والدنا الرئيس جلال الطالباني مع التحية

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

قبل أسقاط طاغية العراق المقبور صدام حسين كنتُ من الداعين لأن يكون للكُرد العراقيين مساهمة حيوية وأصيلة في حكم العراق الجديد في حال اسقاط نظام الاستبداد والجريمة البعثي في العراق آنذاك، بل وكنتُ شخصيا من المتحمسين في كتاباتي المتواضعة ومداخلاتي الحوارية المغمورة على النت ان يكون السيد جلال الطالباني بالذات رئيسا لجمهورية العراق الجديد لما نتوسم فيه من روح سياسية مرنة بالامكان التعامل معها عراقيا بكل الودّ والاخلاص والثقة !!.

وبالفعل سقط نظام الصداميين الاجرامي في العراق، وبعدها تلاحقت التطورات ليصوّت الشعب العراقي على دستور البلاد ومن ثم ليدخل الشعب العراقي تجربته الانتخابية الاولى لاعضاء برلمان الدولة العراقية، لنصل اليوم الى ان العراق توافق بكرده وعربه وجميع طوائفه على ان يكون نظام البلد برلمانيا تقوده حكومة رئاسة وزراء تنفيذية تنبثق من البرلمان، مع رئاسة جمهورية شرفية تشرف على سير الدولة الا انها لاتشرّع ولاتنفذ سياسات دولة العراق الجديد، وتقرر ان يكون المحترم جلال الطالباني هو صاحب هذا الاشراف الرئاسي ليصبح اول رئيس جمهورية عراقي من القومية الكوردية في تاريخ العراق القديم منذ قيام البشرية والحديث حتى انشاء دولة العراق الحديثة !!.

نعم كانت سعادتنا غامرة بهذا العراق الجديد وانجازاته السياسية العملية التي صنعت ماكان يشبه المستحيل في عراق ماقبل الجديد عندما قدم هذا العراق الجديد رئيسا له ليس من الاكثرية القومية ولامن الاكثرية الطائفية ليكون رئيسا للعراق يسوس العراقيين جميعا بروح الابوة العراقية وليس القومية ولاالطائفية، وهذا من وجهة نظري الخاصة كان احد الانجازات السياسية الاعجازية الوطنية للعراق الجديد، الذي لولاه ولولا انجازاته الوطنية والديمقراطية العراقية لما كان يحلم العراقيين ان يكون رئيسهم من الكورد الذين كان ينظر في عهود الدكتاتورية والتمييز العنصري ومنذ قيام الدولة العراقية وحتى اليوم على اساس انهم غرباء على العراق فيما قبل العراق الجديد !!.

إلا ان الاحداث التي اعقبت التغيير ودخول الارهاب التكفيري والبعثي وبمساندة اقليمية عربية له غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وتعثر التجربة العراقية الجديدة امنيا على تداعيات انهيار دولة البعثيين الاجرامية السابقة كلها وفراغ مؤسستها الامنية من الكوادر، واضطرار العراق الجديد لاعادة تشكيل مؤسسات الدولة وبنائها حجرا على حجر، جعل من فرحة العراقيين بالتغيير وانجازاته السياسية العملاقة تنزوي امام شراسة الهجمة الارهابية القادمة من الخارج، وتتراجع عن الانظار حتى كاد العراقيون لايرون في هذا العراق الجديد سوى الارهاب والخراب والدمار .... باعتبار غبار ودخان معركة الارهاب مع العراق الجديد الذي حجب الرؤية تماما عن كل ما انجزه العراق في دستوره وفي انتخاباته وفي شحنة الامل المعمارية التي كانت ولم تزل مستعدة للدفع بهذا العراق الجديد الى الامام وبقوّة، وايضا باعتبار مالعبه الاعلام الفضائي العربي المعادي للعراق الجديد من خلط للاوراق وابراز كل ماهو سلبي عن العراق الجديد وتغطية وتعتيم وقتل كل ماهو ايجابي في هذا العراق الجديد الممتحن بحياته !!!.

كل هذا وغيره دفع بالعراق والعراقيين الى مأزقية وفوضوية سياسية عارمة في مؤسسات دولة العراق الجديد مع بقاء الهيكل العام قائما، وخلق ايضا لهم اشكاليات دستورية وتنفيذية وعملية وحركية ....على الارض العراقية لم تكن متوقعة لو كانت الامور في العراق الجديد تحركت بانسيابية وطبيعية سياسية !!.

عندها تداخل الكلّ في الكل في العراق الجديد، الامني مع السياسي، والاقتصادي مع الاجتماعي، والاقليمي الدولي مع المحلي، والقانوني مع غير القانوني، والارهابي مع غير الارهابي ....... وهكذا الى ان وصلنا اليوم ونحن نصحوا على عراق مابعد الهجمة الارهابية الكبرى عليه، ونجاته من المحرقة وهو مركبٌ وبناء معقدٌ من الهرميات والمؤسسات والبيروقراطيات التي تحجب بعنف نقاء وصفاء العراق الجديد بدستوره ونظامه وقيامته .......لنكتشف في هذه اللحظة اننا أمام مؤسسات متعددة فرضها الظرف الطارئ الذي خلقته حالة عدم الاستقرر التي وقعت على العراق الجديد من مؤسسة الرئاسة وفي مقابلها رئاسة الوزراء في تناقض تنفيذي في رسم وتنفيذ السياسات العامة للوطن العراقي، وكذالك مؤسسة البرلمان وفي مقابلها تكتلات الاحزاب ومصالحها الحزبية في تناقض وتصادم يعطلّ من عمل كلا الطرفين،ولدينا مؤسسة الاعلام وفي مقابلها مؤسسة الامن والدفاع في تناشز في العمل والاهداف والغايات ....الخ، وكل هذا ليس من نتاجات دستور وطن صوّت عليه شعبه، ولاهو من ممارسات سياسية مستقرة كانت اهدافها منصبة فقط على بناء واعمار لاغير، وانما هي ردّات فعل ومخاضات تجربة جديدة جوبهت باعنف هجمة ارهابية لاغير !!.

الآن السؤال الذي ينبغي ان يطرح لصالح مسيرة العراق الجديد هو : كيف لنا كعراقيين ان نعيد مسار العراق الجديد لحالة الصفاء والنقاء والدستورية والقانونية والنظامية المثمرة والمنتجة والايجابية كي نبني العراق الدستوري الجديد على الحقيقة بعد ان تخلص بنسبة لابأس بها من مؤثرات الضغوط الارهابية العنيفة التي كانت تفرض عليه اجندات عمل طارئة وغير واعية ولامخطط لها بشكل استراتيجي ؟.

بمعنى آخر : انه بالفعل العراق اليوم يعيش حالة من الترهل المؤسساتي داخل الدولة العراقية تعيق كيان هذه الدولة من العمل الانسيابي والقانوني المنتج، بل وهناك فوضى مؤسساتية داخل العراق الجديد بين مؤسساته تخلق له نوع من الارباك في حركته الداخلية والاقليمية الدولية ومن اهمها مؤسسة رئاسة الجمهورية العراقية التي خلقت لنفسها دستورا وقانونا يطالب بالمشاركة الفعّالة في كل شيئ في داخل وخارج الدولة، بينما ودستوريا عرفيا كانت مؤسسة رئاسة الجمهورية مؤسسة اشرافية وليست تنفيذية او تشريعية حسب ما قرره انتخابيا النظام العراقي البرلماني الجديد نفسه، مما دفع في المقابل مؤسسة رئاسة الوزراء من التصادم العملي والدستوري كحالة حتمية ايضا مع مؤسسة الرئاسة التي خلقت على انقاض الوضع اللاقانوني لمعالجة الارهاب والطوارئ، والتي اصبحت تحاول اخذ وظيفة رئاسة الوزراء دستوريا وعمليا وفعليا، وعلى هذا فسؤال : كيف حلحلة هذه الشبكة السلبية والمعقدة من العلاقات بين مؤسسات دولة العراق الجديد ؟.

وسؤال : كيف لنا تنقية التجربة العراقية الجديدة والعودة بها الى الاصول التي توافق عليها الشعب العراقي كله من خلال تصويته على شريعته ودستوره ؟.

هو السؤال الذي من خلال الاجابة عليه يمكن للعراق الجديد ان يبدأ حركة وانطلاقة جديدة الى الامام مع مؤسسات دولة تتكامل ولاتتناقض او تتناشز في عملها السياسي المطلوب والمرجو والمؤمل !!.

نعم بالامكان حلحلة الاشكال ورفع الترهل والتناقض الواقع بين مؤسسات دولة العراق الجديد لاسيما منها مؤسستي الرئاسة الشرفية ورئاسة الوزراء العملية اذا توافق قادة التجربة الجديدة في هذا البلد على قاعدة : (الرجوع دائما في زمن الاشكالات المعقدة والتناقضات المتضاربة لوظائف واعمال مؤسسات الدولة لأصول الدستور الاولية النقية والفطرية البسيطة التي تشرّع لكل مؤسسة داخل الدولة خطوط وظائفها العامة )!.

وبهذا التوافق على الرجوع للقاعدة الدستورية هذه نكون امام صورة لالبس فيها ولاغبار او دخان ارهاب يضغط لاعادةانتاج وظائف وخرائط مؤسسات الدولة العراقية الجديدة من جهة مضافا الى اننا نكون متحركين داخل اطار الدستوروالقانون وليس خارجا عنه لنجمد او نحرّك اي مؤسسة على حساب اخرى من جانب اخر !!.

بمعنى اكثر وضوحا: تمام انه ومن خلال احتكاكات مسيرة العراق الجديد والضغوط الذي مورست ضده منذ قيامه وحتى هذه اللحظة فرضت بعض الظروف الاستثنائية ان يكون لمؤسسة الرئاسة العراقية مجلس مصغر، لمناقشة الامور الامنية والسياسية والاقتصادية ...داخل البلد من خلاله تصنع حلقة وصل مع مؤسسة رئاسة الوزراء ومؤسسة رئاسة البرلمان لتكون مؤسسات الدولة في حالة تكامل في العمل وتوحيد الرؤية وغير ذالك، ولكن هذا لايعني مطلقا ودستوريا ان هذا المجلس او اي مجلس رئاسي اخر قد اكتسب صفة دستورية قاطعة تؤهله لتجاوز خطوط وظيفته العامة في نظام العراق البرلماني الجديد، بل وفي حال تصادم تلك المجالس الفرعية في اعمالها او في رؤاها او في مشاريعا او تصوراتها فعلى الدولة والعراقيين جميعا الرجوع والاحتكام الى الدستور وبخطوطه العامة والنقية والخالية من اي اظافات طارئة بعد كتابة نسخة الدستور العراقية الاولى ليتسنى للعراقيين معرفة حدود مؤسسات دولتهم الجديدة ومع من يكون الحق في حال الاختلاف ؟.ومن هو الذي يتجاوز حدودصلاحياته ووظائفه السياسية العامة عند التصادم ؟. ومن هي المؤسسة المقصّرة في عملها عند وقوع الكوارث ..... وهكذا !!.

عند هذا المفصل بالامكان الحديث عن دولة ومؤسسات ودستور وشعب وديمقراطية وكيان أمة، أما في غير هذا الاتجاه فلا يمكن الحديث عن دولة ودستور بقدر الحديث عن صراعات سياسية تهدف الى عدم قياد الدولة والدستور لاستمرار حالة وجود دولة كل مؤسسة على حدة في داخل العراق الجديد، ليكون لمؤسسة الرئاسة دولتها الخاصة التي من خلالها تدير جزء من العراق، ولمؤسسة رئاسة الوزراء دولتها الخاصة، ولرئاسة البرلمان كذالك دولته الخاصة التي من خلالها يريد تحريك العراق او تجميده وشلّه عن الحركة كما هو الحاصل اليوم بالفعل عندما يعطل البرلمان سنّ بعض القوانين الحيوية لحركة الدولة واستمرارها في النشاط والحياة !!.

الغرض هوالقول:اننا هنا لاننتصر كعراقيين جاهدوا طويلا في سبيل التغيير في العراق وبنائه على انقاض دكتاتورية الصداميين البعثية الى مؤسسة داخل الدولة العراقية على اخرى لسبب بسيط هو اننا ننظر لهذه الدولة على اساس انها ثمرة دماء شعبنا العراقي كله وبذرة تضحيات وعرق وتعب وجهد جميع هذا الكم الهائل من العراقيين وماهذه الدولة الا وليد شرعي لتصويت الشعب العراقي وانتخابه ومن هنا كانت مقولتنا هذه رؤية تتحرك في حيز الامانة والمسؤولية لهذه التجربة الجديدة التي نريد بالفعل الحفاظ عليها داخل اطار القانون والدستوروكل شيئ يناقض الدستور العراقي فهو باطل وفيروس مدمر للجسد العراقي يجب الوقاية منه، لاسيما تلك التناقضات التي يهدف الارهاب لخلقها داخليا في العراق الجديد على حساب مجمل التجربة السياسية العراقية الجديدة، ونعم نحن مع النظام البرلماني الاتحادي العراقي، الذي يعطي للبرلمان حق التشريع والمراقبة ولرئاسة الوزراء حق رسم السياسات وتنفيذها داخليا وخارجيا، ولرئاسة الجمهورية حق الاشراف والابوية، وبهذا كلٌّ يدرك واجبه وكلّ مسؤول عن تقصيره واخفاقاته في الحاضر وفي المستقبل، أما ان يتدخل البرلمان ليعيق رئاسة الوزراء، او تتدخل رئاسة الجمهورية لتفرض رؤية في السياسات العامة الداخلية والخارجية على رئاسة الوزراء، او تحاول رئاسة الوزراء ان تشرّع القوانين وتتجاوز صلاحية التنفيذ والمسؤولية الملقاة على عاتقها فكل ذالك مدان جماهيريا عراقيا والذي هو الرقيب وصاحب الصفة الذي من حقه ان يحاسب ممثليه في جميع مؤسسات دولة العراق الجديد !!.

سيدي الرئيس جلال الطالباني المحترم: في عراقنا البرلماني الجديد نتمنى ان نرى رئيسا لكل العراقيين لايمارس السلطة ولكنه يشرف عليها ويحلحل من اشكالاتها لاغير ثقة منه ان دستور العراق وقانونه الاعلى اناط ممارسة السلطة بجهة معينة تتحمل جميع مسؤوليات الاخفاق او النجاح، ولهذا نتمنى على سيادتكم ان تشرفوا على ارجاع التجربة العراقية الجديدة الى اصول دستورها الاول والذي كتب باصابع العراقيين البنفسجية ودماء اطفالهم لتكون رئاسة الجمهورية في النظام البرلماني هي الرئاسة الشرفية لاغير وإلا لكان بمقدور العراقيين ومكنتهم ان ينتخبوا ويصنعوا لهم نظاما رئاسيا ان ارادوا من رئيس الجمهورية ان يحكم ويمارس السلطة فعليا، وهكذا لتكون رئاسة الوزراء رئاسة تنفيذية والبرلمان فقط جهة تشريعية ورقابية لاغير !!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com