا يعني أن العدالة سوف تكون ناقصة لان الكثير من الجناة سوف يبقون دون محاكمة ومحاسبة قانونية. 2. هنالك احتمال قوي جدا أن تطالب دول الأعضاء في مجلس الأمن بالتحقيق في جرائم التي وقعت أثناء الحرب و في كل الجرائم التي وقعت بعد 2003 وهذا الأمر سوف يكون له عواقب وخيمة على الحكومة الأمريكية والعراقية وسوف تدخلها في إحراج كبير وذلك: أ. مثلما هو معروف للكثير من خبراء القانون الدولي في العالم فان الحرب الخليج الثالثة ضد العراق كانت تفتقر إلى أي غطاء قانوني فلم تستطع الحكومة الأمريكية حينذاك بالرغم من محاولاتها الحثيثة أن تحصل على قرار من مجلس الأمن بهذا الشأن. هذا الأمر قد يدفع بعض دول الأعضاء في مجلس الأمن إلى المطالبة بالتحقيق في كل الجرائم التي وقعت أثناء الحرب، وإذا ما حصل ذلك فان ذلك يعني إحضار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش و وزير خارجيته السابق كولن باول ووزير دفاعه السابق رامسفلد وقادة عسكريين آخرين أمام المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب. لا أتوقع أن تكون الولايات الأمريكية مستعدة لهذه المغامرة وان اضطرت فسوف تستخدم حق الفيتو. وذلك ليس حبا بالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورفاقه ولكن لان هذا الأمر سوف يؤدي بالضرورة إلى أن تضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى دفع مليارات الدولارات كتعويضات عن الأضرار المادية والبشرية التي لحقتها بالعراق إثناء الحرب دون سند قانوني، ولا اعتقد أن الحكومة الأمريكية مستعد لهذه المغامرة. ب. المسألة الأخرى التي قد تثار هي جرائم الحرب التي وقعت ليس أثناء الحرب، وإنما التي وقعت بعد عام 2003 والى الآن. لقد ارتكبت القوات الأمريكية في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري فيها العديد من جرائم الحرب وذلك بشهادة الكثير من خبراء القانون الجنائي الدولي. هناك إمكانية واقعية أن يطالب بعض أعضاء مجلس الأمن بان تقوم المحكمة بالتحقيق ومحاكمة كل الجرائم التي وقعت بعد سقوط نظام صدام حسين وهذا الأمر وارد جدا. فإذا ما حصلت هذه المطالبة فان الحكومة الأمريكية سوف تقف بالمرصاد لهذه المحاولة. ت. أما بخصوص الحكومة العراقية فأنها قرارها الخاص بالمطالبة بتشكيل محكمة دولية خاصة يثير لها الإشكالات التالية: - لقد ارتكبت بعد 2003 أي بعد سقوط الصنم الكثير من جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية من أطراف مشتركة في العملية سياسية في العراق وميليشيات وطنية سوف لن تبقى ساكتة بل مستعدة للاستخدام كل الوسائل من اجل منع أنشاء مثل هذه المحكمة. - سوف تثار مسائل قانونية أخرى ليس من مصلحة الحكومة أثارتها مثل مسألة شرعية مجلس الحكم الانتقالي من ناحية القانون الدولي والحكومات التي أعقبت مجلس الحكم الانتقالي. - هنالك أطراف إقليمية مشتركة وبشكل فاعل في الجرائم الدولية (جرائم إبادة جماعية، جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب) التي وقعت بعد الحرب أي بعد 2003 مثل سوريا وإيران ودول أخرى. لا أتصور بان هذه الدول سوف تبقى مكتوفة الأيدي حيال الطلب العراقي هذا. تصرف الحكومة العراقية هذا له تفسيران: أولا: كانت هذه المحاولة غير جدية مجرد شكلية ورسالة لتخويف الجانب السوري وأطراف خارجية أخرى بأنها إذا لم تكف عن التدخل في الشأن العراقي فأنها سوف تضطر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن والمطالبة بتشكيل محكمة دولية خاصة كالمحكمة الدولية اللبنانية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. وسوف تسحب الطلب من مجلس الأمن. ثانيا: أن الحكومة العراقية تفتقر إلى خبراء مختصين في مجال القانون الجنائي الدولي وبذلك كانت تجهل الآثار القانونية والسياسية التي تترتب على هذه المطالبة. وآنا أرجح هذا الأخير وذلك لان الحكومة العراقية كانت لديها خيار آخر أسهل من الخيار الأول وذلك دون الحاجة لللجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية خاصة. هذا الخيار يستند على المادة على المادة 12 فقرة 3 من قانون المحكمة الجنائية الدولية. بمقتضاه يمكن للدول التي ليست طرفا في معاهدة روما أذا ما وقعت فيها الجريمة الدولية أو كانوا الجناة من رعاياها التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال إعلان اعترافها بالمحكمة في قضية محددة. وبهذه الطريقة كان بإمكان الحكومة العراقية تجنب الوقوع في كل هذه الإشكالات القانونية والسياسية التي قد تحصل. * Said Pirmurat, PhD Candidate at the chair of Professor Ambos, University of Göttingen, Institute for Criminology, Department for foreign and international criminal law, chair for criminal law, procedural criminal law, comparative law and international criminal law, <http://jura.uni-goettingen.de/k.ambos>.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |