مستقبل السياسة اليمنية بعد أحداث صعدة إلى أين؟

 

محمود الربيعي

mahmoudahmead802@hotmail.com

مقدمة تأريخية معاصرة لنهاية حكم الامامة الزيدي في اليمن

أنتهى الحكم الزيدي في اليمن منذ عام 1962 بعد إنهيار حكم الإمامة من قبل آخر أئمة الحكم الزيدي وهو حكم الإمام محمد البدر إبن الإمام أحمد بن حميد الدين حيث لم تدم خلافته بعد وفاة أبيه إلا فترة قصيرة جدا وقد توفي الأخيرعام 1996 خارج اليمن.

لقد تميزالحكم الزيدي بعدالته وكان يقوم على أساس الاسلام وتطبيق تعاليمه بشكل دقيق في وقت كانت أكثر الدول العربية تمر بظروف إقتصادية عسيرة وأنظمة حكم مرتبطة بالاستعمار وأنتهت هذه الدول بمرحلة إنقلابات متسارعة على الحكومات الملكية كما حدث ذلك في كل من العراق والشام وتونس ومصر وكذلك اليمن.

عدم مصداقية الجمهوريات التي قامت بعد سقوط الانظمة الملكية

 وبعد سقوط الحكومات الملكية لم تكن حكومات الجمهوريات الجديدة صادقة في الوفاء مع شعوبها إذ أاصبحت فيما بعد حكومات مستبدة وظالمة.

التحالف بين النظام الحاكم في اليمن مع الحركة السلفية ولاجئي البعث

ولنا أن نذكر أن حكومة اليمن الحالية قد أختارت بدلا من أن تقف على حل مشاكل مواطنيها بنفسها إلا أنها راحت تتحالف مع الحركة السلفية في اليمن والسعودية ومع البعثيين الهاربين من العراق لمواجهة الحركة الحوثية الزيدية في شمال البلاد في صعدة وعمران.

سجل تحالفات النظام اليمني الحاكم مع السلفية ضد الاشتراكيين في الجنوب

 ومما يذكر أن الحكومة اليمنية قد تحالفت سابقا مع النظام السعودي وذراعه الوهابي في مواجهة الحركة الشيوعية في جنوب البلاد وتركت المجال مفتوحا أمام الحركة السلفية  لنشر أفكارها السياسية والعقائدية والطائفية المتطرفة، وأستطاع السلفيون أن يشاركوا في السلطة وأن يفتحوا المعاهد في جميع أنحاء اليمن لنشر المذهب السلفي كمكافئة من النظام الذي سمح لأساتذة منهم أن يدرسوا في الجامعات اليمنية في صنعاء وغيرها من المدن والمحافظات مما أثر كثيرا على الصبغة الزيدية للبلاد الامر الذي أساء للزيدية التي رأت أن النظام قد سحب البساط تماما من يدها وصبغتها الوطنية وعمم بدلا عنها  الفكر الوهابي السلفي المتطرف بموازاة انظامها الاشتراكي.

الحوثيين لايشكلون إلا جزءا من الوجود الزيدي لملايين من اليمنيين في كافة انحاء البلاد

 إن إطلاق تسمية الحوثيين على الثوار في اليمن يعتبر تجنيا على حقيقة الأمر فالمسألة أكبر من ذلك بكثير إذ أن الحوثيين هم جزء من الوجود الزيدي وهو يمثل جبهة قيادة وسط الكثير من القيادات الزيدية الناشطة داخل اليمن من الاسر الزيدية في طول البلاد وعرضها، ولكن مانقوله هو أن الحركة الزيدية أخذت الآن إطارا ناميا كبقية الحركات وإن كان وكما يبدو من طبيعة الاحداث أن مطالب الحوثيين هو الحصول على الحقوق الانسانية والوطنية لإنها تعيش تحت خط الفقر والتخلف الاقتصادي والعمراني والخدماتي الذي اضطر الثوار الى إعلان سخطهم على النظام.

حالة إقصاء سياسي وبرلماني للزيديين في اليمن

 وتعاني الطائفة الزيدية  بشكل عام من حالة إقصاء حادة في السياسة والحكم وبدأ الزيديون يشعرون بأنعزالهم وأنهم  تخلفوا كثيرا عن ركب التقدم الذي احرزوا غيرهم وأحسوا بخطر الإندثار فسارعوا الى تجديد الروح المعنوية والثورية والعقائدية لإنفسهم لاجل ان ينالوا حقوقهم المشروعة، ويجب أن لانقلل من قوة تأثير فعل الزيدية داخل اليمن إذ أن أكثر الناس في اليمن يدينون بهذا المذهب وقادرين على تحريك مجمل الوضع الداخلي فيما لو اساءت السلطة التصرف معهم، وكان على السلطة اليمنية أن تستثمر هذه الحقائق لصالحها كما استثمرت من قبل وجود الحركة السلفية التي اصبحت اليوم كريهة السمعة.

إحتمال مطالبة الحوثيين للحكم الذاتي والحقوق السياسية الوطنية

 ولم تستطع السلطة اليمنية أن تتفهم الواقع الجديد للزيدية وتعاملت مع هذا الملف بشئ من التعالي والكبرياء بدلا من التواضع خصوصا انها تدعي الديمقراطية إذ لم تعط الزيود حقوقهم السياسية في السلطة وداخل البرلمان، ولم تشاركهم الحياة السياسية كمواطنين من الدرجة الاولى، لذلك فان الاحداث ربما ستهئ المجال أمام الحوثيين للمطالبة بالحكم الذاتي مادامت السلطة قد أعلنت القتال وقررت تصعيد المعارك معهم ووصلت الى طريق مسدود.

منطقة صعدة والمناطق المحيطة بها مناطق ساخنة

والزيدية كما ذكرنا يتواجدون في كل محافظات اليمن ومنها صعدة القريبة من الحدود السعودية التي تقع في شمال اليمن وهي منطقة جبلية وعرة ذات قمم شاهقة وأودية سحيقة وحولها محافظات عمران وحجة ومأرب والجوف وصنعاء التي يسكنها الملايين من الزيود وليس من المنطق تجاهل هذا الوجود ولابد ان تأخذ الحلول المنطقية طريقها لحل المشاكل بشكل سلمي بدلا من تصعيد حالة المواجهة.

لابد من الاعتراف بالوجود الزيدي أزاء مايجري من الحقائق على أرض الواقع

ولقد قام الزيود على مدى التأريخ في القرون الماضية بمحاولات السيطرة والحكم حتى إنهيار حكم الامامة التي كان يرأسها الامام محمد البدر آخر حكام الزيدية، ولكن الزيديين ظلوا محافظين على هويتهم في المراكز الزيدية المهمة كالمدارس الدينية في المساجد أو الحوزات الزيدية في صنعاء وصعدة وفي بقية المحافظات حتى أخذت السلطة اليمنية تنتهج سياسة القمع والعنف.

المواجهة بين السلطة والحوثيين لابد ان تنتهي الى مفاوضات وحلول

وخلال الشهرين الأخيرين من أغسطس وسبتمبر من هذا العام إشتدت المواجهة بين السلطة والحوثيين بعد موجة من الاعتقالات والتضييق لحركتهم السياسية والعقائدية وظنت السلطة أنهم أصبحوا يشكلون خطرا يهددهم وبدل من أن تفسح لهم مجالا للحوار الديمقراطي وتمنحهم حقوقهم في إنتخابات حرة نزيهة للمشاركة رأت أن تستأصل حركتهم..  وهذا الحال يشبه تماما وضع الأكراد في شمال العراق حيث عمد صدام الى حربهم وإبادتهم بمختلف الوسائل الحربية واستخدام القوتين الجوية والبرية دون جدوى واضطر بدلا من ان يعطيهم الحكم الذاتي الى الخروج من السلطة مهزوما..  لذلك ننصح الحكام اليمنيين أن يمدوا جسور المصالحة فذلك أفضل بكثير من إعلان الحرب عليهم وهم يعدون بالملايين ويشكلون الغالبية العظمى للشعب.

الحروب العبثية تهديد مباشر لسلامة المواطنين

فالحروب العبثية لاتنتج إلا سفك الدماء وإزهاق أرواح المواطنين فقد سقط العشرات من القتلى والجرحى وتشرد أكثر من 150 الف مواطن نزحوا الى خارج مناطق القتال وأنقطعت عنهم المؤونة والإمدادات مما اعتبر ذلك دوليا تهديدا للحالة الانسانية إذ تشير التقارير لطبيعة وحجم الخسائر الجسيمة في الارواح حيث قتل الآلآف من المواطنين الابرياء في صعدة فقط منذ عام 2004.

اعتقالات واسعة في صفوف الشيعة الزيدية وبقية الطوائف الشيعية

كا تشهد اليمن هذه الأيام بعد هذه الحوادث حملات إعتقالات واسعة في صفوف المواطنين أشبه ماتكون بالحملات التي كان يقوم بها حزب البعث في العراق، حيث كان يتم إعتقال كل من يشتبه به ممن له نشاط فكري في محافظات اليمن وقد شملت هذه الحملات الشخصيات التي آمنت بالمذهب الشيعي الجعفري الأثني عشري مع أن الحركة الزيدية المسماة بالحركة الحوثية ليس لها أية علاقة بالمنتمين الى المذهب الاثني عشري إذ أن هؤلاء لهم إنتماءاتهم وقناعاتهم بالمذهب الجعفري ويدعون اليه دعوة عقائدية وليست سياسية.

دعم سعودي وهابي، وبعثي عراقي

 ان النظام السياسي الحاكم في اليمن وحسب التقارير يتلقى دعما سعوديا بسبب إتجاهه الطائفي الذي يتقاطع مع اي توجهات شيعية، كما أن ضباط وأركان النظام البعثي العراقي يشاركون في دعم هذا النظام ويقدمون التدريب العسكري لتنظيم القاعدة للقيام بأعمال إرهابية في مواجهة الشيعة الزيدية أو إرسالهم الى العراق.

صعوبة إنهاء الصراع مع الزيدية بوسائل عسكرية

لكن وكما يبدو إن محاولات السلطة اليمنية في إفشال الحركة الزيدية لن يكتب لها النجاح بسبب حرب الاستنزاف الطويلة الامد التي قرر ان يخوضها الحوثيون إضافة الى صعوبة الحسم العسكري في تلك المناطق الجبلية الوعرة التي يجيد فيها الحوثيون التحرك فيها بسهولة كما كان يفعل الاكراد داخل العراق.

التباين في مواقف المجتمع الدولي ومواقف الدول العربية

لقد عبر المجتمع الدولي في اورووبا عن قلقه تجاه مايجري داخل اليمن وأعتبروا إن مايجري يشكل تهديدا للحالة الانسانية لسكان المناطق المدنيين ويهدد حقوق الانسان فيها، كما أن سكوت الأنظمة العربية عما يجري داخل اليمن بسبب توجهاتها الطائفية قد ينقل المعارك الى داخل بلدانها مادامت قد قاطعت طريق الديمقراطية والحوار ولم تلجأ الى التفاوض والحلول السياسية السلمية.

وأخيرا ندعو الحكومة اليمنية الى اتخاذ مبدا الحوار والتفاوض للوصول الى حلول سلمية وتجنب الخيار العسكري ضد المواطنين فان في ذلك مصلحة للجميع كما نوصي بجملة من الامور منها:

 أولا: أن تعتمد السلطة اليمنية على نفسها في حل مشاكلها وأن تتحرك بمعزل عن التدخلات الإقليمية.

 ثانيا: أن تفسح المجال للتفاوض والحوار الديمقراطي مع أبناء الوطن الواحد وتلبية نداءات المجتمع الدولي بأختيار الحل السلمي من خلال الحوار الشعبي. 

ثالثا: فسح المجال أمام الحوثيين للمشاركة الجدية في عملية بناء الوطن وإعماره.

 رابعا: إيقاف جميع الاعمال العسكرية في مناطق صعدة وعمران بشكل كامل للحفاظ على سلامة المواطنين وفسح المجال أمام عمليات الإغاثة والعمل على وصول الامدادات والمعونات الغذائية والطبية.

 خامسا:إعلان العفو العام وإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء كافة حالات الاعتقال العشوائي المبني على الظنة في كافة أنحاء البلاد والشروع بعملية المصالحة الوطنية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية.

 وفي النهاية نتمنى لليمن السعيد ن يبقى دوما سعيدا متآخيا بعيدا عن النداءات المتطرفة والمعارك الجانبية التي لايستفيد منها الا اعداء الامة وأن يوحد صفوف شعبي في السلم والعدل والسعادة. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com